عرب ضدّ عرب
Arab
1 day ago
share
في اليمن، اهتزّ التحالف السعودي - الإماراتي المعادي للحوثيين. فالمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، انقلب على اتفاق الرياض القائم منذ ستة أعوام بين البلدَيْن، والقاضي بإقامة حكومة موحّدة معترف بها دولياً. فاستولت قوات "الانتقالي" على منطقة جنوب شرقي اليمن، وتضمّ حضرموت والمهرة، وسيطرت على المنشآت النفطية وبلغت حدود عُمان. وقد يكون توقيت هذا الهجوم عائداً إلى سيطرة التحالف القبلي لحضرموت، المدعوم من السعودية، على إحدى المنشآت النفطية الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني)، وما أعلنه عن هدفه من ذلك، وهو الحصول على حصّة أكبر من عائدات تلك المنشآت و"تحسين الخدمات" المقدّمة لأهلها. والأرجح أن هذه التحرّكات ليست سوى رأس جبل جليد لتنافس سعودي-إماراتي في القسم غير الحوثي من اليمن، وتعثّرات تطبيق اتفاق الرياض منذ توقيع أولى أحرفه. ولا يبدو أن السعودية منخرطة في أيّ نوع من أنواع الردود على الهجوم المدعوم إماراتياً. لكن "الستاتيكو" الحالي يُنذر بتحوّل اليمن إلى ثلاث مناطق نفوذ مضطربة: اليمن الحوثي (الإيراني)، واليمن السعودي، واليمن الإماراتي. أزمة الإقليم ليست فقط صراع نفوذ بين دول، بل نتيجة مباشرة لغياب الدولة القادرة على الاحتكار والتمثيل وضبط الحدود والموارد في السودان، التنافس السعودي - الإماراتي قديم، عمره 15 عاماً. للدولتَيْن تطلّعات ومصالح استراتيجية فيه: موقعه الجغرافي على شواطئ البحر الأحمر ونحو خليج عدن، وموارده الطبيعية (ذهب وأراضٍ زراعية)، وغيرها من الفوائد الأمنية واللوجستية. في ظلّ حكم عمر البشير، كانت مشاريع الدولتَيْن سلمية اقتصادية تُعنى بالبنى التحتية، لكنّ الأمر تبدّل منذ ستة أعوام، بعد سقوط البشير، وحلّ التنافس بين السعودية الداعمة للجيش السوداني التقليدي بقيادة عبد الفتّاح البرهان، وبين الإمارات الداعمة لقوات الدعم السريع، المنشقّة عن هذا الجيش، بقيادة محمّد حمدان دقلو (حميدتي). وكما اليمن، أصبح لدينا ثلاثة "سودانات": الأول جنوب السودان المنفصل عن السودان الأمّ عام 2011، الغارق في الفقر والمتمتّع بسلام نسبي. ثم "سودانان" عسكريان يتقاتلان في مناطق شمالية وغربية، ومدن وضواحٍ متنقلة متغيّرة وغارقة بالدماء والجوع والتهجير. في ليبيا، تدعم الإمارات والسعودية المشير خليفة حفتر، قائد ليبيا الشرقية، ولكن مع أولويات مختلفة وتكتيك مختلف. وربّما لا يتقاتلان علناً لأن "اللاعبين" في ليبيا كُثر، ومن "الكبار": تركيا التي ترسل مرتزقتها ودروناتها إلى الغرب الليبي، وقطر الداعمة حكومة الوفاق الوطني في الغرب الليبي أيضاً، وروسيا ومرتزقتها لشرقه، وكذلك مصر المهجوسة بأمن حدودها الغربية، وفرنسا وإيطاليا المختلفتان بين شرقها وغربها. لكن يبقى أن التنافس الإماراتي - السعودي في ليبيا يقتصر على الاقتصاد لا على السياسة أو العسكرة. الآن، ما الذي يجمع بين هذه الدول الثلاث؟ أو بالأحرى: ما الذي يجمع بين دوافع التدخّلات الخارجية السافرة، وأحياناً المسلّحة، في أمور الدول الأخرى "الوطنية" أو "القُطرية"؟ والجواب: أن هذه الدول الثلاث خسرت حكّامها الرسميين. جميعهم سقطوا بالعنف الشعبي، بتظاهرات احتجاجية تطالب برحيلهم. القذّافي الليبي سقط عام 2011، وعلي عبد الله صالح سقط في العام نفسه، وعمر البشير لحقهما بعد ثمانية أعوام. الزعيم الأول، الليبي، قُتل بأبشع الطرق على يد مقاتلين من مصراتة تابعين للمجلس الانتقالي الوطني. والثاني، اليمني، قُتل بعد ستة أعوام على سقوطه على يد الحوثيين. فيما الثالث، السوداني، مُحتجَز في مستشفى عسكري غرب الخرطوم تحت حراسة الجيش، وليس هناك بوادر لإخراجه منه أو من البلاد. فراغ السلطة، فراغ الزعامة، فراغ الدولة؛ أي عدم احتكار العنف من جهة واحدة، وانفلات الرقابة على الحدود، وانفلات الرقابة على الإدارات والضرائب، وغياب تمثيل سياسي مقنع بالقوة أو بغيرها... سمِّه ما شئت في هذه الحالة، هو مُولِّد للمليشيات المسلّحة والسلطات الموازية واقتصاد الحرب والتدخّل الخارجي، وهو المُولِّد الطبيعي لتنافس الجيران والبعيدين على التدخّل فيها. بل كلّما اشتد هذا الفراغ اشتدّت المنافسة، وكانت أقلَّ كلفةً ممّا لو حصلت المنافسة في ظلّ دولة حاكمة ذات سلطة وقوانين: أقلُّ كلفةً وأقلُّ خطراً وقابلة للانقلاب على نفسها. أمّا عندما نكون بصدد دولة مركزية، أو ما يشبهها من سلطة ثابتة، تكون هذه الدولة هي التي تفرض قوانين اللعبة: تحدّ من التدخّل أو تقنّنه، تؤطّره، وتسيطر على الأجهزة الأمنية والعسكرية، أي تحتكر السلاح وتكون هي المرجع. فتكون المنافسة للسيطرة عليها أكثر "سلمية". وأكثر من ينطبق عليه هذا الكلام هما مصر والمغرب، حيث لا يمرّ تدخّل خارجي مُعلَن إلا من طريق "الدولة"، أو أجهزتها الأمنية والعسكرية، أو مؤسّساتها الاقتصادية. حسناً، ماذا عن دولة مفلسة وعاجزة مثل الدولة اللبنانية، التي لم تشهد ما تشهده الدول المذكورة أعلاه بصفتها فاقدةً لدولتها ومؤسّساتها، مثل اليمن أو السودان أو ليبيا؟ ألا يعاني لبنان من ضعف دولته؟ ما الذي يمنع الإمارات والسعودية، أو غيرهما من الدول، من التنافس علناً بالسلاح والمال من أجل السيطرة عليه؟ الحاجة الملحّة هي دولة سيّدة بقوانين ومؤسسات، وديمقراطية تمنع تحوّل سقوط السلطة إلى دماء، وإطار جامع يمنع تفصيل التدخلات الخارجية على قياس الانقسامات الصغيرة الجواب: إن في لبنان، قبل الحرب أخيراً، كانت ثمّة دويلة أقوى من الدولة: أغنى منها، أكثر حيوية، أكثر نظاماً وتسليحاً، وأكثر وفاءً بوعودها لجمهورها؛ دويلة مدعومة بإصرار وسخاء من دولة إقليمية كبرى. دويلة تلعب أدواراً إقليمية على غرار الدول التي نتحدّث عنها آنفاً، وتتدخّل في سورية دعماً لبشّار الأسد أكثر ممّا تفعل دولة الإمارات في اليمن أو السودان. وتنشئ معسكرات التدريب، والحسينيّات، والمصارف، والأحياء السكنية. وإضعاف هذه الدويلة كان يحتاج إلى قوةً إقليميةً أقوى من الجميع، أي إسرائيل. ومع ذلك، ما زالت الدويلة "صامدةً"، تعيد بناء قدراتها، وتمنح إسرائيل الحجّة الكافية لإنهاء مهمتها؛ أي القضاء عليها. لبنان حالة "هجينة". يملك أشكال الدولة: برلماناً وانتخابات ورؤساء... ولكن، حتى الآن، يتحكّم بمصيره، بحربه وسلمه ووجهته، دويلة تغلق الباب على منافسين محتملين، أو راغبين في المنافسة في ملعبه. حتى الآن، نقول؛ فما ينتظره في الأيام المقبلة لا يعرفه إلا المنجمون. الخلاصة السريعة: بلدان منطقتنا بحاجة إلى دولة حقيقية، سيّدة، حامية، ذات قوانين ومؤسّسات. وإن هذه الدولة بحاجة إلى الديمقراطية، لكي لا يتحوّل سقوطها كلّ مرّة إلى برك من الدماء، والتسلط الخارجي المُفصَّل في قياس الكراهيات الوطنية الصغيرة. وبحاجة إلى العروبة، لكي لا تتحوّل وحدة التاريخ واللسان إلى ورقة بالية مرمية في الأدراج العتيقة، أو إلى وسام شرف فارغ من معناه... بحسب الحاجة البراغماتية إليها.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows