كانت عقوباتٍ ظالمة
Arab
3 days ago
share
أمّا أن تُقاطع دولةً دولةً أخرى، لأسبابٍ تخصّها، فتُقرّر ضدّها إجراءاتٍ عقابية، من قبيل وقف (أو تعليق) توريدٍ وتصدير، أو تعطيل بيعٍ وشراء، فهذا من حقوقٍ سياديةٍ للدول، وإنْ لا يبدو هذا، في حالاتٍ مخصوصة، مُستحسناً. أما أن تبرّر حكوماتٌ، بقوانين وتشريعاتٍ، ما تعتبرها عقوباتٍ على هذا النظام وذاك، منع تحويلاتٍ ماليةٍ ووقف توريد ما تحتاجه البلاد من حاجياتٍ لها ضرورتُها، وغير ذلكما من قرارات، فقد ثبت قطعاً، وبالشواهد، أن هذا كله، وبالمبرّرات المعزّزة بقوانين صودق عليها في برلماناتٍ، بل سنّها مجلس الأمن أحيانا، لم يؤثّر إلى درجة محرجةٍ على تماسك أي نظام حكمٍ معاقَب، ولا هزّه في شيء، وإنْ جعله، في حالاتٍ، يواجه صعوباتٍ غير قليلةٍ في غير شأن، وهو تحت طائلة عقوباتٍ اقتصادية. وفي النموذجيْن العراقي والليبي ما يشهد على صحّة هذا القول (أو الزعم؟)، فقسوة العقوبات الباهظة، والتي كان منها منع توريد قطع غيارٍ لصيانة طائرات، على العراق أكثر من عقد، ليست هي التي أنهت نظام صدّام حسين الذي أمكن له التعايش مع ما فُرض على بلاده من عقوباتٍ لا تزيّد في وصف كثير منها بأنها كانت جائرة. كما أن الحصار القاسي والحظر الواسع لصادراتٍ ووارداتٍ، واللذين فُرضا على ليبيا، إبّان كانت "جماهيرية عظمى"، جزاء ما اقترفه نظام معمّر القذافي من حماقاتٍ في غير بلد، لم تُسقط حكم هذا الرجل، ولم تخلّص الليبيين منه، وهم الذين تأذّوا بأبلغ الأضرار من تلك العقوبات الشنيعة التي أحكمت على بلدهم، وعلى حركتهم واقتصاد دولتهم.  ينسحب الحال على ما ظلّ يُرتكب منذ 1979 على سورية من عقوباتٍ بادرت إليها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على الرغم من صلات التواصل الدبلوماسي والسياسي (والاستخباري على ما يجب أن لا ننسى) ظلّت بإيقاعٍ طيّبٍ مع نظام الأسد، الأب وابنه، فقد استُقبل رئيسٌ للولايات المتحدة (بيل كلينتون) ووزراء ومسؤولون أميركيون بلا عدد في قصر المهاجرين. وليس المقام هنا للحديث عن وجاهة القول إن النظام المتحدّث عنه كان يستحقَ العقاب والحصار، بأي كيفيّات، ولكن هذا لم يتحقّق، ولم تفعل شيئاً فيه العقوبات التي تقرّرت بموجب "قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين". وكان في وسع العقل الأميركي أن يُبدع صيغةً عقابيةً وجزائيةً ضد نظام الأسد جرّاء ارتكابه الجرائم شديدة الفظاعة في سجونه، وكشفها المصوّر العسكري، فريد الذهان (قيصر)، والذي يبقى صنيعُه جهداً بالغ القيمة، يستحقّ عليه كل ثناء وإعجاب وتقدير. كان في الوسع أن تكون العقوبات التي بُنيت على ذلك الكشف من غير اللون الذي تشدّد في تأثيراته على السوريين في بلدهم. ...  أثبت هذا كلُّه، في سورية وغيرها، البديهيّة التي لا يحسُن أن تُنسى، أن لا نظام سياسيّاً في العالم آذته عقوباتٌ من أي نوعٍ فُرضت عليه (على بلاده وشعبه الأصح)، بل العكس، وحدَها الشعوب التي عوقبت، وتنغّصت أمورُها، وتضرّرت في التعليم والطبابة والتنقّل وعموم شؤون الحياة. كما أن مجرمين ومسؤولين لصوصاً ونهّابين وتجّار حروب أفادوا من هذه العقوبات، في سورية، كما في غير بلد. وليس نعتاً خشبيّ اللغة أن تُرمى سياسة العقوبات التي تحترفها الولايات المتحدة (وغيرها عبر مجلس الأمن أو من دونه) بأنها إمبريالية، ولا تتوفّر على أي عدالةٍ من أي نوع. وذلك من دون التذكير بأن التعامي، المُعلن والصفيق، عن جرائم إسرائيل وفظاعاتها، من دون أي حسابٍ أو أي عقوبة، بل ومكافأتها الدائمة بالتسليح والعوْن المالي، شاهدان على الكيل بأكثر من مكيال.  فرحُ السوريين برفع العقوبات عنهم مستحقّ، بوصفه إنجازاً كبيراً، وإنْ مع بقاء سورية تحت مجهر المراقبة في غير شأن، ما قد يسوّغ القول إن القرار الأميركي، الذي سار في مجراه القانوني المعقّد، يكاد يوصَف بأنه مشروط. على أننا عندما نطالع هذه الشروط نرى بعضَها استحقاقاتٍ داخليةً مؤكّدة، لا حاجة لنسبتها إلى إدارة أميركية أو غيرها.  "تِنذكر وما تنعاد" تلك العقوبات التي أتعبت السوريين كثيراً. والرهان المرتقب على تدشين ما بعد زوالها، من بناءٍ وعمرانٍ وتقدّم، ومن تحديثٍ وتمدينٍ سياسيين من قبلُ ومن بعد.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows