رئيس في الوقت الضائع
عربي
منذ 6 ساعات
مشاركة

لعبت شخصيات سياسية في التاريخ السوري الحديث والمعاصر، أدواراً مهمة في الفترات الانتقالية لصالح غيرها وما انتهى هذا الدور المؤقت حتى قام من عملوا لصالحه باستلاب مسؤولياتهم.

أدارت بعض هذه الشخصيات سورية أياماً قليلة، كما السياسي السرياني سعيد إسحاق نائب رئيس مجلس النواب حين استقال رئيس الدولة هاشم ألأتأسى عام 1951 احتجاجا على تدخّل مجلس العقداء بقيادة أديب الشيشكلي في إدارة كل شاردة وواردة واعتقال الشيشكلي رئيس مجلس النواب ناظم القدسي واستقالة الحكومة، فكان سعيد إسحاق رئيسا للبلاد 24 ساعة.  كذلك لم يتسن لعبد الحليم خدّام الذي أصبح في يونيو/ حزيران عام 2000 رئيسا للجمهورية لمدة 37 يوما، لشغور الرئاسة بوفاة حافظ الأسد، سوى أن يصدر قرارين: الأول بترقية بشّار الأسد من عقيد إلى فريق، والثاني تعيين بشّار قائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة.

الزعيم فوزي سلو
من هذه الشخصيات الزعيم فوزي سلو (1905-1972)، وزعيم هنا رتبة عسكرية، عيّنه العقيد أديب الشيشكلي (1909-1964) رئيسا شكليا من ديسمبر/ كانون الثاني 1951 إلى يوليو/ تموز 1953 وكانت بداية المعرفة بين الشيشكلي وسلو خلال اشتراكهما في حرب فلسطين عام 1948. وقد فرض الشيشكلي بعد انقلابه على حسني الزعيم في أغسطس/ آب 1948 أن يكون سلو وزيرا للدفاع، وقبل الرئيس هاشم الأتاسي الذي حكم الشيشكلي خلال الفترة الأولى من ورائه إلى أن جاء معروف الدواليبي رئيساً للوزراء فرفض ذلك، فقام الشيشكلي بانقلابه الثاني في نوفمبر/ تشرين الثاني 1951 الذي عيّن بموجبه فوزي سلو رئيسا للدولة. وقد استغل الشيشكلي سلو لإصدار قانون حظر الأحزاب وإغلاق معظم الصحف وانتهى سلو بعد سقوط حكم الشيشكلي مستشاراً لملك السعودية سعود بن عبد العزيز، وعاد إلى دمشق بعد تقاعده ليموت ويدفن فيها.

الفريق لؤي الأتاسي
تسلم الفريق لؤي الأتاسي (1926- 2003) رئاسة الدولة بعد انقلاب 8 آذار (1963)، والذي مكن لاحقاً من تفرّد حكم البعث في سورية، رغم أن الأتاسي لم يكن بعثيّاً. وأخرج انقلابيو 8 آذار العقيد الاتاسي من سجن حكومة الانفصال، ورفعوه إلى رتبة فريق بسبب مشاركته بانقلاب فاشل لإعادة الوحدة مع مصر.
لم يستمر الفريق الأتاسي في الحكم سوى أربعة أشهر، حيث استقال حين أصدر البعثيون أحكام الإعدام بحق الناصريين الذين اشتركوا بمحاولة انقلاب 18 تموز (1963) التي قادها جاسم علوان، ونفذوا الأحكام بدون توقيعه مستغلّين سفره إلى مصر.

أحمد الحسن الخطيب
أسند حافظ الأسد قائد انقلاب 16 تشرين الأول ( 1970)، والمشهور بالحركة التصحيحية، رئاسة الدولة السورية مؤقتا لنقيب معلّمي سورية أحمد الحسن الخطيب (1933-1982) ريثما يرتب أوضاعه ليتسلم كرسي الرئاسة. واحتفظ الأسد يومها بوزارة الدفاع بالإضافة إلى منصب رئاسة الوزراء. وتقول الراوية أن الخطيب، وهو رئيس الدولة، كان لا يسمح لنفسه بالدخول إلى اجتماعات القيادة، متقدّما على رئيس الوزراء الحاكم الحقيقي حافظ الأسد.

صحيحٌ أنا مسجّل من مواليد 1933، ولكنني بالحقيقة من عمري أكبر من ذلك بخمس سنوات، لأني من مواليد 1928.. "هكذا رست المهمة على الرفيق أحمد الخطيب"

لم يُصدِر الرئيس الخطيب أي مرسوم، ولم تتعدّ أيامه على كرسي الرئاسة سوى ثلاثة أشهر وأربعة أيام من 18 نوفمبر/ تشرين الأول 1970 إلى 22 فبراير/ شباط 1971 حيث استلم الأسد الرئاسة ولم يتركها حتى مات في حين عُين الخطيب رئيسا لمجلس الشعب، وأيضا لفترة قصيرة امتدت حوالي تسعة أشهر ليتسلم بعدها رئاسة حكومة اتحاد الجمهوريات العربية (مصر، سورية، ليبيا) لكنه بقي عضوا في القيادة القُطرية حتى عام 1975، وقرر ألا يرشّح نفسه لعضوية القيادة القُطرية في المؤتمر القُطري السادس عام 1975 معلنا "أن الجو معبّأ ضدي". وغاب الخطيب عن الساحة السياسية متقاعداً في منزله يلعب الورق والطاولة مع زملاء مبعدين أمثاله حتى وفاته عام 1982.
ولد عام 1933 في قرية صلخد بجبل العرب. ويقول أحد أقاربه، المخرج هشام الزاعوقي، إن اسم العائلة هو مصري الخطيب، وهي من قرية نمر في ريف درعا، وسكن والده حسن في السويداء بسبب عمله شرطياً هناك. ويضيف: "أحبّ أحمد الخطيب السويداء، وتملك مزرعة هناك يقضي فيها معظم وقته إلى درجة انه عرف في حوران باسم أحمد الدرزي".
درس الأدب العربي في جامعة دمشق، وانتسب هناك لحزب البعث، حيث تعرّف على أساتذة الحزب، ومنهم ميشيل عفلق وصلاح البيطار. وكان نشاطه الحزبي ضعيفاً وشهرته بين رفاقه محدودة، وبعد التخرّج أصبح مديراً لثانوية التجهيز الأولى جودت الهاشمي، أشهر ثانويات دمشق حينها، ولكن أحد قياديي الحزب، وهو المفكر عبد الله عبد الدايم، وفّر له فرصة عمل في قطر مدة عام مديرا للمدرسة الثانوية فيها.
يذكر الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس في كتابه "أيام في قطر" (دار الشروق للنشر والتوزيع، عمّان، 2022) أنه في أثناء عمله في الدوحة تعرّف على أحمد الخطيب ومحمود الأيوبي الذي عيّن رئيس وزراء سورية بين عامي 1972 و1967، حيث كان الخطيب مديراً للمدرسة الثانوية في الدوحة والأيوبي مدرّساً للغة العربية فيها: "أحمد الخطيب ومحمود الأيوبي حضرا إلى قطر عام 1957، وكانا تؤامين لا ينفصلان وصديقين حميمين ينتميان بحماسة بالغة وقناعة راسخة لحزب البعث السوري، وقد أحضرهما الدكتور عبد الله عبد الدايم"، وكان القيادي البعثي عبد الله عبد الدايم قد استلم إدارة المعارف في قطر عاماً واحداً.
ويضيف عباس: "لم يصدف أن قابلت أحدهما على انفراد، وانما بقي الاثنان متلازمين طيلة مدة إقامتهما القصيرة في قطر".
بعد انقلاب البعث في 8 آذار/ مارس 1963، صار الخطيب عضواً في المجلس الوطني لقيادة الثورة، وانتخب نقيباً لمعلمي سورية.
يروي عضو القيادة القُطرية لحزب البعث، مروان حبش، عن الخطيب: "لم يكن مشهوراً في أوساط الحزب، ولم يعرف له حضور لا في الجامعة ولا في المظاهرات التي كان يقودها الحزب في الخمسينيات من القرن الماضي. بعد 8 آذار 1963 جرى حل نقابة المعلمين القائمة في زمن الانفصال، وإسناد موقع نقابة المعلمين له. وعندما جرى تشكيل المجلس الوطني للثورة في 1965 اختير رئيس نقابة ليكون عضواً فيه. كان يحاول إرضاء كل الأطراف في الحزب، ولم يعلن أي موقف مع التيارات والأطراف المتصارعة داخل "البعث" آنذاك. كان طيّعاً، وعرف عنه آدميته، وكان يرضي الجميع ويحاول حل الأمور بتوافق".
يضيف حبش إن حافظ الأسد يوم 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 1970 "اتصل بأكثر من شخصية حزبية محاولاً استمالتها إلى جانب انقلابه، وطلب من رئيس الدولة نور الدين الأتأسى أن يبقى في مناصبه الحكومية والحزبية، ولكن الأتاسي وكثيرين من القيادات الوازنة رفضوا طلبه، فأصدر قراره بتشكيل القيادة القُطرية الموقّتة التي اجتمعت، وقرّرت تعيين أحمد الخطيب رئيسا للدولة، وحافظ الأسد رئيسا للوزراء بالإضافة إلى احتفاظه بوزارة الدفاع".
يروي مصطفى طلاس في مذكّراته "مرآة حياتي: العقد الثالث" عن اجتماع القيادة القُطرية المؤقّتة: "طلب الرفيق حافظ الأسد من الرفاق ترشيح من يرونه مناسباً لمهام منصب رئيس الدولة. وبدأ يسأل عن أعمار الرفاق، وكان أكبرنا سنا في الواقع عبد الحليم خدام المولود عام 1929، ولكن الرفيق أحمد الخطيب قال: صحيحٌ أنا مسجّل من مواليد 1933، ولكنني بالحقيقة من عمري أكبر من ذلك بخمس سنوات، لأني من مواليد 1928 وهكذا رست المهمة على الرفيق أحمد الخطيب".

يتضح من سياق كل الروايات القليلة المتجمعة عن دور الخطيب أنه دور محلّل السلطة لحافظ الأسد الذي قبض عليها حتى الممات

يضيف طلاس: "قال الرفيق أحمد الخطيب لزوجته ثريا الحافظ وهو إلى جانبها في السرير: يا أم حسان سوف استلم غدا وظيفة مهمة، فقالت له: وزير تربية؟ فقال أكبر، فقالت له: رئيس وزراء؟ فقال لها: أكبر، فقالت له: لم يبق سوى رئيس دولة! فقال لها: هذا ما أقصد، فقالت له: أنت أكيد جنيت يا أحمد، وأدارت ظهرها وراحت في سبات عميق".
أما عضو القيادة القُطرية عبد الله الأحمد فكتب في مذكّراته غير المنشورة بعد أن أخرجه حافظ الأسد من سجن المزة أنه طلب منه المرور عليه في رئاسة الوزراء و"اتصل مع الرفيق أحمد الخطيب رئيس الدولة وتبادلا الحديث حول موضوعنا، واقترح عليه أن يزور اتحاد العمال غداً وأنا معه ليشرح لهم موقفنا السياسي، وقال له "سيمر بك (أبو علي) لتنسيق الأمر". وبعد ساعة كنت في بيته خلف المشفى الإيطالي بمؤازرة سائق مجلس الوزراء، وكانت جلسة مودّة فيها القليل من الكلام الجدّي، فقد أمضى وقتاً يشرح لي فيه عن رئيس الدولة الجديد الذي ليس لديه ستائر لمنزله، معتذراً بأن الورشة ستقوم ليلاً بتركيب الستائر". وأضاف الأحمد:" وفي اليوم التالي، بدأنا الجلسة في العاشرة صباحاً مع اتحاد العمال واستمرّت ساعتين، وكانت غير موفقة على الإطلاق بقيادة الرفيق أحمد الخطيب، لأنه تناول الأشخاص، ولم يتناول المواضيع إلا نادراً، ولم يحصل من الحضور إلا على إصرار على الموقف السلبي". ... ومساء ذلك اليوم، هتف إليّ الرفيق حافظ الأسد مستفسراً، فشرحت له ما كان، فقال: "شرح لي رئيس الدولة بعض الجوانب ثم سألني، ماذا تقترح؟ فقلت: هذا أمرٌ خارج كل الشكليات والمناصب، فأنت صاحب البرنامج، وأنت قائد الحركة وعليك تولي هذا الأمر حزبياً ونقابياً وشعبيا".
ويتضح من سياق كل الروايات القليلة المتجمعة عن دور الخطيب أنه دور محلّل السلطة لحافظ الأسد الذي قبض عليها حتى الممات، ثم ورثها لابنه بشّار الأسد فأضاعها وأضاع البلد.

أخبار ذات صلة.

( نوافذ يمنية) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

جميع الحقوق محفوظة 2025 © نوافذ يمنية