الفجوة الرقمية... كيف يعاقب الاحتلال فلسطينيي الداخل؟
Arab
3 days ago
share

لا تزال البنى التحتية الرقمية في إسرائيل مرآةً واضحة للتمييز العنصري البنيوي تجاه الفلسطينيين في الداخل. تقرير جديد صادر عن مركز "حملة - المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي"، تحت عنوان "الفجوة الرقمية: تمييز قطاع الاتصالات الإسرائيلي ضد المواطنين الفلسطينيين"، كشف بالأرقام والخرائط والسياسات كيف أن دولة تدّعي الديمقراطية تحجب عن خمس سكانها حقوقاً رقمية أساسية، في ظل نظام يُطبّق فيه القانون على نحو انتقائي، ويمنح الأفضلية للهوية على حساب المواطنة.

البنية التحتية: أين تبدأ الشبكة وأين تنقطع؟

يشير التقرير إلى أن المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية، والتي تُعدّ بموجب القانون الدولي غير شرعية، تحظى ببنى تحتية متطورة للألياف البصرية والاتصال السريع، بينما تُحرم بلدات وقرى عربية داخل إسرائيل من أدنى مستويات الخدمة.
لنأخذ الناصرة مثالاً. المدينة التي تُعدّ الكبرى فلسطينياً في الداخل، والتي تمثل مركزاً إدارياً وثقافياً واقتصادياً، لا تزال مهمشة رقمياً مقارنةً بجارتها نوف هجليل (نتسيرت عيليت سابقاً)، رغم أن المدينتين تفصل بينهما بضعة أمتار فقط. الخريطة الرقمية التي يرسمها التقرير تُظهر بوضوح: في نوف هجليل، الألياف البصرية متوفرة، في الناصرة، لا أثر لها.
أما المأساة الرقمية الكبرى فتقع في صحراء النقب، حيث يعيش أكثر من 120 ألف فلسطيني بدوي في قرى غير معترف بها من قبل الدولة. هؤلاء السكان، بحسب التقرير، محرومون من المياه، الكهرباء، وشبكة الإنترنت. تعيش هذه القرى على الهامش، لا تشملها خطط "الشموليّة" التي تتفاخر بها الحكومة الإسرائيلية، رغم أنها تزعم تقديم خدمات متساوية لكل مواطنيها.
وبينما تعجز السلطات عن توفير الحد الأدنى من البنية التحتية، تقمع محاولات السكان لسد الفجوة بأنفسهم. مزودو خدمات إنترنت بديلون - غير مرخصين - ينشطون في هذه القرى لتلبية الحاجة الماسة، لكنهم يواجهون خطر الملاحقة. لا بدائل قانونية، ولا استعداد رسمياً للتعامل مع أزمة المالية. المشهد أقرب إلى الحصار الرقمي.

الهواتف المحمولة: الشبكة تُميز أيضاً

ليست خطوط الإنترنت الثابتة وحدها من تعكس التمييز، بل تمتد الفجوة أيضاً إلى الاتصالات الخلوية. في دراسات حالة قارن التقرير فيها بين بلدات يهودية وفلسطينية، يتبين أن الفارق في جودة وسرعة الاتصال بين ناحيتي شارع واحد، كما في الناصرة ونوف هجليل، قد يصل إلى غياب الجيل الخامس في الأولى وانتشاره في الثانية.
تُشير المعطيات إلى أن 42% من بدو النقب يعتمدون على الإنترنت عبر الهواتف المحمولة كمصدر أساسي للاتصال، لكن تغطيتهم مقتصرة على شبكات الجيل الثالث في كثير من الأحيان، في مقابل شبكة جيل خامس في المستوطنات. المفارقة أن وزير المالية الإسرائيلي نفسه أعرب عن قلقه إزاء ضعف التغطية الخلوية قرب مستوطنات الضفة الغربية، دون أن يذكر شيئاً عن سكان النقَب المواطنين في بلاده.
يطرح التقرير مقارنة أخرى بين مدينة الناصرة والمستوطنة الإسرائيلية أريئيل في الضفة الغربية. الأخيرة، رغم أنها قائمة على أرض محتلة، تحظى بخدمة الألياف البصرية من شركتين مختلفتين، وبمستوى عالٍ من المنافسة والجودة. في المقابل، الناصرة، التي تُصنَّف ضمن "مناطق الحوافز" الحكوميّة، لا تزال غير موصولة بشكل كافٍ، بل أُقصيت من قوائم المدن التي شملتها مناقصات البنية التحتية الأخيرة، والتي شملت من جديد نوف هجليل.
تعمل شركتا "هوت" و"بيزك" مزودتين أساسيتين لخدمات الإنترنت في إسرائيل، وتحتكران البنية التحتية. ورغم ما تزعمانه من التزام بمبدأ الشموليّة، تظهر البيانات أن النسبة الكبرى من المناطق غير الموصولة بالبنية التحتية السلكية تعود لسكان فلسطينيين، بل إن 66% من مليون شخص غير موصولين بشبكة "هوت" هم من العرب في إسرائيل.
ويُظهر التقرير أن الاحتكار يؤدي إلى رفع الأسعار وتدني الجودة، خصوصاً في المناطق التي لا تتوفر فيها منافسة. يدفع الفلسطينيون أكثر، ويُمنحون أقل. شبكة واحدة، خدمة بوجهين.

الأمان الرقمي: رفاهية غير متاحة

الفجوة الرقمية لا تتعلق فقط بالسرعة والتغطية، بل أيضاً بالأمان الشخصي. تظهر صور التُقطت في بلدات فلسطينية كيف أن كابلات الاتصالات مُهملة، مكشوفة، وخطرة على المارّة، خصوصاً الأطفال. هي بنية تحتية متهالكة، ليست مجرد علامة على التمييز، بل تهديد مباشر للحياة.

التقرير لا يفصل بين البنية التحتية والسياسات الرسمية. فإسرائيل، بحسب التقرير، تُعامل المواطنين الفلسطينيين كمصدر خطر أمني، لا كشركاء في المواطنة. تستثمر في مستوطنات الضفة الغربية وتُقصي بلدات عربية داخل حدودها الرسمية، بما فيها مناطق حساسة ثقافياً واقتصادياً.
وإن كانت الحكومة تعزو ذلك إلى الاقتصاد أو الجغرافيا، فإن دراسات الحالة تنقض هذا الزعم. الناصرة أكثر سكاناً من نوف هجليل، وتقع في نفس المنطقة، لكنها بلا ألياف بصرية. البدوي في النقب بلا شبكة، بينما تصل الكابلات حتى الخليل في الضفة الغربية.
يطالب التقرير في نهايته بتحركات مدنية ودولية لوضع حد لهذا التمييز الرقمي. يدعو المجتمع المدني إلى توثيق الانتهاكات، وتقديم بدائل مجتمعية، ومقاضاة الشركات المحتكرة. ويحثّ صناع القرار الدوليين على مساءلة إسرائيل، والضغط للاعتراف بالإنترنت كحقّ أساسي لا يُمكن مصادرته على أساس العرق أو الجغرافيا.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows