اختتام معرض الرباط للنشر والكتاب.. جدلٌ ما زال مفتوحاً
عربي
منذ ساعتين
مشاركة

مع انتهاء فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للكتاب والنشر في الرباط، التي نُظِّمَت بين 17 و27 من إبريل/ نيسان الجاري، أسدل الستار على كثير من اللغط بين ناقم على العرض الثقافي المقدّم طوال عشرة أيام، وغانم يؤمن بأنَّ الكتب التي صارت بحوزته لا تكتفي بحياة واحدة.

فبينما رأى بعضهم أنّ معرض الكتاب، وهو أكبر تظاهرة ثقافية في المغرب تجمع بين الكتّاب والمثقفين والمفكرين من مختلف المشارب، صار دورة بعد أخرى يجدّد ينابيعه ويُوسِّعها في اتجاهات مختلفة ومتعدّدة، كما صار بإمكانه أن ينشئ دوائر أخرى بتوزيع الضوء والظل على هذا الرواق أو ذاك الكاتب أو ذاك الناشر أو تلك المؤسسة، أكد آخرون أن المعرض لم ينشئ، عكس المتوقّع، أي جنة جديدة للقراءة رغم ما حظي به من اهتمام. ودليلهم على ذلك أن "البيع والشراء" هما الحقيقة الساطعة التي ستعترض الزائر الذي لا يبحث عن الكتب القيّمة والنادرة والمتوهجة فحسب، بل عن لحظة ثقافية قوية تعيد له الثقة في جدوى الثقافة والمثقفين.

لحظة فلسطينية

وقد سجّل المعرض عن حق أقوى لحظاته في ندوة عن "الإبداع الفلسطيني في مواجهة سياسات المحو"، شارك فيها الشاعر والأكاديمي محمد بنيس، الذي عبّر عن قلقه من المآل الذي صارت إليه القضية الفلسطينية. وقال إننا نعيش اليوم "زمناً آخر"، فكرياً وسياسياً وإبداعياً، على المستويين، العربي والعالمي، مضيفاً أن الرهان الإبداعي اليوم هو على كيفية الإبقاء على هذه الجذوة الإبداعية حول فلسطين متقدة ومستمرّة، خصوصاً في ظلّ المنع الذي أصبح يواجَه به كل خطاب ثقافي عن فلسطين حتى داخل بعض الدول العربية، متسائلاً عن الصيغة التي يمكن بها صياغة هذا الخطاب أمام جيل جديد وحساسية كتابية جديدة.

وشدّد بنيس على أنَّ "أكبر انتصار للفلسطينيّين اليوم هو هذا الزخم والتضامن المُدهش على المستوى العالمي مع القضية الفلسطينية، ومع شعب أثبت أنّه لن يتخلّى عن أرضه ولن يستسلم؛ وهذا هو الثابت الذي يجب أن نقتنع به، وعلى ضوئه يكون عملنا وعلاقتنا بالإبداعية الفلسطينية".

خيبة كبيرة بين الناشرين والقرّاء بسبب تأخّر وصول الكتب

وقال الباحث والكاتب المغربي عبد الإله بلقزيز أن التمييز بين الغربين الإمبريالي والثقافي لم يعد صالحاً للتداول بعد التماهي بين الغرب الثقافي والسياسي الذي سجلته اللحظة الراهنة، خصوصاً بعد 7 أكتوبر (2023)، مشيراً إلى سقطة الفيلسوف هابرماس. لكن، مع ذلك، فالواقع الجديد "لا ينبغي أن يُسقطنا في خطاب التعميم، فقد انبرت استثناءات داخل الجامعات والمؤسسات المدنية"، وهي استثناءات أثبتت أن "هناك طلاقاً حقيقياً في الغرب بين النخب السياسية والثقافية وبين الجمهور الصاعد الذي كشف زيف وسطوة الصهيونية"، لافتاً إلى أنَّ الغرب اليوم هو الذي يعيش التحوّلات التي أفرزتها 7 أكتوبر".

وخلص بلقزيز إلى أنه "إذا كانت فلسطين قد نجحت في تحويل قضيتها من قضية وطنية إلى عربية ثم إلى قضية إنسانية، فإنّ الأدب نجح أيضاً في تكريس نفسه بما هو أدب عالمي، ومن ثم فإن الإجابة عن البعد الإنساني في القضية تبقى هي المحدد للانتماء إلى ثقافة الإنسانية من عدمه".

لحظة مصرية 

وفي سياق آخر، سجّل المفكر والدبلوماسي المغربي، علي أومليل، في أثناء تقديمه كتابه الجديد "علي أومليل: سيرة وحوار"، أن "من سوء حظ مصر أن ثورة الضباط حدثت بها، ولو لم تقع، لكان مستقبل مصر أفضل بكثير". وأكد أومليل أن هذا الرأي نابع من متابعة قريبة لما كان يجري حينها، وهو يشاهد الآن كيف "ترسّخ حكم استبدادي تسنده صورة الأسطورة، أي حكم قام بمنع الأحزاب، كما كان وراء صنع الحزب الوحيد والإعلام التابع، بل حوّل الجامعات إلى ملحقات للمخابرات"، لكنّه، في الوقت نفسه، هادن "جماعة الإخوان المسلمين"، ورهن المعادلة السياسية بمصر إلى اليوم بين هاتين القوتين: "العسكر والإخوان".

لحظة الاتحاد 

وعن أهم مسارات حياته الإبداعية، تحدّث الروائي والناقد محمد برادة، عن تجربة تأسيس "اتحاد كتاب المغرب" سنة 1961، معبّراً عن أسفه على مآل هذا الاتحاد الذي حقّق حضوراً عربيّاً ومغربيّاً ودولياً، بالنظر إلى التجربة الطويلة والصعبة التي تمكّن خلالها الرؤساء السابقون من إرساء قواعد ديمقراطية داخلية تضمن سير الاتحاد وانتخاب هياكله بسلاسة. وقال إن الرئيس "السابق والحالي" لهذه المنظمة "تحايل" على القوانين التنظيمية المؤسّسة للمنظمة، مؤكّداً أنَّ تشبّثه بالرئاسة يحصل "خارج نطاق الشرعية القانونية، ما يعمّق الأزمة التي يقع حلها على عاتق الدولة".

لحظة الشارقة 

استضافت الدورة الثلاثون إمارة الشارقة بصفة ضيف الشرف للمعرض، حيث ضم وفد الشارقة 18 مؤسّسة إماراتية متنوعة، قدّمت طوال أيام المعرض برنامجاً مؤلفاً من 52 فعالية، احتفت جميعها بالهوية الثقافية الإماراتية في امتداداتها الجغرافية والروحية العريقة، وذلك في فضاءات المعرض المختلفة، وفي مقدمها جناح الشارقة الذي عرفَ إقبالاً كبيراً، إضافة إلى قاعة الحوار، وفضاء الطفل.

وأقام جناح الشارقة جلسات حوارية وأمسيات شعرية ومحاضرات تحتفي بالمحكيات الشعبية الخرافية القديمة، فضلاً عن عروض فن العيالة والليوه والهبان والنوبان والإهاله، وهي فنون شعبية تراثية إماراتية تنبض بمدارجها الإيقاعية الخاصة. وشمل برنامج الشارقة أيضاً عدة ندوات البحثية، مثل: "فصول من الفن الإسلامي: أدب الرحلات"، التي تستعرض تجارب الرحالة الكبار أمثال أحمد بن ماجد وابن بطوطة، بالإضافة إلى ندوة "تحوّلات صناعة النشر في العالم العربي".

ومن اللحظات اللافتة التي حظيت باهتمام كبير، مشروع "الأندلس: محاكاة بصرية مستقبلية" الذي جمع فنانين من الإمارات والمغرب في نقاش حول إنتاج فني مشترك يستلهم الموروث الأندلسي، ويعيد تصوّره عبر تقنيات الفن المعاصر، لتقديم رؤية بصرية جديدة حول الإرث الثقافي المشترك.

وقد تجسّد المشترك بين الشارقة والمغرب في جلسات متعدّدة، منها "الماء في السرد الأدبي"، و"رؤى في المنجز السردي الإماراتي والمغربي"، و"شهادات سردية"، بالإضافة إلى ندوة حول "جماليات العمارة التراثية الإماراتية والمغربية"، حيث أبرزت كل هذه اللقاءات تقاطعات الذاكرة واللغة والمكان بين الطرفين.

ومن بين أبرز اللحظات في برنامج الشارقة ورشة "الطفل من الشرق إلى الغرب"، التي شهدت إقبال مئات الأطفال الذين استفادوا من أنشطة تفاعلية للرسم والتلوين حول معالم العالم العربي من مشرقه إلى مغربه. كذلك عرضت تجارب متميّزة في مجال كتابة الأطفال والناشئة، ضمن جلسات خاصة، أبرزها: "جلسة عن الكتابة للأطفال واليافعين"، بالإضافة إلى فعاليات مثل "جائزة أدب الطفل العربي".

لحظة الناشرين وخيباتهم

من الأشياء اللافتة التي سجّلها زوار المعرض عدم وصول كتب عدّة دور نشر عربية، خصوصاً المصرية والأردنية، إلا قبل يومين من إغلاق أبواب المعرض، وهو ما أدّى إلى انتشار خيبة كبيرة في صفوف الناشرين والقرّاء الذين كانوا يتردّدون على الأروقة المصرية، بحثاً عن هذا الكتاب أو ذاك، الأمر الذي دفع بعض القرّاء إلى إعلان تضامنهم وإطلاق دعوة إلى تشجيع الدور المصرية والهيئات، ومساعدتها على بيع كتبها، ولو بشراء كتاب أو كتابين.

تحوّل الكتاب إلى سلعة تخضع لمنطق السوق من عرض وطلب

وقد تساءل كثيرون من زوار المعرض عن الهدف الحقيقي من إقامة معرض للكتاب، إذا لم يكن الهدف الفعلي منه التشجيع على القراءة، خصوصاً أن دور نشر بعينها تستغل إقبال القراء لترفع من أسعار كتبها، بل هناك دور نشر أخرى لا تُشهِر سعر الكتاب على غلافه، كما جرت العادة، وكأن الكتاب أصبح سلعة تخضع لمنطق السوق من عرض وطلب. ومن هنا تساءل هؤلاء عن وجود رقابة قطاعية تحمي الكتاب وقارئه، خصوصاً أن سؤال النشر والكتاب في المغرب ما زالت تنتظره تحديات كبيرة على مستوى ضعف النشر والتسويق، إذ لم يتجاوز عدد الإصدارات سبعة آلاف عنوان، منها 6633 كتاباً ورقياً في عام 2024.

والسؤال الذي ظلّ زوّار كثيرون يردّدونه: ما السبب في ارتفاع أسعار الكتب إذا كان الناشرون المغاربة يستفيدون من الدعم المؤسّساتي؟ بل ما السبب في ذلك البون الشاسع بين أسعار الناشرين المحليين المستفيدين من دعم وزارة الثقافة أو من دعم عدة وزارات، وأسعار الناشرين الأجانب التي تبدو أقل ارتفاعاً رغم تكاليف الشحن والنقل، فضلاً عن نوعية الورق والطباعة؟

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية