Arab
يحق لي الغضب. ... هذا ما ظللت أكرّره بعصبيةٍ وأنا أقود سيارتي في شوارع عمّان الحزينة فور إعلان نتيجة المباراة النهائية لبطولة كأس العرب بين الأردن والمغرب، وهي المباراة الأكثر إثارةً وتشويقاً، وإرهاقاً للأعصاب، وتلاعباً بالمشاعر، على مدى مباريات بطولة كأس العرب مجتمعة. ليس كرهاً للمغرب وأهله الطيبين لا سمح الله! فالمعروف تاريخيّاً أن معظم الأردنيين من مشجّعي منتخب المغرب في مواجهاته الدولية، إذ كانت عمّان، والمدن الأردنية كافّة، تحتفل حين يفوزون، غير أنّ غضب الجماهير الأردنية ليلة انكسار الفرح في عمّان يظلّ مشروعاً ومبرّراً لأسباب فنّية كثيرة متعلّقة بالمباراة، إضافةً إلى تعنّت الحكم وعدم موضوعيّته، كي لا نقول انحيازه الجلي، وقد تصدّى لإيضاح ذلك في استوديوهات التحليل الرياضي متخصّصون حياديون أجمعوا على تعرّض مُنتخَب الأردن لظلم كبير، بعد أن كادت اللقمة تصل إلى الفم. ولا يمكن في أيّ حال إنكار إنجاز المُنتخَب الأردني الباهر الذي تألّق وأبدع وبرع، وقد أرهق الخصم الصعب، وقد أثبت الأردنيون جدارةً واستحقاقاً وندّيةً، بل تفوّقاً في كثير من مفاصل المباراة.
وسيطول الحديث في المحافل الرياضية عن منتخب النشامى الأبطال وإنجازهم الكبير، ليس على مستوى اللعب الاحترافي البديع فحسب، بل على صعيد الحضور الإنساني والأخلاق الرياضية الرفيعة، والمحبّة والتضامن والأخوّة بين أفراد الفريق، والاحترام والحبّ الكبيرَيْن بين الفريق ومدرّبه، الإنسان الجميل النبيل جمال السلامي، الذي لم يتمالك دموعه حزناً عند إصابة اللاعب الأكثر شعبية يزن النعيمات، وعن حالة التناغم المذهلة بين الفريق والجماهير الأردنية التي بلغت درجة تنظيمها أقصاها؛ فاكتظّتْ الملاعب والشوارع والمقاهي والأندية بحضورهم وأهازيجهم وهتافاتهم المُبتكَرة. اتّحدت تلك الجماهير العاشقة في لحظتَي حبٍّ وزهوٍ، ولفتت الأنظار بخفّة الظلّ والخلق الحسن والسلوك المُهذَّب الأنيق حبّاً ومؤازرةً وفرحاً بإنجازات فريقها الذي بثّ الأمل في النفوس في المباريات التي خاضها بعزم وبسالة وبأس شديد.
في تلك الليلة الحزينة، ساد الصمت في الشوارع، عبّرت الملامح في وجوه السائقين والسائقات عن حزن وغضب جمعيَّين، وقد أُلغيت المسافات في لحظة توحّدت فيها المشاعر بين المواطنين، فأخذوا يتبادلون عبارات المواساة والإشادة بأداء المُنتخَب المُشرِّف. عند الإشارة الضوئية، ورغم البرد الشديد، فتح شاب عشريني نافذة سيارته المجاورة لسيارتي، والمُزيَّنة بالعلم الأردني والشماغ الأحمر، وقال لي بانفعال: "ما تزعلي خالتو، النشامى بدّعوا، وبذلوا جهد كبير وما قصّروا، لكن هيك الكرة، مرّات بتكون غدّارة، والحكم اللي لغى الهدف الله لا يسامحه". ابتسمتُ رغم حزني وغصّتي، وأيقنتُ أن هناك مساحةً للأمل رغم كل شيء في هذا الجيل الواعي المنتمي المثقّف، المُحبِّ لوطنه، المعتز بنفسه من دون كبر وانغلاق وتعصّب أحمق، ما يؤكّد دور الرياضة عموماً، وكرة القدم خصوصاً، في تهذيب النفوس، والنهوض بالأجيال الصاعدة، والأخذ بأيديهم إلى الاهتمام بفعّالياتٍ ونشاطاتٍ رياضيةٍ إيجابيةٍ من شأنها أن ترتقي بهم وتقيهم شرّ الانحدار إلى مسالك التفاهة والانحراف والضياع في زمن صعب غير رحيم.
قدّم لاعبو المُنتخَب نماذجَ تصلح مُثلاً عليا لشباب هم غاية في التهذيب والأخلاق، نماذج مشرقة تتحلّى بالشجاعة والتواضع والمثابرة، والطموح إلى أبعد الحدود، والقدرة على التخطيط الذكي وعلى رسم الأهداف لمستقبلها، ساعيةً بعزم وإصرار على تذليل الصعوبات ومواجهة التحدّيات وبلوغ أهدافها مهما بلغت صعوبتها، والمضي رغم الإخفاقات في الإنجاز وتحقيق النجاح واستحقاق الحبّ والاحترام. تحية حبٍّ وتقدير لهم جميعاً، وقد تبنّى الأردنيون مقولة: "لم ترفعوا الكأس، لكنّكم رفعتم الرأس"، وكل الحبّ والامتنان لقطر التي أتاحت هذا الفضاء الوحدوي فسيحاً أمام أحلام الشباب بغد عربي أكثر جمالاً وإشراقاً.
