
(لاهاي) – قالت "هيومن رايتس ووتش" اليوم إن الفظائع المتواصلة بسبب تفشي الإفلات من العقاب وفجوة المساءلة في السودان تتطلب استجابات شاملة في مجال العدالة بعد عقدين من إحالة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الوضع في دارفور إلى مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية.
في 31 مارس/آذار 2005، اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 1593، مانحا المحكمة الجنائية الدولية تفويضا بشأن الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية المرتكبة في دارفور منذ يوليو/تموز 2002. أدت تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية إلى فتح قضايا عدة تتناول الجرائم المرتكبة في المنطقة بين 2003 و2013. ولكن اليوم، وبعد عامين تقريبا على بدء القتال الحالي في أبريل/نيسان 2023، ما تزال ولاية المحكمة الجنائية الدولية مقتصرة على دارفور رغم ارتكاب انتهاكات جسيمة في جميع أنحاء السودان. "بعثة الأمم المتحدة المستقلة الدولية لتقصي الحقائق بشأن السودان" و"بعثة اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب المشتركة لتقصي الحقائق بشأن السودان" هما آليتان، الأولى دولية والأخرى إقليمية، مُكلَّفتان بالتحقيق في الانتهاكات الحالية المرتكبة في جميع أنحاء السودان، ولكن ليس مقاضاتها.
قالت ليز إيفنسون، مديرة العدالة الدولية في هيومن رايتس ووتش: "حاصرت الأطراف المتحاربة الشعب السوداني مرة أخرى في دوامة عنف يغذيها الإفلات من العقاب، مرتكبة فظائع مروعة ومسببةً أسوأ أزمة إنسانية في العالم. ينبغي للحكومات الالتزام علنا باستكشاف جميع السبل لسد فجوة المساءلة في السودان، لكيلا يضطر ضحايا جرائم اليوم إلى انتظار العدالة عقدين آخرين".
منذ اندلاع القتال في 15 أبريل/نيسان 2023 بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"، ارتكب كلا الطرفين المتحاربين جرائم حرب، مثل إعدام المحتجزين والتمثيل بجثثهم، وانتهاكات خطيرة أخرى للقانون الإنساني الدولي، منها في ولايات الخرطوم، وشمال دارفور، والجزيرة، وجنوب كردفان، وغرب كردفان، بحسب ما توصلت إليه أبحاث هيومن رايتس ووتش.
ارتكبت قوات الدعم السريع جرائم ضد الإنسانية، منها حملة تطهير عرقي في غرب دارفور في 2023، وأعمال عنف جنسي واسعة في مناطق العاصمة الخرطوم منذ 2023. كما اغتصبت قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها عشرات النساء والفتيات ضمن الاستعباد الجنسي في جنوب كردفان منذ سبتمبر/أيلول 2023.
في يناير/كانون الثاني 2025، أشار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى أن مكتبه سيقدم طلبات مذكرات توقيف بناء على التحقيقات في الجرائم المرتكبة منذ أبريل/نيسان 2023 في غرب دارفور. ويُقيّد قرار مجلس الأمن لسنة 2005 اختصاص المحكمة بدارفور.
في تقريريها الصادرين في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2024، وثّقت بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق الجرائم الدولية المرتكبة في جميع أنحاء البلاد، ودعت مجلس الأمن إلى توسيع نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ليشمل كامل السودان. كما حثّت الحكومات على استخدام جميع خيارات العدالة الدولية المتاحة، بما فيها إنشاء آلية قضائية دولية للسودان، وإجراء محاكمات بموجب الولاية القضائية العالمية أمام المحاكم المحلية، لتكميل عمل المحكمة الجنائية الدولية. كما دعت بعثة تقصي الحقائق السودان إلى التعاون مع الجنائية الدولية.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للدول الأخرى استغلال هذه الذكرى للتعهد علنا بالعمل معا لتنفيذ توصيات بعثة تقصي الحقائق وضمان تكثيف جهود العدالة في السودان. وينبغي للحكومات الحرص على الإعلان على أعلى مستوى عن ضرورة تركيز الجهود على المساءلة في الاجتماعات الرئيسية المقبلة، بما فيها اجتماع "مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي" في 14 أبريل/نيسان 2025، ومؤتمر لندن رفيع المستوى بشأن السودان في 15 أبريل/نيسان. وينبغي أن تركز جهود المساءلة على الأصوات السودانية، وأن تستفيد من الخبرات الدولية في الجهود الوطنية والدولية، كما هو الحال في أوكرانيا وسوريا.
كما ينبغي للدول تقديم دعمها الكامل لحفظ الأدلة وتوثيق جرائم اليوم، تمهيدا للمساءلة. وينبغي أن يشمل ذلك دعم بعثتي الأمم المتحدة واللجنة الأفريقية لتقصي الحقائق في السودان. وينبغي للدول ضمان حصول هذه الهيئات على الموارد السياسية والمالية اللازمة لتنفيذ ولاياتها، والتنسيق والتعاون الفعالين فيما بينها ومع المحكمة الجنائية الدولية، وإمكانية الوصول إلى السودان والدول المجاورة.
وينبغي للحكومات زيادة الدعم المالي والفني لمنظمات المجتمع المدني لتوثيق الانتهاكات الحقوقية، وتنظيم حملات ووضع استراتيجيات لتحقيق العدالة عبر مبادرات يقودها المجتمع المدني السوداني. ويشمل ذلك سد الفجوة الناجمة عن خفض التمويل الأمريكي بشكل عاجل، وإدانة استهداف الحقوقيين والمحامين من قبل أﻁراف النزاع بسبب دورهم في توثيق الانتهاكات الحقوقية.
ما يزال الحكم معلقا في محاكمة زعيم ميليشيا الجنجويد السابق علي محمد علي عبد الرحمن (علي كوشيب) أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور في 2003 و2004 و2013. ولكن بعد 20 عاما من إحالة مجلس الأمن القضية، ما تزال محاكمة كوشيب وحيدة.
عقب الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير في أبريل/نيسان 2019، أتيحت للحكومة الانتقالية بموجب اتفاق لتقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين فرصة لضمان المساءلة عن الانتهاكات الحقوقية السابقة. اتخذت الحكومة الانتقالية خطوات محدودة نحو المسائلة، لكنها لم تُعطِ الأولوية للمساءلة عن الانتهاكات الحقوقية الجسيمة، وقُطعت الإصلاحات القانونية الناشئة فور استيلاء الجيش على السلطة في 2021.
ما زال لم يتم تسليم البشير وقائدين سودانيين سابقين مطلوبين من المحكمة الجنائية الدولية. قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للسلطات السودانية تسليم البشير والمطلوبين من قبل المحكمة فورا.
ينبغي للدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية ضمان حصول المحكمة على الموارد اللازمة للقيام بعملها. دعت هيومن رايتس ووتش جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى حثّ مجلس الأمن على دعم ولاية المحكمة في دارفور، بما في ذلك إنفاذ قرارات المحكمة المتعلقة بعدم التعاون في الاعتقالات. كما ينبغي للدول دعوة الحكومة السودانية إلى قبول ولاية المحكمة في جميع أنحاء السودان.
يذكّر مرور 20 عاما على إحالة مجلس الأمن القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية بالدور الجوهري للمحكمة كملاذ أخير، وتأتي وسط تحدٍ علني لاستقلالها. في 6 فبراير/شباط 2025، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرا تنفيذيا يُجيز تجميد أصول مسؤولي المحكمة وغيرهم ممن يدعمون عملها في التحقيقات التي تُعارضها الولايات المتحدة وحظر دخولهم، وفرض هذه العقوبات على المدعي العام للمحكمة كريم خان. ويُرجح أن يكون للعقوبات الأمريكية تأثير واسع على عمل المحكمة، بما فيها الوضع في دارفور. رغم أن الولايات المتحدة ليست طرفا في المحكمة، إلا أنها دعمت عملها في دارفور.
ينبغي للدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية تأكيد التزامها بحماية المحكمة ومسؤوليها والمتعاونين معها من أي تدخل أو ضغط سياسي. وقالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي للاتحاد الأوروبي فرض قانونه المانع فورا لتخفيف آثار العقوبات الأمريكية.
قالت إيفنسون: "أظهرت إحالة قضية دارفور قبل 20 عاما ما يمكن للمجتمع الدولي فعله لدعم العدالة كعنصر أساسي في السلام والأمن الدوليَّيْن. ينبغي للحكومات أن تستفيد من خبرة العقود الماضية لإيجاد مسارات إبداعية للعدالة على المستويين الوطني والدولي للوفاء بهذا الوعد الذي مضى عليه 20 عاما".