الاحتلال يخنق الاقتصاد الفلسطيني ونصف السكان عاطلون من العمل
Arab
1 day ago
share

يشهد الاقتصاد الفلسطيني أزمات لا تتوقف، تبدأ من الاقتطاعات الإسرائيلية لأموال المقاصة منذ عام 2019، إلى جانب تراجع الدعم الدولي وانخفاض الإيرادات والإنتاج المحلّي، وما تبع الحرب على قطاع غزة من تسريح لأكثر من 200 ألف عامل كانوا يعملون في الداخل المحتلّ عام 1948، أو من الشركات والمصانع المحلّية التي لم تعد قادرة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه العمّال نتيجة تردّي الوضع المالي بفعل تراجع الحركة النقدية في الأسواق، ما أدى في المحصلة إلى تفشي نسبة البطالة لتصبح 51% (بواقع 35% في الضفة الغربية و80% في قطاع غزة)، وفق إحصائيات رسمية.

تراجع الدعم الدولي

علاوة على ذلك كله، استمر الدعم الدولي المقدم للحكومة الفلسطينية بالتراجع، وسط تضخم في أرقام الدين العام الذي بلغ 12.9 مليار دولار، في ظلّ غياب مصادر دخل للحكومة من شأنها إحداث تحولٍ في الوضع المالي الفلسطيني الذي يعتمد أساسا على أموال المقاصة (الضرائب والجمارك التي تجبيها إسرائيل على السلع المستوردة إلى الأراضي الفلسطينية، وتمثل نحو 65% من دخل الحكومة)، حيث تبلغ نسبة الأموال المقتطعة سبعة مليارات شيكل بالعملة الإسرائيلية، ما جعل الحكومة غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها وسداد ديونها (الدولار = 3.69 شيكلات).

ويقول مدير مركز الاتصال الحكومي محمد أبو الرب، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ذلك يعود إلى تراكمات سنوية سابقة وعوامل منها: التراجع الحاد في الدعم الدولي، والقرض التجميعي الذي حصلت عليه الحكومة السابقة وتشكيله عبئًا على الحكومة الحالية، إضافة إلى انكماش الاقتصاد الفلسطيني بنسبة تزيد عن 35% منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وتفاقم الأزمة نتيجة اقتطاعات أموال المقاصة التي تبلغ شهريًا 275 مليون شيكل. وهو ذاته المبلغ المخصص لقطاع غزة شهريًا والذي لم ينقطع، رغم انخفاض نسبة المقاصة المحوّلة في الشهر الماضي".

ويلفت أبو الرب إلى أنه خلال الأشهر الثلاثة الماضية من العام الجاري لم تتلق وزارة المالية الفلسطينية دعمًا ماليًا دوليًا للموازنة العامة، ما دفع الحكومة للتوجه نحو تنفيذ إصلاحات متعلقة بالديون المستحقة لها على شركات الكهرباء والمياه التي تقدر سنويًا بـ1.5 مليار شيكل (كون بعض البلديات لا تلتزم بتحويل الأموال لشركات الكهرباء التي تستورد من الشركات الإسرائيلية، والتي يتم اقتطاعها لاحقًا من أموال المقاصة بقيمة تصل إلى 120 مليون شيكل شهريًا)، وذلك يكون على حساب مخصصات الرواتب والمشاريع الإصلاحية.

إصلاحات حكومية لن تحل أزمة الاقتصاد الفلسطيني

إلا أن الباحث في معهد أبحاث السياسات الاقتصاديّة الفلسطينيّ (ماس)، إياد الرياحي، يرى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "معظم الإصلاحات التي أعلنت عنها الحكومة في الاقتصاد الفلسطيني لن تؤدي إلى حل للأزمة المالية، لأن جوهرها سياسي مرتبط بسيطرة الاحتلال على أموال المقاصة، في حين أن الحلول المطروحة فنية بحتة، ومع ذلك، فإن هذا لا يُنقص من أهمية اتخاذ إجراءات ترشيد إنفاق المال العام.
ويقول الرياحي إن "الحلول الحكومية تنقسم إلى مسارين: الإصلاحات الداخلية التي يحوم الشكّ حول قدرتها على إحداث تغيير جوهري بالأزمة المالية، ومسار آخر يلجأ إلى الاقتراض وخاصّة من البنوك".

والدليل على ذلك، وفق الرياحي، أن وتيرة اقتراض الحكومة في ازدياد في وقتٍ تتراجع فيه القدرة على تسديد المستحقات، ما يدفع النظام المالي في الاقتصاد الفلسطيني نحو أزمة متفاقمة. ويوضح الرياحي أن السياسات الحكومية تشير إلى البحث عن آليات التوسع في الاقتراض من البنوك المحلية. ويستدرك الرياحي قائلًا: "الإشكالية لا تقتصر على الاقتراض بحد ذاته، بل تكمن في السؤال الجوهري عما إذا كانت لدى الحكومة الموارد الكافية لتغطية خدمة الدين العام، إذ إن من يلجأ إلى الدين يجب أن يكون قادرًا على الإجابة عن كيفية سداده".

لكن أبو الرب يؤكد أن الحكومة تتجه نحو خطوات مالية إصلاحية عِوضًا عن الاعتماد على أموال المقاصة والإقراض، منها: "الاتجاه نحو ربط جميع نقاط الكهرباء الفلسطينية (عددها 22 نقطة)، بالشركة الوطنية لنقل الكهرباء، بدلًا من التعامل المباشر مع الشركات الإسرائيلية، وذلك يرفع نسبة التزام الجهات المذكورة بتسديد فواتيرها، ويُساهم أيضاً في تقليص التبعية للاحتلال، إضافة للعمل على مشاريع الطاقة البديلة ليشكّل الإنتاج المحلي ما بين 25 و30% من إجمالي الاحتياجات بحلول عام 2030، وإلزام أن تتم عملية الشراء من المنتج المحلي في ما يخصّ العطاءات الحكومية، بنسبة لا تقلّ عن 20%".

ويضاف إلى ذلك، حسب أبو الرب، "اتخاذ 50 خطوة إصلاحية، شملت وقف شراء المركبات الحكومية والمباني، وإلغاء بعض المؤسسات ودمج أخرى، ووقف التعيينات والامتيازات غير المنصوص عليها قانونيًا، وتدوير الموظفين، وتقنين السفر".

دخل محدود من الجباية

وحسب أبو الرب، تعتمد الحكومة الفلسطينية ضمن مصادر دخلها المحدودة على الجباية، ورغم أهميّة هذا المصدر، إلا أنه غير كاف لتغطية التزامات الاقتصاد الفلسطيني لسببين: "انخفاض القيمة المالية للمصدر مقارنة بالالتزامات، وسبب آخر سيئ مرتبط بغياب العدالة في الجباية وعدم قدرة وزارة المالية على جمع عادل لضريبة القيمة المضافة التي يدفعها المواطنون للتجار عند شراء السلع، ما يُعد عجزًا تتحمل مسؤوليته الحكومة".

يُضاف إلى ذلك وجود إعفاءات ضريبية يستفيد منها العاملون في قطاعات احتكارية، وهو ما يُفاقم سوء توزيع العبء الضريبي ويضعف القدرة على تحقيق العدالة المالية، ما يعني ضرورة وجود إصلاحات في نظام الضريبة الفلسطيني، وفق الرياحي.

وفي إجابته عن سؤال بشأن عدم عدالة قانون ضريبة القيمة المضافة، يقول أبو الرب: "الحكومة تعمل على إعداد قانون جديد لضريبة القيمة المضافة يراعي العدالة الاجتماعية، وهو بصدد العرض على مجلس الوزراء تمهيدًا لتنسيبه إلى الرئيس، بحيث يتم خفض ضريبة القيمة المضافة على السلع الأساسية، مقابل رفعها على السلع الكمالية والاستهلاكية، بما يحقق دعمًا مباشرًا لمحدودي الدخل، وفي جانب آخر تتعامل الحكومة الآن على أساس أنّ الحدّ الذي لا تتعرض فيه رواتب القطاع العام للاقتطاع هو 3500 شيكل (نحو 1000 دولار)، وما هو أعلى يتم الاقتطاع منه، على أن يبقى بصفة دين على الحكومة، وبالتالي يكون 70% من الموظفين في دائرة الراتب الكامل".

لا دعم أوروبياً

لكن رزمة إصلاحات الاقتصاد الفلسطيني التي يجري العمل عليها لم تجلب دعمًا ماليًا أوروبيًا كما كان متوقعًا بناءً على الوعود التي تلقّتها السلطة، بحسب الرياحي، الذي يوضح أن الدعم الأوروبي الذي أعلن عنه كان بقيمة 1.6 مليار دولار موزّعة على ثلاث سنوات، علمًا أن المبلغ لن يُحوّل بالكامل إلى خزينة الحكومة، إذ يتضمن جزءًا على شكل منحة، وآخر بصفة قرض، وهذا يفتح بابًا جديدًا للاقتراض وتبعات أزمته، وتخصص المنحة الأوروبية مبلغ 200 مليون دولار سنويًا لتغطية الرواتب لمدة ثلاث سنوات، ما يعني أنها لا تشكل حلًا للأزمة المالية.

ويقول الرياحي: "على صنّاع القرار الفلسطينيين أن يدركوا أن التوجه الأوروبي العام أصبح نحو التسلح الاقتصادي، وليس على الإنفاق والمساعدات الخارجية والتنمية. فرنسا وبريطانيا جمدتا جزءًا من دعمهما الخارجي، وأميركا أوقفت مساعداتها للفلسطينيين بالكامل، ما يجعل فكرة حشد الموارد والتمويل الخارجي، التي أعلنت عنها الحكومة، فكرة ضعيفة وغير واقعية".
ويأتي ذلك في وقت يشارك فيه رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى بلقاءات مع قادة مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ.

ويعتبر الرياحي أن الحكومة تواجه أزمة في قضية الدعم الخارجي، ويقول: "الدعم العربي محدود جدًا، ويتوافق في كثير من الأحيان مع الشروط الأوروبية المفروضة على الفلسطينيين، كما أن الأوضاع الإقليمية والصراعات القائمة تلقي بظلالها على الاقتصاد الفلسطيني وفرص دعم الموازنة العامة الفلسطينية، واللقاءات في لوكسمبورغ تناقش اشتراطات جديدة تتعلق بمدى تجاوب السلطة مع الإصلاحات المطلوبة أوروبيًا". ِ

بدوره، ينفي مدير مركز الاتصال الحكومي محمد أبو الرب أن تكون السلطة قد تعرّضت لاشتراطات أوروبية مقابل الدعم. ويقول أبو الرب: "الاتحاد الأوروبي ودول عديدة أيّدوا برنامج الإصلاح الحكومي دون اشتراطات محددة، بل لأن برنامج الحكومة مقنٍعِ، أدى ذلك إلى رفع البنك الدولي دعمه من 70 مليونا إلى 300 مليون دولار العام الماضي. الدعم الأوروبي، وإن كان منخفضًا الآن، إلا أنه يحمل رسالة سياسية داعمة للحكومة، خاصة في ظل حوار سياسي غير مسبوق مع الاتحاد الأوروبي".
وعن الشروط العربية، يقول أبو الرب: "سواء وُجدت مطالب إصلاحية عربية أو غير عربية، فإن الإصلاح هو مطلب فلسطيني بالدرجة الأولى، إذ إن تجديد المؤسسات، وإحالة القيادات الأمنية أو المدنية إلى التقاعد، يندرج ضمن العمل الذي يجب أن يتم".

أزمة تفاقم الديون 

ومن جانبه، يشير الرياحي إلى أن السلطة الفلسطينية مقبلة على أزمة خطيرة عنوانها "تفاقم الدين العام"، وعدم القدرة على الوفاء بالالتزامات المالية، وهذا ينعكس بشكل مباشر على النظام المصرفي والسياسة الاقتصادية العامة في البلاد، فإذا استمرت البنوك في إقراض الحكومة، فإنها قد تواجه خطر الانهيار، وإذا توقفت عن الإقراض، فلن تستطيع الحكومة تمويل قطاعات الصحة والتعليم والرواتب.

وفي حال توقفت البنوك عن إقراض الحكومة، تعمل الأخيرة على ثلاثة محاور رئيسية، بحسب أبو الرب: "الضغط دوليًا للإفراج عن أموال المقاصة، وتسوية ديون الهيئات المحلية، ومعالجة التهرب الضريبي الذي يُكلّف الحكومة نحو 1.5 مليار شيكل سنويًا، وهي مبالغ تكفي لتأمين رواتب الموظفين في القطاع العام، مرّتين في كل عام".
أما الدين العام الفلسطيني، الذي يبلغ حاليًا 12.9 مليار دولار وفق أبو الرب، فيُعد أقل بنحو خمسة أضعاف مقارنةً ببعض الدول المجاورة كالأردن ولبنان، وتسعى الحكومة إلى تحويل جزء من هذا الدين إلى سندات حكومية، ما يتيح للقطاع الخاص والبنوك خيار شراء هذه السندات، ويُخرج هذه الالتزامات من كونها "دينًا" مباشرًا كما هو متبع في دول العالم.
ورغم الوضع المالي الصعب، إلا أن الدين العام لا يُعتبر كارثيًا مقارنة بالدول المحيطة، وبالنظر إلى حجم الاقتصاد الفلسطيني الذي لا يعتبر كبيرًا، وذلك بناءً على الخطة التقشفية للموازنة العامة في 2025 التي تبقي العجز عند حدود سبعة مليارات شيكل، وهي قابلة للتقليص في حال تحقق الدعم الدولي أو انفرجت أزمة المقاصة التي لم تُحل بعد، بسبب الحرب الإسرائيلية الشاملة على الشعب الفلسطيني، والتي تشمل حصارًا اقتصاديًا ممنهجًا ضد السلطة، وتسعى إلى إضعاف النظام السياسي، ومنع إعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة، كما قال أبو الرب.

أما بخصوص إمكانية سداد مستحقات الموظفين بالقطاع العام، فيقول أبو الرب: "كل الخيارات قائمة وتعتمد على قدرة الحكومة على تجنيد تمويل جديد خلال العام الحالي، مع التأكيد على استمرار الجهود لتحسين الوضع القائم على الأقل، ومنع تدهوره".

وتتكوّن الإيرادات المالية الفلسطينية من قسمين رئيسيين: الأول عبر الضرائب من أموال المقاصة (تشكل ما يقارب ثلثي قيمة الموازنة)، أو من خلال الإيرادات المحلية، مثل ضريبة الدخل وضريبة الأملاك، والقسم الثاني من خلال الرسوم في المعاملات الرسمية. وبحسب موازنة الحكومة المالية لعام 2025، قُدّرت إيرادات المقاصة بنحو 10.2 مليارات شيكل، أما الإيرادات المحلية فقدرت بنحو 5.8 مليارات شيكل.

وعن أوجه صرف هذه الإيرادات، يوضح الباحث في قضايا الموازنة العامة مؤيد عفانة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن جميع هذه الأموال تُحوّل مباشرة إلى الخزينة العامة الموحدة، وتُدار عبر المحاسب العام في وزارة المالية، ويتم الإنفاق منها بشكل مركزي. ويُصرف هذا الإنفاق وفق خمسة أوجه رئيسية، هي: الرواتب والأجور، النفقات التشغيلية، النفقات الرأسمالية (التي تُعد ضئيلة جدًا)، النفقات التطويرية (التي تُموّل عادة من خلال المنح والمساعدات)، ونفقات أخرى متنوعة. ويأتي ذلك بموجب قانون الموازنة العامة.

وعما إذا كان قطاع الأمن يستهلك أعلى نسبة من الموازنة، على حساب قطاعي الصحة والتعليم، رغم إعلان الحكومة خططًا إصلاحية عبر إقرار قانون إحالة ضّباط الأمن برتبة عميد للتقاعد حال تجاوز سنّ الـ55، يشير عفانة إلى أن الأمن يستهلك 21%، وهي أعلى نسبة في الموازنة، غير أن نتائج الإحالة للتقاعد لن تنعكس إلا على أرقام الموازنة في نهاية العام، نظرًا لأن تلك القرارات صدرت بعد اعتماد الموازنة.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows