الاقتتال الطائفي في سورية: دمشق ترفض دعوات التدويل
عربي
منذ 11 ساعة
مشاركة

لم تكد السلطات السورية تسيطر على الأوضاع في جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا، بعد الاقتتال الطائفي في سورية الذي بدأ منذ يوم الاثنين الماضي وحتى عصر الأربعاء وأدى إلى سقوط عشرات الضحايا، حتى انتقلت التوترات الأمنية مساء الأربعاء إلى محافظة السويداء، التي شهدت ليلة الأربعاء ـ الخميس مواجهات عنيفة خلّفت عشرات القتلى والجرحى والمفقودين في هجمات مسلحة وصفت بالأكثر دموية منذ سنوات في تلك المنطقة. وبعدما تدخّل الاحتلال الإسرائيلي في أحداث أشرفية صحنايا حيث وجّه ضربات الأربعاء لمن قال إنهم مسلحون كانوا يستعدّون لمهاجمة الدروز، برزت أمس مطالبة شيخ عقل الموحدين الدروز في سورية الشيخ حكمت الهجري بتدخّل "قوات دولية لحفظ السلم" في سورية، ليقابل برد غير مباشر من وزير الخارجية أسعد الشيباني الذي حذر من دعوات التدخل الخارجي، في البلاد التي لم تستقر بها الأوضاع بعد نحو 5 أشهر من إطاحة نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

هدوء بعد أيام من الاقتتال الطائفي في سورية

وبعد أيام من الاقتتال الطائفي في سورية وفيما لم تصدر أي حصيلة رسمية حتى أولى ساعات مساء أمس لضحايا الاشتباكات، تحدث المرصد السوري في بيان أمس عن توثيق مقتل 74 شخصاً من المدنيين والمسلحين المحليين من الدروز وقوات الأمن العام والقوات الرديفة لوزارة الدفاع السورية في جرمانا وصحنايا وريف السويداء خلال 3 أيام.

تحدث المرصد السوري في بيان أمس عن توثيق مقتل 74 شخصاً في جرمانا وصحنايا وريف السويداء خلال 3 أيام

وعاشت محافظة السويداء على وقع اشتباكات ليل الأربعاء ـ الخميس قبل أن تهدأ الأمور أمس. واندلعت الاشتباكات الأولى ظهر الأربعاء في منطقة براق على طريق دمشق ـ السويداء، عندما تعرضت مجموعة من أهالي السويداء لكمين مسلح في أثناء توجهها إلى بلدة صحنايا بريف دمشق، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد كبير منهم، وفق شهود عيان، فيما انسحب الناجون إلى مدينة السويداء حاملين جرحى وقتلى، بينما سيطرت المجموعات المهاجمة التي تنتمي إلى عشائر بدوية ومجموعات متشددة على جثث بعض الضحايا، وفق مصادر محلية تحدثت لـ"العربي الجديد". وأفاد المرصد السوري عن مقتل 23 شخصاً على الأقل جراء هذا "الكمين". وقال المرصد إن "القتلى وقعوا في كمين نفذته قوات تابعة لوزارتي الداخلية والدفاع ومسلحون مرتبطون بها في منطقة المطلة" الواقعة على طريق السويداء-دمشق. وأفادت شبكة السويداء 24 المحلية بمقتل "ثلّة من أبناء الجبل على طريق دمشق السويداء بكمين غادر"، فيما لم يصدر أي موقف عن السلطات أمس.

ومع حلول مساء الأربعاء، توسعت المواجهات إلى بلدة الصورة الكبرى عند المدخل الشمالي للسويداء، حيث شنّت مجموعات مسلحة هجوماً بدأ بقصف بالهاون، تلاه اقتحام للبلدة واشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة استمرت لساعات، وأدى الهجوم إلى سقوط ضحايا بين قتلى وجرحى، بينهم مدنيون، فيما فشلت فرق الإسعاف في الوصول إلى بعض المناطق بسبب الاشتباكات. وتمكنت قوات الأمن العام من الوصول إلى بلدة الصورة الكبرى قرابة الساعة الثامنة مساءً، وفق مصدر من القرية، حيث ساهمت في فك الاشتباك ومنع تقدم المجموعات المسلحة الأخيرة نحو قرى مجاورة. لكن الهجمات امتدت إلى ريف السويداء الغربي، حيث تعرضت بلدتا رساس وكناكر لقصفٍ بالمدفعية الثقيلة من مجموعات مسلحة انطلقت من قرى درعا المجاورة، فيما استطاع أهالي كناكر وعرى ورساس من التصدي لهجوم المسلحين وإجبارهم على التراجع. وروى أحد سكان بلدة الصورة الكبرى لـ"العربي الجديد" تفاصيل الهجوم، قائلاً: "اشتبكنا مع المعتدين وسقط العديد من شبابنا وشاهدنا بأم العين قبل أن ننسحب إلى أطراف البلدة الإعدامات الميدانية لبعض أبناء البلدة، وكيف مثّل المسلحون بجثث القتلى، كذلك شاهدنا المركبات الكبيرة تدخل البلدة وتنهب المنازل".

وعاد الهدوء إلى قرى محافظة السويداء أمس، وقالت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" أمس إن محافظ السويداء مصطفى البكور، وقائد الفرقة 40 في الجيش السوري، تابعا انتشار قوات الجيش والأمن العام في بلدة الصورة الكبرى بريف السويداء الشمالي، وذلك بهدف تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. وفي أشرفية صحنايا بريف دمشق، أفادت وكالة "سانا" أمس بعودة الحياة إلى طبيعتها، وانتشار قوات الأمن العام في البلدة لضبط الأمن والحفاظ على سلامة الأهالي. وكان محافظ ريف دمشق، عامر الشيخ، قد أعلن مساء الأربعاء التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق نار في صحنايا، عقب اجتماع مع وجهاء من الطائفة الدرزية قادمين من السويداء. وقال الشيخ في مؤتمر صحافي إن القوى الأمنية تمكنت من السيطرة على كامل أشرفية صحنايا، واعتقال وقتل عناصر المجموعة "الخارجة عن القانون" التي هاجمت قوات الأمن والمواطنين. وأوضح أن "مجموعات خارجة عن القانون تسللت إلى الأراضي الزراعية في منطقة أشرفية صحنايا، واستهدفت كل تحرك مدني أو أمني، ما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى من المدنيين ومن عناصر قوات الأمن العام".

فيما قُتل الرئيس السابق لبلدية أشرفية صحنايا حسام ورور، وابنه الوحيد، ليل الأربعاء، إثر تعرضهما لإطلاق نار مباشر من قبل مجهولين في ريف دمشق، وذلك بعد ساعات من انتهاء الاشتباكات في المنطقة. واتهم ذوو القتيل الأمن العام باختطاف ورور وابنه، دون أي إيضاح آخر حول هوية الخاطفين أو توقيت اختطافه وابنه الوحيد. وأفادت مصادر محلية بأن قوى الأمن العام التابعة لوزارة الداخلية السورية فتحت تحقيقاً رسمياً في جريمة القتل التي وصفت بـ"الغامضة"، نظراً لتوقيتها بعد دخول قوات مشتركة من وزارتي الدفاع والداخلية إلى المنطقة.

وعن الاقتتال الطائفي في سورية قال محمد فراس، أحد سكان أشرفية صحنايا، لـ"العربي الجديد": "الأذى يوم أمس (الأربعاء) كان كبيراً جداً. حصلت أضرار كبيرة في المحلات التجارية، ومحلّي تعرّض للضرر، كذلك تضررت سيارتي. لكن بعد دخول قوات الأمن وفرض السيطرة، استطعنا العودة إلى محلاتنا وبدأنا بتنظيمها وإصلاح ما تضرر". وأضاف: "تعبنا من سنوات الحرب ونريد أن نعيش باستقرار وأمان. أمس (الأربعاء) لم تكن لدينا الجرأة لنخرج إلى شرفات المنازل بسبب شدة الاشتباكات، أما اليوم (الخميس) فالوضع جيد، ولا يوجد أي مظاهر مسلحة، فقط انتشار أمني يهدف لحماية السكان". أما نضال الحريري، المنحدر من محافظة درعا والمقيم منذ سنوات في أشرفية صحنايا، فقال: "لم أكن موجوداً في المنطقة في أثناء الاشتباكات، لكنني كنت على تواصل دائم مع جيراني، وأحمد الله أن أحداً منهم لم يتعرض للأذى. الأضرار المادية تُعوض، والمهم أن الأمن عاد وبدأت الحياة تعود لطبيعتها".

دعوة للتدخل الدولي

ولكن الاقتتال الطائفي في سورية دفع شيخ عقل الموحدين الدروز في سورية حكمت الهجري إلى المطالبة أمس الخميس بتدخل "قوات دولية لحفظ السلم" في سورية. ووصف الهجري، في بيان، ما شهدته منطقتا جرمانا وصحنايا قرب دمشق بـ"هجمة إبادة غير مبررة" ضد "آمنين في بيوتهم". وقال: "لم نعد نثق بهيئة تدعي أنها حكومة... لأن الحكومة التي تقتل شعبها بواسطة عصاباتها التكفيرية التي تنتمي إليها، وبعد المجازر تدعي أنها عناصر منفلتة"، معتبراً أن "الحكومة تحمي شعبها". وشدد على أن "القتل الجماعي الممنهج" يتطلب "وبشكل فوري أن تتدخل القوات الدولية لحفظ السلم ولمنع استمرار هذه الجرائم ووقفها فوراً".

حكمت الهجري: القتل الجماعي الممنهج يتطلب وبشكل فوري أن تتدخل القوات الدولية لحفظ السلم ولمنع استمرار هذه الجرائم ووقفها فوراً

من جهتها، نددت فرنسا بـ"العنف الطائفي القاتل في حق الدروز في سورية"، داعية كل الأطراف السورية والإقليمية، ومن بينها إسرائيل، إلى وقف المواجهات. وجاء في البيان: "تدعو فرنسا كل الأطراف السورية والإقليمية إلى وقف المواجهات، وتدعو السلطات السورية إلى بذل كل الجهود لإعادة الهدوء". كذلك دعا البيان "إسرائيل إلى عدم القيام بأعمال أحادية الجانب من شأنها مفاقمة التوتر الطائفي في سورية".

في المقابل، حذر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني من دعوات التدخل الخارجي في بلاده، مؤكداً أن الحوار بين مكونات الشعب السوري هو "السبيل لتحقيق الاستقرار". وقال الشيباني على منصة "إكس" أمس: "في هذه المرحلة الحرجة نؤكد أن الوحدة الوطنية هي الأساس المتين لأي عملية استقرار أو نهوض، وأن نبذ الطائفية والفتنة ودعوات الانفصال ليس خياراً سياسياً فحسب، بل ضرورة وطنية ومجتمعية لحماية نسيجنا الاجتماعي والتاريخي المتنوع". وأضاف: "أي دعوة للتدخل الخارجي، تحت أي ذريعة أو شعار، لا تؤدي إلا إلى مزيد من التدهور والانقسام، وتجارب المنطقة والعالم شاهدة على الكلفة الباهظة التي دفعتها الشعوب جراء التدخلات الخارجية، التي غالباً ما تبنى على حساب المصالح الوطنية، وتخدم أجندات لا علاقة لها بتطلعات الشعب السوري". وتابع: "إن من يدعو إلى مثل هذا التدخل يتحمل مسؤولية تاريخية وأخلاقية وسياسية أمام السوريين والتاريخ، لأن نتائج هذه الدعوات لا تنتهي عند حدود الخراب الآني، بل تمتد لعقود من التفكك والضعف والانقسام".

الاحتلال الإسرائيلي على الخط

ولم يوقف الاحتلال الإسرائيلي تدخله في الوضع السوري، إذ دعا وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أمس الخميس المجتمع الدولي إلى توفير الحماية للدروز في سورية. وقال ساعر في بيان: "أدعو المجتمع الدولي إلى القيام بدوره في حماية الأقليات في سورية، وخصوصاً الدروز من النظام وعصابات الإرهاب التابعة له". وطلب ساعر من المجتمع الدولي "ألا يغض الطرف عن الأحداث الصعبة التي تحدث هناك".

ساعر: أدعو المجتمع الدولي إلى القيام بدوره في حماية الأقليات في سورية، وخصوصاً الدروز من النظام وعصابات الإرهاب التابعة له

في المقابل، دعا رئيس الحركة الإسلامية بالداخل الفلسطيني الشيخ رائد صلاح وشخصيات درزية فلسطينية إلى إفشاء السلم الأهلي في سورية، وأكدوا أن الدروز "ليسوا بحاجة إلى حماية خارجية من أي أحد". جاء ذلك في بيان تلاه صلاح، مساء الأربعاء، عقب لقائه بشخصيات درزية بارزة من الداخل الفلسطيني، حسب مقطع مصور لهم. وأكد أن "الأهل المعروفيين (الدروز) في سورية هم جزء أساس من هذا المجتمع السوري، وليسوا بحاجة إلى حماية خارجية من أي أحد".

وولّد الاقتتال الطائفي في سورية في الأيام الأخيرة مخاوف من بدء دورات عنف جديدة على أساس طائفي من شأنها نسف سلم أهلي ما زال هشاً بعد نحو 5 أشهر على إسقاط نظام الأسد. ويبدو أن فوضى السلاح تؤدي دوراً في تأجيج الأوضاع، فضلاً عن شعور طوائف سورية بالإقصاء والتهميش في ظل الحكم الجديد، يغذيه تردي الحالة الاقتصادية والمعيشية لأغلب السوريين، وندرة فرص العمل للشباب. ويستغل الجانب الإسرائيلي كل هذه الظروف من أجل اللعب على الورقة الطائفية في سورية من أجل إضعاف الدولة، والدفع باتجاه تقسيم سورية تحت ذرائع مختلفة كـ"حماية الأقليات".

وعن الاقتتال الطائفي في سورية وأسباب هشاشة السلم الأهلي، رأى الباحث بقضايا الهوية والحوكمة، زيدون الزعبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنها "كثيرة، منها إرث 14 سنة من العنف، وقبلها نحو 50 سنة من ترسيخ الممارسات التي أدت إلى توترات ضربت المجتمع السوري". وبرأيه، فإن السلاح "المنتشر في كل أرجاء البلاد جعل المجتمع معسكراً، وهو ما يهدد السلم الأهلي في الصميم"، مضيفاً: "الضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد سبب من أسباب هشاشة السلم الأهلي". وأشار الزعبي إلى أن "تأخر مسار العدالة الانتقالية يدخل ضمن الأسباب أيضاً"، مضيفاً: "الثنائيات السورية عميقة وقديمة ولم تأتِ سلطة لمعالجتها من قبيل: الريف والمدينة، والمسلم والمسيحي، والسنّي وبقية الطوائف، وكردي وعربي. هذه الثنائيات تحول دون بناء مجتمع سوري بنسيج متضامن".

من جهته، رأى الأكاديمي السوري يحيى العريضي، أن هشاشة السلم الأهلي في سورية "أكثر ما أسهم باستطالة الاستبداد الأسدي"، مشيراً إلى أن النظام المخلوع "استغل خوف وقلق بعض المكونات"، مبدياً الخشية من ان تكون سورية "لا تزال في هذا المسار"، داعياً الإدارة السورية إلى الابتعاد عن نهج النظام المخلوع لحماية السلم الأهلي في البلاد.

وعمل النظام المخلوع طوال خمسين سنة إلى تفخيخ السلم الأهلي في سورية عبر خلق شروخ بين مكونات المجتمع المتنوع سياسياً ودينياً ومذهبياً، عمّقها خلال سنوات الثورة التي قامت ضده، فغذى التباينات العرقية والطائفية والعرقية وحتى السياسية ليحافظ على السلطة في البلاد. وفي هذا الصدد، ردّ الباحث عباس شريفة، في حديث مع "العربي الجديد"، أسباب هشاشة السلم الأهلي في سورية إلى "60 سنة (فترة حكم حزب البعث) من تنمية العصبيات وسحق فكرة المواطنة وتغذية الطائفية وقطع طرق التواصل بين مكونات الشعب السوري وتجفيف المجتمع المدني وضحالة المثاقفة السياسية". وتابع: "علينا ألا ننسى سنوات الثورة الطويلة على نظام الأسد، وما خلفته من جراح غائرة لم تندمل بعد في المجتمع السوري، وضعف المؤسسات الدولة وتدمير اقتصادها، ما أدى إلى قصور في قدرة الدولة عن تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين".

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية