ملاحقات قضائية وتحديات هيكلية تلاحق العملية الانتخابية في مصر
Arab
5 days ago
share
تواجه العملية الانتخابية البرلمانية في مصر موجة متصاعدة من الجدل القانوني والسياسي، عقب سلسلة من الإحالات القضائية التي طاولت مرشحين ووجوهاً بارزة، بالتزامن مع انتقادات حادة وجهتها منظمات حقوقية لما تصفه بـ"الهيمنة التنفيذية" على مفاصل الاقتراع. في قلب هذه الأزمة، برزت قضية القيادي السياسي، النائب السابق طلعت خليل، الذي يواجه جلسة قضائية مرتقبة في 28 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، على خلفية اتهامه بالإساءة إلى اللجنة المشرفة على الانتخابات في مدينة السويس، شرقي البلاد. وتعود جذور القضية إلى أحداث شهدتها العملية الانتخابية في مصر حين كشف خليل في وقت سابق عن تعرضه للاحتجاز الأمني، برفقة شقيقته داخل أحد مراكز الشباب من دون سند قانوني، على خلفية مشادة مع المستشار المشرف على اللجنة الانتخابية بدائرة السويس. ولفت خليل في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن الواقعة بدأت عندما اعترضت شقيقته، بصفتها وكيلة له، على ما وصفته بتعطيل متعمد لعملية التصويت، ليتطور الأمر إلى سحب التوكيلات والتحفظ عليهما أمنياً قبل العرض على النيابة. استمرار الملاحقات القضائية في مصر التصعيد تجاه خليل، دفع لجنة الدفاع عن سجناء الرأي إلى إصدار بيان شديد اللهجة، أعربت فيه عن قلقها البالغ من استمرار الملاحقات القضائية بعد انتهاء العملية الانتخابية، معتبرة أن استخدام الأدوات القانونية في هذا السياق يوحي بتصفية حسابات سياسية مع المعارضين والنشطاء. وشدّدت اللجنة على أن الحق في الرقابة على الانتخابات حق دستوري أصيل، محذّرة من أن استمرار ملاحقة خليل ورفاقه يُعَدّ انتهاكاً لمبدأ سيادة القانون وضمانات المحاكمة العادلة. كذلك ذكّرت السلطات المصرية بالتزاماتها الدولية بحماية حرية الرأي والتعبير والأمان الشخصي للمشاركين في العمل السياسي. ولم يكن خليل الصوت الوحيد الذي اصطدم بالمنظومة القضائية المشرفة على الانتخابات، فقد أعلنت المرشحة لميس عبد العليم خطاب استدعاءها رسمياً للمثول أمام نيابة الظاهر في القاهرة، بتهمة إهانة رئيس لجنة انتخابية. خطاب، التي نفت الاتهامات جملة وتفصيلاً، أكدت أن ما جرى لم يتعدَّ كونه طلباً رسمياً ومشروعاً لتوثيق مخالفات انتخابية رصدتها داخل اللجنة.  طلعت خليل: الواقعة حصلت عندما اعترضت شقيقتي على التعطيل المتعمد لعملية التصويت وأكدت خطاب استدعاءها رسمياً للمثول أمام نيابة الظاهر، اليوم الأحد، للتحقيق معها على ذمة اتهام منسوب إليها بإهانة رئيس لجنة انتخابية في مدرسة "المستقبل المتميزة بمنطقة الظاهر"، بالتزامن مع أول يوم من أيام التصويت في الانتخابات البرلمانية التي جرت في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وذكرت خطاب في رسالة وجهتها عبر منصة فيسبوك، أنها فوجئت بإخطار رسمي من النيابة العامة يفيد باستدعائها بكونها متهمة على خلفية واقعة تؤكد أنها لم تحدث من الأساس، نافية بشكل قاطع توجيه أي إهانة أو تجاوز لفظي بحق رئيس اللجنة أو أي من القائمين على العملية الانتخابية. وأكدت المرشحة البرلمانية أن الواقعة التي يجري التحقيق بشأنها، شهدت حضور عدد كبير من الشهود من الناخبين والمتابعين للعملية الانتخابية، مشددة على أن كل ما قامت به اقتصر على طلب رسمي ومشروع لتوثيق ما وصفته بـ"مخالفات انتخابية واضحة"، رصدتها داخل اللجنة في أثناء سير عملية التصويت. وأوضحت خطاب أن تحركها جاء في إطار ممارسة حقها القانوني والسياسي باعتبارها مرشحة، وحرصها على نزاهة العملية الانتخابية، مشيرة إلى أنها لم تدخل في أي مشادات أو إساءات، ولم تتجاوز حدود اللياقة أو القانون، بل سلكت المسار الرسمي المعتمد. وأضافت خطاب أنها لم تكتفِ بالتنبيه الشفهي أو الاعتراض داخل اللجنة، بل تقدمت أيضاً بتظلم رسمي إلى الهيئة الوطنية للانتخابات، أدرجت فيه جميع الملاحظات والمخالفات التي رصدتها خلال يوم الاقتراع، مطالبة بالتحقيق فيها واتخاذ ما يلزم قانوناً حيالها. واعتبرت خطاب، في تصريحاتها أن تحويل "المُبلغ عن المخالفة" إلى "متهم"، يضع علامات استفهام كبرى حول حرية العمل السياسي، مشيرة إلى أنها اعتمدت السبل القانونية بتقديم تظلم للهيئة الوطنية للانتخابات، ما يعكس التزامها بمؤسسات الدولة، لا الرغبة في التجاوز. هذه الوقائع الفردية تأتي في سياق أوسع من الاضطرابات التي شابت الجولتين، الأولى والثانية من الانتخابات في مصر أخيراً، والتي امتدت من السابع من نوفمبر الماضي وحتى الـ25 منه. وعلى الرغم من دعوات القيادة السياسية للتصدي لظاهرة "المال السياسي"، إلا أن السويس ودوائر أخرى شهدت شكاوى متكررة من عمليات نقل جماعي وشراء أصوات واستغلال لحاجة المواطنين. وقد بلغت هذه التجاوزات حداً دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مطالبة الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر بمراجعة مخالفات المرحلة الأولى، وهو ما أفضى بالفعل إلى قرار غير مسبوق بإلغاء نتائج 19 دائرة انتخابية في سبع محافظات، منها الجيزة والإسكندرية والبحيرة وقنا، نتيجة عوار شاب عمليات الفرز والنتائج المعلنة. وعلى الصعيد الهيكلي، رصدت "الجبهة المصرية لحقوق الإنسان" تحولاً جذرياً في فلسفة الإدارة الانتخابية بمصر.  في تقرير بعنوان "الهيئة الوطنية للانتخابات: هيمنة تنفيذية وإشراف قضائي رمزي"، صدر في 19 ديسمبر الحالي، أشارت الجبهة إلى أن مصر تقف عند منعطف تاريخي مع انتهاء "الإشراف القضائي التقليدي" (قاضٍ لكل صندوق) في يناير/ كانون الثاني 2024، وتولّي كادر إداري تابع للهيئة الوطنية للانتخابات مكانه. وحذّرت الورقة من أن هذا التحول ليس مجرد إجراء فني، بل هو إعادة صياغة للعلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، إذ تخشى القوى المدنية من فقدان "الضمانة التاريخية" التي وفرها القضاء في انتخابات 2000 و2005، والتي سمحت بتمثيل حقيقي للمعارضة آنذاك. ورأت الجبهة أن الاستقلال "الإجرائي" للهيئة الوطنية لا يكفي، ما لم يقترن باستقلال "مؤسسي" فعلي يمنع تدخل الأجهزة الأمنية في المسار الانتخابي. فاز 46 مرشحاً مستقلاً في جولة الإعادة بمحافظات المرحلة الثانية ضمان نزاهة الاستحقاقات المقبلة وخلص التقرير إلى مجموعة من التوصيات الملحة لضمان نزاهة الاستحقاقات المقبلة، أبرزها ضرورة إدخال تعديلات دستورية تضمن انفصال الهيئة إدارياً ومالياً عن الحكومة، وحظر أي تواصل بين الأجهزة الأمنية والمرشحين أو العاملين باللجان، وقصر دور الأمن على التأمين الخارجي فقط. كذلك شددت على ضرورة فتح المجال أمام منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية للرقابة من دون قيود، واختيار الكوادر الإدارية من خارج الجهاز التنفيذي للدولة لضمان الحياد التام بعيداً عن نفوذ الوزارات. في سياق متصل، فاز 46 مرشحاً مستقلاً من أصل 101 مقعد، في جولة الإعادة بمحافظات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب المصري المطعون بنتيجتها، والتي أجريت يومي الأربعاء والخميس الماضيين، في 55 دائرة في 13 محافظة، على أن تعلن الهيئة الوطنية للانتخابات النتائج الرسمية الخميس المقبل. وارتفعت بذلك حصة المستقلين منذ بداية انتخابات مجلس النواب إلى 67 مقعداً من أصل 484 مقعداً حُسمَت، ومن المقرر حسم 84 مقعداً إضافياً وفق النظام الفردي في انتخابات الإعادة في محافظات المرحلة الأولى، وعددها 14 محافظة خلال الأيام القليلة المقبلة. وتجرى الانتخابات بنظام مختلط يجمع بين الفردي والقائمة المغلقة بنسبة 50% لكل نظام، لتشكيل برلمان مكوّن من 596 نائباً، يُنتخب 568 منهم، ويعيّن رئيس الجمهورية 28 نائباً.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows