بن بلوشي.. "مؤامرة" تحدث في ألبانيا عام 2044
Arab
1 day ago
share

ألهمت الخلفية التاريخية والاجتماعية الروائي الألباني المعروف بن بلوشي Ben Blushi لإنجاز روايته الأخيرة "المؤامرة" (2024)، التي بناها على خيال روائي لتعبّر عمّا ستكون عليه ألبانيا وجوارها في عام 2044. رغم أن المؤلف صرّح في أكثر من مناسبة بأن الرواية ليست "نبوءة" وأنه "ليس نبياً"، إلا أن روايته أثارت اهتماماً يعبر عن القلق الكامن من المستقبل.

تنطلق الرواية من مدينة شنجيني الساحلية، حيث بقيت هناك مجموعة أفغانية لم تستطع السفر إلى الولايات المتحدة، وأخذت تتكاثر بسرعة. متوسط النمو في العائلة الأفغانية أربعة أولاد، بينما هو أقل من واحد لدى العائلة الألبانية. مع هذا النمو المتسارع للأفغان في شمال ألبانيا، تمكن شخص يدعى محمد دوراني من الفوز في الانتخابات المحلية ليُصبح رئيساً للبلدية في عام 2043. بعد أن يتزوج بألبانية، ينخرط في اللعبة السياسية للبلاد ويصبح وزيراً للدفاع في الحكومة الجديدة التي تشكلت في عام 2044.

نظراً لتفاقم الأوضاع في المنطقة، ومن ذلك اجتياح قوات صربيا شمال كوسوفو ذي الأغلبية الصربية، يتحمس وزير الدفاع محمد دوراني لدغدغة مشاعر الألبان بـ"تحرير كوسوفو" وضمها إلى ألبانيا لكي تصبح دولة ذات شأن في غرب البلقان. إلا أن هذا الطموح يفشل بسبب "مؤامرة" يشارك فيها ثلاثة يهود يعبرون عن التنوع الجديد في ألبانيا، رغم أن هؤلاء اليهود (صهيوني، شيوعي، ومغامر) لهم آراء ومواقف مختلفة تضرب على الوتر الحساس في النقاش الدائر في البلاد حول اليهود وإسرائيل وحربها على الفلسطينيين.

بوابة الشرق

حتى استقلال صربيا عن السيادة العثمانية في عام 1878، كانت بلغراد تُعرف بلقب "بوابة الشرق"، حيث كان كل من يأتيها من الشمال يشعر أنه قد عبر الخط الوهمي بين الشرق والغرب. كلما توجه جنوباً حتى سالونيك على بحر إيجة، كان حضور الشرق يزداد مادياً وثقافياً. بعد أقل من نصف قرن، تغيّر البلقان أكثر، رغم أن ألبانيا بقيت حتى عام 1919 تُسمى "مفتاح الشرق الأدنى"، حسب عنوان كتاب صدر عنها في الولايات المتحدة، بعد أن أصبحت "مملكة يوغسلافيا" تحتل غرب البلقان.

حروب يوغسلافيا التي استمرت بين عامي 1991 و1999 أدت إلى بروز سبع دول جديدة (سلوفينيا، كرواتيا، البوسنة، الجبل الأسود، مقدونيا الشمالية، صربيا، وكوسوفو)، ما غيّر مشهد غرب البلقان بعد موجات التهجير والتغيير الديمغرافي، سواء داخل المنطقة أو على نطاق أوسع داخل القارة الأوروبية. أصبحت دول الاتحاد الأوروبي جاذبة للشباب الباحثين عن فرص عمل أفضل ورواتب أعلى.

صعود ألباني في سويسرا سيتيح أن يتولى ألباني وزارة الدفاع

فقدت ألبانيا ثلث سكانها منذ عام 1990، وكشف الإحصاء السكاني في كوسوفو المجاورة لعام 2024 أن عدد السكان عاد إلى ما كان عليه في عام 1981. مع النمو الاقتصادي المتسارع الذي ارتبط بوجود عمالة فنية شابة ورواتب متدنية، أصبح هناك نقص حاد في العمالة العادية. دولة مثل ألبانيا، التي لم يكن سكانها يشاهدون سوى "الرفاق" الصينيين حتى عام 1978، أصبحت الآن تعتمد على العمالة المصرية والفيليبينية والهندية والصينية حسب بيانات عام 2024. بالإضافة إلى هؤلاء، هناك لاجئون إيرانيون وأفغان جاؤوا إلى ألبانيا بطلب من الولايات المتحدة إلى أن يُبت في وضعهم.

مع توتر الأوضاع في يوغسلافيا السابقة بعد صعود سلوبودان ميلوشيفيتش إلى السلطة وإلغاء الحكم الذاتي الواسع لكوسوفو، انفتح طريق سويسرا أمام اللاجئين السياسيين من كوسوفو ثم اللاجئين بسبب الحروب التي طالت في يوغسلافيا بين عامي 1991 و1999. كان من هؤلاء اللاجئين السياسيين هاشم ثاتشي الذي أصبح لاحقاً "بطل الاستقلال" في عام 2008. رغم استقلال كوسوفو التي تحولت إلى دولة ألبانية ثانية (95% من سكانها ألبان)، إلا أن سويسرا بقيت تشد إليها عشرات الآلاف من الألبان، الذين أصبحوا يمثلون الآن النخبة الشابة المتعلّمة المرغوبة في سوق العمل لما تحمله من تخصّصات واستعدادات للاندماج في المجتمع السويسري مع الحفاظ على الهوية الكوسوفية (95% مسلمون حسب إحصاء 2024).

من الجيل الجديد الذي صعد بقوة وأثبت نفسه، الكاتب والصحافي أنور روبلي، الذي يعمل محرراً في جريدة "سودويتش زايتونغ" ويغطي فيها الشؤون البلقانية، ما جعله اسماً معروفاً في العالم الناطق بالألمانية. استضافه مؤخراً الروائي الكوسوفي فيتون سوروي في بودكاست مطول حول الألبان في سويسرا باعتبارهم أصبحوا من مكوناتها التي تتمتع بخصوصية في المجال الثقافي والديني.

ألبان في سويسرا

تجدر الإشارة إلى أن الألبان في سويسرا يظهرون في الإحصائيات بثلاث جنسيات (كوسوفية، مقدونية، وصربية)، ولكنهم يكونون جماعة واحدة بالمعنى اللغوي والثقافي يبلغ تعدادها 300 ألف، أي ما يعادل خمس ما بقي في كوسوفو من سكان وما يعادل سكان كانتون متوسط الحجم في سويسرا. يشير أنور روبلي في حديثه إلى الجيل الألباني الصاعد الذي أصبح الآن ممثلاً في برلمانات وحكومات الكانتونات الفيدرالية (26 دولة فدرالية تشكل الكونفدرالية السويسرية)، الجيش، والمنتخبات الرياضية وغيرها. يذكر من هؤلاء الكوسوفية إلفت فانيان، وزيرة داخلية كانتون لوتسرن، التي تُعتبر أول شخصية ألبانية تصل إلى مثل هذا المنصب. يشير إلى السنوات القادمة التي ستحمل جيلاً ألبانياً جديداً إلى أعلى المستويات.

يستذكر أنور روبلي حديثاً له مع زميل سويسري متابع الوضعَ في البلقان خلال سفرهما من بريشتينا إلى زغرب في عام 2008، حيث تنبأ له زميله بأن هذا الصعود الألباني في سويسرا سيتيح أن يتولى ألباني وزارة الدفاع في عام 2042، أي في الوقت الذي تنبأ فيه الروائي بن بلوشي بتولي أفغاني وزارة الدفاع في ألبانيا، وحتى إنه سيزور كوسوفو للمشاركة في الاحتفال بيوم الاستقلال.

مجرّد مصادفة؟

في صيف عام 2024، جاءتني دعوة من مركز ثقافي للألبان في بازل، وهو أحد المراكز العديدة التي أسسها الألبان هناك، للمشاركة في حفل إشهار الطبعة الرابعة من ترجمة القرآن الكريم إلى الألبانية التي أنجزها الأكاديمي فتحي مهديو وموّل إصدارها ذلك المركز، وذلك لكوني كنتُ أول من كتب عن الطبعة الأولى التي صدرت في بريشتينا عام 1985. رغم أني اعتذرت عن عدم تلبية الدعوة لزيارة سويسرا التي لم أشاهدها إلا من الجو، إلا أني عندما اجتمعت مع زملائي في العاصمة بريشتينا وسألتهم عن الاحتفالية التي جرت هناك، لفت نظري جواب أحدهم بأنه شعر كأنه انتقل من كوسوفو إلى مقدونيا الشمالية المجاورة لكثرة ما شاهد من الألبان هناك.


* كاتب وأكاديمي كوسوفي سوري

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows