مجاعة غزة تشتد... تراجع العمل الإغاثي يفاقم الكارثة الإنسانية
عربي
منذ 5 ساعات
مشاركة

يوماً بعد آخر، تنعدم قدرة الجمعيات على تقديم المساعدات الإغاثية للعائلات في قطاع غزة في ظل إغلاق المعابر، ما يفاقم مأساة الفلسطينيين الذين يعجزون أحياناً عن إطعام أطفالهم

في وقت تشتد فيه حاجة العائلات الفلسطينية في قطاع غزة إلى المساعدات الإنسانية والإغاثية، يقف الحصار الذي يفرضه الاحتلال الإسرائيلي من خلال استمرار إغلاق المعابر الحدودية، عائقاً أمام وصول المساعدات. وشهدت الفترة الأخيرة تراجعاً ملحوظاً في عمل المؤسسات الخيرية والإغاثية والمبادرات الإنسانية بأشكالها المختلفة، والتي كان دورها مساعداً لأهالي غزة خلال فترة الحرب الطويلة والمستمرة. ولا يعني إغلاق المعابر توقف إدخال الشاحنات والمساعدات فقط، بل انقطاع شريان الحياة عن أكثر من مليوني إنسان يعيشون في قطاع غزة الذي أنهكته حرب الإبادة الجماعية المستمرة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. ومع اشتداد الحصار، تتقلص قدرة المؤسسات الخيرية على تلبية الحد الأدنى من احتياجات السكان. ويواصل الاحتلال تشديد حصاره على القطاع منذ الثاني من مارس/ آذار الماضي، ويغلق المعابر الحدودية ويمنع إدخال المساعدات الإغاثية والسلع التجارية، والمحروقات، وهو ما انعكس سلباً على قدرة المؤسسات العاملة في المجال الخيري على الاستمرار في تقديم الدعم والمساعدات اللازمة للأسر الفلسطينية في القطاع، خصوصاً القاطنين في مراكز الإيواء ومخيمات النزوح.

أطفال لا يتحملون الجوع

ويؤكد رئيس جمعية البركة الجزائرية في فلسطين، شادي جنينة، أن استمرار إغلاق المعابر أثر سلباً على عمل المؤسسات الخيرية في قطاع غزة بشكل عام، ما دفع غالبيتها إلى التوقف عن العمل بسبب عدم توفر المساعدات الإغاثية التي تُقدمها للأسر الفلسطينية، ما يهدد أيضاً بتوقف جمعيته عن العمل خلال أيامٍ قليلة. ويقول لـ "العربي الجديد": "بعد مرور أكثر من 55 يوماً على إغلاق المعابر وعدم إدخال المساعدات الإغاثية والموارد الغذائية، لا يوجد شيء نقدمه للأسر المنكوبة والمشردة، والأسواق شبه فارغة من السلع، والمتوفر منها مثل الخضار والمُعلبات ارتفعت أسعارها بشكل جنوني"، مشيراً إلى أن الجمعية اعتادت على تقديم الطرود والوجبات الغذائية والمياه وتوزيع الأموال العينية على الأسر الفقيرة.
يضيف: "المجاعة تتفاقم في قطاع غزة والأمور تخرج عن السيطرة يوماً بعد آخر، وكل ذلك له انعكاسات خطيرة على الواقع المأساوي الذي تعيشه العائلات في غزة. وعلى مدار الأيام الماضية، اضطررنا إلى شراء بعض السلع رغم ارتفاع أسعارها، وكانت لدينا بعض المعونات في المخازن التابعة للجمعية لكنها نفدت حالياً".
يتابع: "إذا لم يتم إسعاف الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في الوقت الحالي، فلن يكون هناك وقت بعد ذلك. اليوم يرتقي أبناؤنا شهداء نتيجة الجوع وعدم توفر الطرود الغذائية والصحية، وبات الهم الوحيد للأسر كيفية توفير المأكل بشكل يومي، كونه لا يتوفر لديها أي مصدر يؤمن لها ما يسد رمقها سواء من جمعيات خيرية أو مبادرات إنسانية".
ويُقدر جنينة أن عدد الجمعيات الخيرية في قطاع غزة يفوق الـ 400 جمعية التي تعمل على إغاثة الأسر الفقيرة، لكن غالبيتها توقفت عن العمل، بسبب عدم توفر السلع والموارد الغذائية، وأبرزها المؤسسات الدولية مثل برنامج الغذاء العالمي والمطبخ العالمي ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
تسكن أم العبد المصري في أحد الفصول الدراسية في مدرسة إيواء للنازحين في مدينة غزة برفقة عائلتها الممتدة المكونة من 30 فرداً. وتقول: "ليس لدينا شيء حالياً، والمعابر مغلقة، ولم نتلق أي مساعدات من مؤسسات خيرية محلية أو دولية منذ إغلاق المعبر". تضيف لـ "العربي الجديد": "كنا نعتمد بشكل أساسي على المساعدات الإنسانية والمؤسسات الخيرية. ومنذ إغلاق المعبر، لم نستلم أية مساعدات. وتتفاقم معاناتنا كل يوم أكثر. دخلنا في مرحلة المجاعة الحقيقية، وبالكاد نستطيع توفير وجبة طعام واحدة يومياً". وتروي بقهر: "نحن قادرون على تحمل الجوع لكن الأطفال لا يحتملون الأمر. نضطر لإعداد القليل من الأرز أو العدس المتوفر لدينا من بقايا المساعدات الإنسانية، أو نتقاسم مع جيراننا ما يتوفر لديهم. وما يزيد المعاناة هو أن أسعار السلع القليلة المتوفرة في السوق مرتفعة جداً".
المأساة عينها تعيشها عائلة المجبر القاطنة في خيمة داخل أحد مراكز الإيواء وسط مدينة غزة. وتقول هناء المجبر: "زوجي مصاب بالسرطان، ويحتاج إلى عملية زراعة قرنية في عينه، والمعابر مغلقة حالياً وبالتالي الأدوية والغذاء الصحي وأدنى مقومات الحياة غير متوفرة". وتوضح لـ "العربي الجديد": "كنا نعتمد على المساعدات للحصول على الطرود الغذائية والأدوية والمساعدات النقدية. لكن حالياً، كل شيء انقطع عنا بسبب إغلاق المعبر. نحاول توفير القليل من الطحين من الجيران وأهل الخير".

"الموت أرحم من هذا الحال الذي نعيشه. لا توجد لدينا أدنى مقومات الحياة ولا حتى حبة طحين واحدة"، هكذا يصف الفلسطيني كرم نبيل الواقع المأساوي الذي يعيشه برفقة عائلته المكونة من 7 أفراد في خيمة لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء. يقول لـ "العربي الجديد": "المصدر الوحيد الذي نعتاش منه هو المساعدات التي نتلقاها من المؤسسات الدولية والمحلية الخيرية، والتي كانت تشمل الخضار والمعلبات والبقوليات. لكننا اليوم نعيش المجاعة. الأسواق شبه خالية فيما لا نستطيع شراء ما هو متوفر بسبب الغلاء". ويبعث رسالة إلى العالم قائلاً: "نطالب أهل الخير أن يدعمونا ويقدمون لنا المساعدات الإنسانية في ظل تردي الأوضاع المعيشية منذ أشهر، وإلا سيكون الموت مصيرنا بسبب الجوع".
إلى ذلك، يحذر المكتب الإعلامي الحكومي من استمرار تفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة بشكل متسارع ومخيف، في ظل مواصلة الاحتلال فرض حصار خانق، وتعمده إغلاق المعابر بشكل كامل، ومنع دخول المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية منذ أكثر من 55 يوماً، ما أدى إلى تفشي المجاعة على نطاق واسع، ووضع حوالي 2.4 مليون إنسان في مواجهة خطر الموت جوعاً.

احتياجات كبيرة

من جهته، يؤكد أمين سر جمعية المقاصد الخيرية الفلسطينية للتنمية، مجدي سالم، أن إغلاق المعابر انعكس سلباً على عمل الجمعية في تقديم المعونات والمساعدات الإنسانية والإغاثية الطارئة للأسر الفقيرة، "وأصبحنا نواجه أزمة حقيقية بفعل هذه الكارثة المتمثلة بنقص المواد الغذائية في قطاع غزة". ويوضح لـ "العربي الجديد" أن الخدمات التي تقدمها الجمعية في الوقت الراهن محدودة جداً وتقتصر على بعض المبادرات وطرود الخضار مما يتوفر في السوق المحلي، وهي قليلة جداً ولا تتناسب مع حجم الحاجة، خصوصاً في ظل تصاعد العدوان والنزوح المتكرر للعائلات الفلسطينية.

ويقول: "في ظل عدم توفر المساعدات الإنسانية والغلاء الفاحش للسلع القليلة المتوفرة وأزمة السيولة النقدية وارتفاع نسبة العمولة على الأموال القادمة من الدول المانحة، فإن الأسرة الواحدة تحتاج قرابة 150 دولاراً أميركياً لتوفير وجبتي الإفطار والغداء يومياً، بالتالي نواجه كارثة تحتاج إلى تدخل سريع لإنقاذ جميع العائلات".
ويشير إلى أن الجمعية التي تأسست منذ عام 2004، عملت طيلة فترة الحرب وقدمت المساعدات من مختلف الأصناف بالتعاون مع المؤسسات الاستراتيجية والتنموية والدولية والإغاثية المحلية والدولية، وتنوعت المساعدات ما بين طرود غذائية وصحية وعينية ونقدية وتوزيع الخيام لعشرات العائلات المتضررة.
من جهتها، تقول المبادرة في مجال العمل الخيري نبيلة اسليم، إنها توقفت عن تنفيذ المبادرات الخيرية الفردية التي تقدم من خلالها المياه والمساعدات الغذائية للأسر الفقيرة، منها العائلات التي تسكن في مراكز الإيواء ومخيمات النزوح. وتوضح لـ "العربي الجديد" أنها كانت تتلقى أموالاً من بعض المتبرعين من خارج وداخل قطاع غزة من أجل تقديم الطرود الغذائية والخضار والفاكهة وإعداد تكيّات الطعام الخيرية. لكن بعد إغلاق المعابر، زادت الأوضاع صعوبة ولم تعد قادرة على الإيفاء باحتياجات الأسر الفقيرة، التي تتضاعف أعدادها يوماً بعد آخر.

وتُعدد اسليم التي تعمل في مجال العمل الخيري منذ أكثر من 10 سنوات، أبرز الصعوبات التي أجبرتها على التوقف عن تقديم المساعدات، منها عدم توفر السلع الغذائية والخضار في الأسواق، علماً أن سعر المتوفر منها مرتفع، بالإضافة إلى عدم توفر السيولة النقدية، وارتفاع نسبة العمولة المفروضة على الحوالات المالية عبر المصرف. تضيف: "هذه المرحلة تعد من أقسى وأصعب المراحل التي أمر بها منذ بداية عملي في المجال الخيري والإنساني طوال هذه السنوات، بفعل إغلاق المعابر وتشديد الحصار المفروض على قطاع غزة، وتوقف بعض الداعمين عن إرسال الأموال من الخارج، ما انعكس سلباً على حجم المساعدات المقدمة للمواطنين".
واستخدم الاحتلال الإسرائيلي سلاح التجويع مرات عدة في القطاع، كان أبرزها في الثامن من أكتوبر 2023، حين أغلق المعابر وقطع الكهرباء والمياه، واستخدم الأسلوب ذاته لاحقاً في عملياته البرية، وتحديداً في مناطق غزة والشمال، حين قطع إمدادات الغذاء والمساعدات عنها. 
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، فإن الاحتلال يتعمد ارتكاب جريمة التجويع الجماعي من خلال إغلاق المعابر المؤدية من وإلى قطاع غزة منذ بدء حرب الإبادة الجماعية، ومنع إدخال المساعدات بشكل كامل منذ ما يزيد عن شهر، وقد منع إدخال 18،600 شاحنة مساعدات، و1550 شاحنة محملة بالوقود، إضافة إلى قضفه أكثر من 60 تكية طعام ومركزا لتوزيع المساعدات وأخرجها عن الخدمة.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية