
بسمتِه المميّزة كويسترن شتوي يتخلّله زومبي، انطلق الموسم الثاني من مسلسل The Last of Us، حاملاً بعض التقلبات المختلفة عن سلفه، أقلّه من ناحية المنطق المكاني للقصّة. البطولة ظلّت كما هي، للثنائي غير المتوقع، المتألّف من إيلي (بيلا رامزي) ابنة الـ14 عاماً، والمهرّب القوي جويل (بيدرو باسكال)، في أثناء خوضهما وسط بقايا حضارة متداعية، وعبر معاقل - من الشيوعية إلى الفاشية - سعياً لاستعادة النظام. تقاسمَ الاثنان مهمة أكبر من الحياة: إيلي محصّنة ضد العدوى الفطرية (لكن لا أحد يعلم بذلك)، وثمة جماعة سرّية تُدعى "يراعات" تطلب مساعدتها في تطوير علاج.
يبدأ الموسم الجديد باسترجاع لنهاية الموسم الأول، إذ يكذب جويل على إيلي بشأن ما حدث لـ"يراعات": يخبرها أنهم لم يتمكّنوا من إيجاد علاج بدلاً من إخبارها أنه أنقذها، ويتجه الاثنان إلى مخيّم في ولاية وايومنغ، حيث يأملان البقاء. في مشهدٍ آخر، تظهر آبي (كايتلين ديفر) بوصفها واحدةً من الناجين من الجماعة المتمرّدة. تُقسم، في أثناء وقوفها أمام قبر من سقطوا في تلك المعركة، على الانتقام لما فعله جويل بهمّ.
ثم تبدأ الأحداث بعد خمس سنوات من وقائع الموسم الأول، عندما استقر جويل وإيلي في تلك المدينة الكبيرة في وايومنغ. التوتّر سائد بينهما؛ ربما لأن إيلي تشكّك في ما قاله لها جويل، أو ربما بسبب منطق المراهقة نفسه. وجويل، الذي أثبت نفسه أنه إحدى الشخصيات المهمّة في هذا المجتمع، يلجأ إلى العلاج النفسي في محاولة للتعامل مع وضعه العاطفي المعقّد. لكن رغم جهود معالجته النفسية (كاثرين أوهارا)، لا يجرؤ جويل، المضطرب، على إخبارها بكذبه على إيلي.
لكن الحلقة الأولى تركّز على إيلي، وعلاقتها بصديقتها الجديدة دينا (إيزابيلا ميرسيد)، وتدريبها البدني والعسكري، ومهمّة استطلاعية متوتّرة على أطراف المستعمرة تقودها إلى مواجهة غير متوقعة مع مخلوق يبدو مختلفاً (أكثر ذكاءً) عن الكائنات التي نعرفها بالفعل. ينتهي العراك بعضّةٍ، واجتماعٍ لاحق مع السلطات لمناقشة الأمر، وصراع بين سكان المدينة بعدما رأوا إيلي ودينا تتبادلان القبل في حفلة، ما سيُثقل كاهل علاقتها بحاميها الأبوي جويل. في النهاية، يبدو أن الفطريات المخيفة تمكّنت من دخول المدينة عبر أنبوب تهوية مكسور.
من دون تجربة اللعبة أو معرفة أي تفاصيل عنها - باستثناء ما ذكره المطّلعون على الموضوع - تصعب معرفة مسار القصّة وكيف ستختلف عما رُوي هناك، بعيداً عن مفسدات الفرجة المتسرّبة من مصادر مختلفة. لكن هذا لا يهمّ، خصوصاً أن الإنتاجات السمعية والبصرية يجب تحليلها بمفردها وليس وفقاً للمواد الأصلية المستندة إليها. لذلك، للوهلة الأولى، يبدو المسلسل ناجحاً في إرساء إيقاعه ونبرته الخاصة، التي قد تكون جدّية وخطيرة للغاية في بعض الأحيان، ولكنها تحتفظ ببعض اللمسات الكوميدية.
يُحقق كريغ مازن، المشارك في كتابة الحلقة وإخراجها، أصعب وأهمّ شيء في هذا النوع من الأعمال المُشتقة من أخرى أكثر شهرة: خلق عالم موثوق، بنبرته وأجوائه الخاصة، لا يُشعر المتفرّج بأنه مدين للأصل المأخوذة عنه القصّة. بعيداً عن إيماءات وتحيات ملقاة هنا وهناك عبر أحداث ومشاهد المسلسل، يُظهر The Last of Us بوضوح أن الجمهور لا يحتاج لمعرفة لعبة الفيديو لفهم قصّته وشخصياته. بعبارة أخرى، هو عملٌ تلفزيوني قائم بذاته.
تُظهر اللقطة الأخيرة من الحلقة آبي وجماعتها وهم يصلون إلى حدود المستعمرة، يلقون نظرة خاطفة عليها من بعيد. إلى جانب احتمال دخول العدوى. تُمثل هذه اللقطةُ الافتتاحيةَ الرئيسية الأخرى لأحداث بقية الموسم. أضف إلى ذلك، التوترات العاطفية بين إيلي وجويل، وسكّان المستعمرة نفسها، كل شيء يُشير إلى أن الحلقات القادمة ستزداد تشويقاً وإثارة. يُظهر مشهد قصير ولافت جويل مقترحاً وقف قبول "اللاجئين" من الخارج لعدم وجود مكان في المستعمرة، فتردّ عليه شقيقة زوجته ماريا (روتينا ويسلي): "كنتم لاجئين أيضاً". لا يتحدّث هذا المشهد عن نقاشٍ إشكالي آخر داخل المستعمرة فحسب - وداخل منطق جويل نفسه - بل يلامس أيضاً وتراً وثيق الصلة بالحياة الواقعية، والراهن الأميركي تحديداً، خصوصاً في الولاية الثانية لدونالد ترامب المتوعّد للمهاجرين واللاجئين وكل مَن لا تعجبه هيئته وخلفيته.
بهذه الإسقاطات والملامسات مع الراهن العالمي، يستوي The Last of Us ملحمة زومبي ذكية عن عصرنا، حتى إن كان الزومبي في واقع الأمر ليسوا موتى أحياء ضحايا فيروس غامض، بل بشر "مصابون" بفطرٍ حقيقي، في أعقاب تغيّر المناخ، تحوَّر هذا الفطر، وسيطر على العائلات البشرية وحوّلها مخلوقات وحشية. لكن سواء كان زومبياً، أو شخصاً مصاباً، أو متحولاً خارقاً، فهذا أمر غير ذي صلة.
في The Last of Us، الوحشي في الأساس مجرد خلفية، ووباء الفطر بديل لعدد من التهديدات الوجودية. في الواقع، يتعلّق الأمر بكيفية سلوك الناس في مواجهة مثل هذا التهديد الخارجي، وخصوصاً تجاه بعضهم بعض. تناول الموسم الأول هذا الموضوع في سيناريوهات مختلفة، بحساسية نادرة في الرؤى التلفزيونية لما بعد نهاية العالم. في موسمه الثاني، يعود The Last of Us أكثر جذرية، وأكثر إيلاماً، بحكاية عن دوّامة العنف والانتقام والفوضى المميتة التي لا تنتهي إلا عندما يقبل المرء ما يُفترض أنه غريب كجزء من ذاته.
