
في وقت تهتزّ فيه اقتصادات العالم تحت وطأة الحروب التجارية والاضطرابات الجيوسياسية، يواصل الذهب تأكيد موقعه ملاذاً آمناً، ومع ارتفاع سعر الأونصة إلى ما يزيد عن 3300 دولار يشهد المعدن الأصفر إقبالاً كبيراً من اللبنانيين، سواءً من الأفراد أو المؤسسات الصغيرة، ولا يقتصر الأمر على شراء الذهب على شكل سبائك أو أونصات، بل يمتد ليشمل الحلي والمجوهرات، التي أصبحت بمثابة أداة للاستثمار والحماية من تقلبات السوق.
ويقول رئيس نقابة تجار الذهب والمجوهرات في لبنان نعيم رزق، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، إنّ سعر أونصة الذهب كان يبلغ نحو 2600 دولار قبل استلام دونالد ترامب السلطة، لكنه ارتفع إلى أكثر من 3300 دولار اليوم، بسبب السياسات التجارية التي ينتهجها، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ الذهب.
ويوضح رزق أن التراجع الطفيف في سعر الذهب بين الحين والآخر يُعدّ بمثابة "محطات لتحقيق الأرباح"، ويشير إلى أن الطلب على الذهب "مرتفع جداً" في لبنان، لدرجة أن بعض الأنواع اختفت مؤقتاً من السوق بسبب الإقبال الشديد، ويضيف: "المشترون لم يعودوا يهتمون بالسعر، بل يسعون إلى الشراء بأي ثمن، نتيجة فقدان الثقة بالعملة الورقية"، كما أن أسعار الذهب ارتفعت بنسبة كبيرة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ما يغري بأرباح لاحقة، مؤكداً أن المؤشرات كافة تدل على استمرار هذا الصعود.
ويشير إلى أن "الإقبال الأكبر هو على سبائك الذهب، نظراً لاستقرارها، ولأنها تشكّل ملاذاً آمناً، في ظل تدهور العملة المحلية، وذكر أن مؤسسات بيع الذهب في لبنان تواجه صعوبات في تأمين الكميات المطلوبة، بسبب الطلب المرتفع، كما ذكّر بأن "لبنان كان يصدّر الذهب إلى مختلف الدول المجاورة"، لافتاً إلى أن النقابة تسعى إلى استعادة هذا الدور الإقليمي.
توقعات صعود الذهب
ويلفت رزق إلى أنّ "الذهب سيواصل صعوده في المرحلة المقبلة، إذ بات الخيار المفضل لكثير من المستثمرين لحفظ قيمة أموالهم، في وقت تواصل فيه العملات الورقية فقدان قيمتها".
وتقول ريتا، صاحبة محل مجوهرات في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ السوق اللبنانية تشهد طلباً متزايداً على الذهب، إذ يفضّل الكثير من الناس الذهب على الاحتفاظ بالأموال النقدية، وتوضح أن هذا التوجه يعود إلى تزايد القلق من تراجع قيمة الليرة اللبنانية والمخاوف المستمرة من التضخم، كما أن الذهب يُعتبر من أصول "الملاذ الآمن" في أوقات الأزمات، وهو ما يجعل الناس يتوجهون إليه وسيلةً لحماية أموالهم من التآكل بسبب التضخم والضغوط الاقتصادية الأخرى، وتضيف ريتا أن التوقعات تشير إلى استمرار ارتفاع أسعار الذهب في المستقبل القريب، وهو ما يعزّز رغبة المواطنين في التوجه نحو الذهب.
ومنذ بداية العام الحالي، ارتفعت أسعار الذهب بنسبة تُقدّر بحوالى 20%، ما يعكس تزايد الطلب على هذا المعدن النفيس في ظل الظروف الاقتصادية المضطربة. في سياقٍ متصل، يصرّح المستشار المصرفي بهيج الخطيب، في حديث خاص مع "العربي الجديد"، أنّ قرارات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشأن زيادة الرسوم الجمركية على السلع المستوردة، ستؤدي على المدى البعيد إلى حرب تجارية ومالية عالمية، إذ إنّ العديد من الدول تتعامل وفق مبدأ المعاملة بالمثل، ويوضح أنه "في دول مثل لبنان، لا يمكن فرض ضرائب أو رسوم جمركية على سلع مستوردة من دولة كبرى كالولايات المتحدة، إلا استناداً إلى الضرائب التي تفرضها هذه الدولة على وارداتها من لبنان".
ويضيف أنه عندما ترى الدول أن تعديل معدلات الرسوم على بضائعها المصدَّرة إلى الولايات المتحدة يُلحق بها ظلماً، ويضعها في موقع الضعيف في المنافسة الدولية، فإن العالم سيدخل في حالة من الفوضى الاقتصادية، وكل ذلك سينعكس على لبنان.
ويشير الخطيب إلى أن التأثير الأكبر يكون على صعيد الأفراد الذين يملكون فائضاً من المدّخرات ويستثمرونه في مجالات متعددة، مثل الذهب أو العقارات أو البورصات والسندات، ويلفت إلى أن اللجوء إلى الملاذات الآمنة، كالذهب، يزداد عادة في فترات الاضطرابات الأمنية والسياسية حول العالم.
ويضيف أن معظم الدراسات والتقارير، خاصة تلك الصادرة عن المجلس العالمي للذهب، تتنبأ باستمرار الخط التصاعدي لأسعار الذهب عالمياً، ويوضح أن أونصة الذهب تسجّل منذ أكثر من عامَين ارتفاعاً تدريجياً دون قفزات حادّة، ما يمنع حدوث تراجعات تصحيحية قوية تُستغل من المضاربين صعوداً أو هبوطاً، الأمر الذي يخلق ثباتاً في المسار البياني التصاعدي، ويؤكد أنه كلما جرى التنبؤ بوصول الذهب إلى مستوى قياسي جديد، يتحقق ذلك بعد فترة زمنية معينة، ما يدفع المستثمرين، خاصة اللبنانيين، إلى التوجّه نحو الذهب، في ظل انعدام الثقة بالأوضاع الأمنية والسياسية.
ويتابع الخطيب بالإشارة إلى أن سوق الذهب والمجوهرات في لبنان مرتبطة بالحركة العالمية لسعر الذهب، ويزداد الطلب في فترات التوتر، إذ تمتنع كثير من العائلات المالكة للمجوهرات عن البيع.

Related News
