الغلاء يخنق غزة: انفلات الأسعار في الأسواق وغياب الرقابة
Arab
8 hours ago
share

تخضع الأسواق في قطاع غزة إلى مجموعة من التأثيرات التي تفاقم الأوضاع المعيشية الصعبة للفلسطينيين، ويكمن أبرزها في حالة انفلات الأسعار وسط غياب الرقابة الرسمية في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي. وتعود حالة العشوائية التي تمرّ فيها أسواق غزة إلى عدم انتظام دخول المساعدات الإنسانية أو البضائع التجارية التي يمنع الاحتلال الإسرائيلي دخولها تماماً منذ الثاني منذ مارس/ آذار، الأمر الذي يفتح المجال واسعاً أمام احتكار السلع الأساسية والتحكم في أسعارها؛ استغلالاً لحاجة الناس وفقاً لنظرية العرض والطلب.

ولم تبدأ المشكلة مع الوقف الإسرائيلي الكامل لدخول المساعدات والبضائع والإمدادات بداية شهر مارس، وإنما نتجت عن سياستَي التعطيش والإغراق التي يتبعهما الاحتلال منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إذ يسمح بدخول السلع غير الأساسية بكميات كبيرة بينما يمنع دخول السلع الهامة، أو يقوم بإغلاق المعابر أمام السلع كلّها.

وتتيح تلك العوامل المجال للتجار والباعة للتلاعب في أسعار الكميات الشحيحة المتوفرة من البضائع الأساسية، التي يجري إخفاؤها أو إظهارها تدريجياً بهدف التحكم في أسعارها التي ارتفع بعضها إلى ما يزيد عن 15 ضعفاً.

غياب الرقابة وارتفاع الأسعار

تترافق حالة الانفلات السعري مع الأوضاع الاقتصادية المتردية التي يمر فيها الفلسطينيون منذ بداية الحرب، نتيجة فقدان بيوتهم ومصادر عملهم بفعل تدمير ما يزيد عن 93% من مكوّنات الاقتصاد الفلسطيني، وتعطل مئات الآلاف عن العمل، واعتماد الغالبية العظمى من الأسر على المساعدات الإنسانية التي يوصد الاحتلال بوابات المعابر أمام دخولها.

وتتمثل المشكلة الأساسية في غياب الرقابة الحكومية الفعالة على الأسواق، بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية المتأزّمة التي تجعل من الصعب فرض القوانين الرادعة التي تحكم الأسعار، أو معاقبة المتلاعبين بها، وهو أمر بات يجبر المواطنين على التعامل مع الأسعار غير المنضبطة؛ لانعدام الخيارات.

ويبين المواطن الفلسطيني سند عودة أن هناك تلاعباً في الأسعار من الباعة الذين يستغلون الوضع السيّئ ويقومون بزيادة مُبالغ فيها للأسعار، مستغلين ضعف الرقابة الحكومية لرفع أسعار السلع الضرورية مثل الخضروات والبقوليات والمواد الغذائية على نحوٍ غير منطقي.

ويلفت عودة لـ"العربي الجديد" إلى أن الباعة يتحججون طوال الوقت بارتفاع نسبة التكاليف، ويقول "صحيح أن هناك زيادة في تكاليف النقل لكنها لا تتساوى مع الأسعار الخيالية في الأسواق، كما أن بعض التجار يرفعون أسعار البضائع وهي على رفوفها، دون أن يجري دفع أي تكاليف لنقلها". ويشير عودة إلى أن العدوان يعتبر السبب الأساسي في هذه الظاهرة نتيجة إغلاق المعابر وتعطيش الأسواق، ما ساهم في تشجيع عملية استغلال المواطنين بالكميات الشحيحة المتوفرة، في ظل عدم قدرة الحكومة على فرض الرقابة الصارمة على الأسعار بسبب الأوضاع الأمنية الخطيرة.

لا ضوابط محلية

وعن تأثير عشوائية الأسواق وانفلات الأسعار على حياته اليومية، يوضح الفلسطيني خالد النبيه أن الوضع أصبح لا يطاق، إذ كان يشتري كمية متنوعة من السلع كل شهر، لكنه اضطرّ إلى الاستغناء عن العديد منها بسبب الارتفاع الجنوني في أسعارها. ويشير النبيه إلى أن تحكّم الاحتلال في فتح وإغلاق المعابر وفقاً لأهوائه، إلى جانب جشع بعض التجار في رفع أسعار البضائع القليلة المتاحة يؤثر مباشرةً على جودة الحياة المأساوية أصلاً، إذ يُجبر الفلسطينيون على التخلي عن أصناف محددة من السلع لتوفير أصناف أخرى.

ويبيّن النبيه أن ظاهرة انفلات الأسعار لا تقتصر على المواد الغذائية فحسب، وإنما تمتد إلى مختلف البضائع الأخرى كالملابس ومواد البناء وأدوات السباكة والكهرباء والهواتف النقالة ومستلزمات الطاقة البديلة والوقود، وتصل إلى حد التحكم في أسعار النايلون والشوادر المخصصة لتغطية خيام النزوح.

ويجد الفلسطيني محمد أبو الكاس نفسه مضطراً للمقارنة بين الأشياء التي كان يستطيع شراءها سابقاً والتي أصبحت الآن خارج نطاق قدرته الشرائية بفعل الغلاء الشديد، خاصة بعد تعطله عن عمله وتوقف حصوله على المساعدات المالية التي كانت تخصصها وزارة التنمية الاجتماعية وبعض المؤسسات واللجان.

ويقول أبو الكاس لـ"العربي الجديد": "الوضع في غزة مأساوي من حيث الأسعار، فعلى الرغم من أن المعروض من السلع ليس بكميات كبيرة، إلّا أن الأسعار ارتفعت كثيراً، إذ تُحدَّد الأسعار وفقاً للطلب على السلع". ويرى أبو الكاس أن عدم وجود رقابة فعالة يعتبر أحد الأسباب الرئيسية في هذا الارتفاع، إذ لا يخضع الباعة والمورّدون لأيّ ضوابط في الأسعار، ما يشجعهم على رفع الأسعار لتحقيق أرباح غير عادلة.

انفلات في ظل الحصار

في الأثناء، يبين الباحث في الشأن الاقتصادي رامي الزايغ لـ"العربي الجديد" أن الأسواق في غزة تعاني من حالة انفلات كبيرة في أسعار السلع كافة، لا سيّما الأساسية منها، خاصة بعد قرار الاحتلال تشديدَ الحصار ومنع إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع، ما تسبب باختفاء الكثير من الأصناف وارتفاع أسعار المتوفر منها. ويشدّد الزايغ على أن غياب الرقابة الحكومية والمجتمعية وترك الأسواق للطلب والعرض، أدّيا إلى تحكّم التجار والباعة في الأسواق، ما تسبب في رفع الأسعار بعد أن شهدت انخفاضاً ملحوظاً خلال فترة وقف إطلاق النار في غزة، إلى جانب تأثير ذلك على الرقم القياسي لأسعار المستهلك ومؤشر غلاء المعيشة.

ويبيّن الخبير الاقتصادي أن التجار والباعة في ظل غياب الرقابة كانوا من الأسباب الرئيسية في تعميق الأزمة، من خلال احتكار السلع وإخفاء بعضها وتقطيرها في الأسواق، وقيامهم برفع تدريجي وسريع في أسعارها بناءً على الطلب والعرض، وقد قاموا بتحديد الأسعار وفقاً لأهوائهم، وشهدت الأسواق اختلافاً في الأسعار من بائع لآخر ومن بسطة لأخرى.

ويشير الزايغ إلى تأثير الأزمة على سلوك المستهلك الذي يضطر إلى شراء السلعة بكمية زائدة عن حاجته لتخزينها تخوفاً من انقطاعها أو ارتفاع أسعارها، ما يساهم في تضاعف الأسعار، وهو أمر استنزف جيوب المواطنين المستنزفة أساساً نتيجة فقدان مصادر الدخل والفقر المدقع الذي يتسبب فيه استمرار العدوان.

وفي ظل غياب الرقابة ومحدودية توفر السلع، يشعر الباعة بحرية أكبر في تحديد الأسعار لعمليات العرض والطلب، وهو ما يزيد من الأعباء الاقتصادية على المستهلكين غير القادرين على شراء احتياجاتهم الأساسية، إلى جانب انعدام الاستقرار الاقتصادي وعجز المواطنين عن التنبؤ بتكاليف المعيشة الشهرية، ما يخلق حالة من القلق المستمر.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows