"ماثيو بيري: تراجيديا هوليوودية"... معاناة "صديق" أضحك العالم
عربي
منذ 10 ساعات
مشاركة

 

في عالمٍ يقدس الشهرة ويُغري بها، تبرز استوديوهات هوليوود حيث الأضواء الساطعة تمنعنا من رؤية ما يحدث في الظلال. مصانع النجوم هذه لها مرأب خلفي ترمي فيه ما لم يعد مربحاً لها، حتى لو كان ممثلاً ضربت شهرته أصقاع الأرض. الفيلم الوثائقي Matthew Perry: A Hollywood Tragedy (ماثيو بيري: تراجيديا هوليوودية) الذي صدر عام 2025 يروي حكاية سرديّة تقليدية عن رحيل نجم مسلسل Friends (الأصدقاء) المأساوية، ماثيو بيري، ويتطرق بخجل إلى النظام المبني على قواعد متشابكة من تجارة المخدرات.

في معظم قصص الشهرة، وتحديداً قصص مشاهير الكوميديا، تروى القصة عبر إظهار وجه الوحدة والتعاسة لمن يُضحك الملايين، وحين يصبح وحده بين جدران غرفته، تتحوّل الكوميديا إلى تراجيديا. هذا السياق المكرور يتعارض في الوثائقي مع مفاهيم الشهرة وطريقة تعاطي المشاهير مع ثقافة الشهرة اليوم؛ لا يُقتل ماثيو بيري بمخدر الكيتامين وحده، بل بثقافةٍ تسمح بتحويل الإدمان إلى تجارة، والهشاشة الإنسانية إلى سلعة، وتدين التُجّار لا المتعاطين، فلا مسؤولية فردية هنا.

يبدأ العمل بطفولة ماثيو بيري في كندا. الانفصال المبكر لوالديه كان بداية كل شيء، بعده بدأ ترحاله بين مونتريال (مكان سكن أُمه) ولوس أنجليس (مكان سكن أبيه). تلك الرحلات وحدها كانت رحلات نحو الهشاشة النفسية، وزرعت بذور الوحدة في شخصيته. أما مشواره الفني، فقد بدأ بأدوار ثانوية في مسلسلات تلفزيونية مثل ?Who’s the Boss. دوره باسم "تشاندلر بينغ" في مسلسل "فريندز" الذي بدأ عام 1994 كان البوابة الذهبيّة ليصبح نجماً عالمياً. يصبّ المخرج براعته في الوثائقي بالربط بين تقلبات وزن "تشاندلر" في المسلسل وإدمانه، إذ النحافة تعني إدمان الحبوب، واكتساب الوزن الزائد يعني الغرق في الكحول.

عام 1997، بعد حادث دراجة مائية، بدأت معاناة بيري مع مسكنات الألم، وتحوّلت لاحقاً إلى إدمانٍ شامل. والكيتامين الذي كان يُستخدم لعلاج اكتئاب بيري، تحول إلى سلاحٍ قاتل يورّد له بانتظام عبر شبكة من الأطباء وتجار المخدرات، فالإدمان، بغض النظر عما يدمنه، هو "الشيء الكبير الرهيب"، كما سماه في مذكراته. يكشف التحقيق الجنائي كيف حصل بيري على 27 حقنة من الكيتامين في ثلاثة أيام قبل رحيله، بعضها حُقن في المقعد الخلفي في سيارته على يد طبيب مُتهم. قسم كبير من العمل هو تحقيق استقصائي حول شبكة من الأطباء وتجار المخدرات، وعلى رأسهم "ملكة الكيتامين". المثير للاهتمام أن السلطات القضائية والجنائية لم تتحرك إلا بعد موت بيري في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتبين أن هناك سوقاً سوداء توازي سوق الشهرة، وبيري كان عملة في كليهما.

يكشف المخرج روبرت بالومبو (صاحب فيلم Cocaine Bear: The True Story) عن الرسائل النصية بين المتهمين؛ "كم سيدفع هذا الغبي"؟ هكذا كتب أحد الأطباء عن بيري، ويعتمد بمبالغة على لقطات الباباراتزي ومقابلات الصحافيين بدل الأقارب أو زملائه في مسلسل "فريندز"، ما يجعله أشبه بتقرير إخباري مطوّل. اللحظات الأقوى تأتي من تسجيلات بيري الصوتية لمذكراته، فيقول في أحد مقاطعه: "يجب أن أكون ميتاً".

هوليوود، التي صنعت بيري، هي نفسها التي دمرته. النظام الذي احتضنه في البداية كبّله في النهاية، وهناك كثير من الإدانات التي تراوح بين تحميل بيري المسؤولية الفرديّة عن إدمانه، على الرغم من أنه صرف ما يقارب تسعة ملايين دولار في المصحات من أجل التعافي ولم ينجح، وبين النظام الذي يستغل الهشاشة الإنسانية والوحدة والضعف. في ساعة واحدة، يحاول الفيلم سرد حياة مركبة، لكنه يترك المشاهد مع أسئلة أكثر من الإجابات، ويؤكد أن المفارقة بين الضحك العلني والمعاناة السريّة مع الوحدة هي جوهر التراجيديا، ويبقى بيري في ذاكرة الجمهور بوصفه "تشاندلر" الصديق الذي أضحك العالم.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية