
متكئاً على التراث مع منظور خاص لحداثة القصيدة، ترك الشاعر القطري محمد بن خليفة العطية (1962 - 2025)، الذي رحل الثلاثاء الماضي في لندن، بعد صراعٍ مع المرض، مجموعتين شعريتين تنوّعت قصائدهما بين العمودي والتفعيلة.
نشَر الراحل قصائده الأولى في سن مبكرة على صفحات الجرائد والمجلات الخليجية والعربية، بالإضافة إلى كتابة العديد من المقالات الأدبية والنقدية التي تناولت قضايا تهمُّ المشهد الثقافي القطري، وكذلك الواقع العربي، مشتبكاً مع أزماته التي تعصف به، وفي مقدّمتها قضية فلسطين.
في ديوانه الأول "مرآة الروح" (1989)، يتوجّه العطية إلى القارئ العربي في قصائد يبوح من خلالها بأصدق مشاعره وأفكاره تجاه المآسي العربية، ويعبّر أيضاً عن هموم وجدانية وإنسانية وسياسية، حيث يكتب في قصيدة "شباب عربي":
إن الذين تلوّنت أخلاقهم
إن الكرامة لا يمجد شأنها
باتوا بقلب تلف الوجدان
غير النجيب المخلص المتفاني.
ثم أصدر الشاعر عام 2002 ديوانه الثاني تحت عنوان "ذاكرة بلا أبواب"، في مراكمة على أسلوبه في بناء القصيدة التي تستدعي غالباً حالات نفسية وصراعات داخلية، والتي كانت محطّ اهتمام العديد من النقاد والكتّاب، كما نلاحظ في كتاب "محمد بن خليفة العطية شاعراً وإنساناً" الذي نُشر سنة 2004، وضمّ دراسات لكلّ من ماهر حسن فهمي ومحمد عبد الرحيم كافود وسليم سعيد، وعزة رشاد قطورة وخليل إبراهيم الفزيع وزهير غانم، وشعبان يوسف وقاسم سعودي.
ويلفت كافود إلى أن "غزليات الشاعر ليست مقصودة في ذاتها، ولكنها تُتخذ وسيلة للتعبير عن المعاناة الوجدانية، كما أن شعره الوجداني يتسم بقدر من الشفافية والإيحاء والتعبير عن قضايا الأمة العربية والإسلامية، ومن يُطالع شعر العطية في ديوانيه يجد أن همّه وحزنه نابعان من هموم أمته العربية والإسلامية".
قصائد لا تقاس بعمق الأفكار بقدر ما تقاس بطريقة طرحها وصياغتها
من جهته، يصف شعبان يوسف قصيدة الراحل بقوله "من المرأة، إلى الوطن، إلى القضايا الاجتماعية، إلى التأمل الفلسفي تتجوّل مخيلة الشاعر العربي محمد بن خليفة العطية، ومن العمودي إلى التفعيلة، ومن الخشن إلى الرقيق، ومن البسيط إلى المركّب، تتوزع التقنيات والأساليب المتعددة، وتتشابك الإمكانيات لصياغة عوالم تتراوح بين الواقعي المعاش، والمتخيل المحلوم به"، مضيفاً "هذه الصياغة أو الصياغات، هي البصمة الإبداعية الخاصة للشاعر، بغض النظر عن الأفكار والمقولات والجمل التي تأخذ شكل الحكمة، فالشاعر لا يقاس بعمق الأفكار التي يطرحها في قصائده، بقدر ما يقاس بالصياغة، أو الطريقة التي تنطرح بها هذه الأفكار، والبناء الذي يتوخاه الشاعر ليقدم لنا قصيدة متماسكة، غير مفرطة في عنصر، ومقصرة في عنصر آخر".
في قصيدة "الأمنية النائمة"، تبرز بنيتها الكلاسيكية بما تتضمنه من تأملات في العشق وتقلباته فيكتب: "أنّبت نفسي وفي التأنيب تذكرة/ تحيي الضمير إذا ما مسّه الخور/ حتى تماوج وجداني فعاتبني/ وقد سكنتُ وشكّي كاد ينحسر/ فأوحت النفس في صمت وفي دعة/ أن المحب غيور شكّه ضرر".
