الإصلاح.. قوة سياسية واجتماعية تخشاها مليشيا الإرهاب الحوثية
Party
1 month ago
share

تندرج حملةُ الاختطافات الممنهجة التي تنفذها مليشيا الحوثي بحقّ أعضاء وقيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح، خلال الفترة الأخيرة، في مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرتها، ضمن استراتيجية مدروسة، إذ يتجاوز الإصلاح بالنسبة للمليشيا كونه مجرّد خصمٍ سياسي، ليصبح قوةً وطنية فاعلة تحافظ على تماسك المجتمع، وترسّخ العلاقة بين الناس والدولة، وتدافع عن النظام الجمهوري في مواجهة المشروع الكهنوتي الضيّق والأيديولوجية الحوثية التي تسعى إلى تفكيك الدولة واستنساخ صيغة حكمٍ تُشبه حكم الأئمة، الذين تُعدّ المليشيا امتداداً لهم.

 

يستعرض هذا التحليل أسباب وأبعاد حملة الاختطافات الحوثية ضدّ حزب التجمع اليمني للإصلاح، مع التركيز على دلالاتها السياسية والأيديولوجية، وانعكاساتها على النسيج الاجتماعي اليمني، ودور الحزب كقوة وطنية في الدفاع عن النظام الجمهوري وتعزيز تماسك المجتمع، وصولاً إلى الآثار التدميرية طويلة المدى على الوحدة الوطنية.

 

الإصلاح كقوة سياسية واجتماعية

 

لطالما شكّل الإصلاح قوة سياسية واجتماعية رئيسية في اليمن، يجسّد التوجه المدني والسياسي القائم على الشرعية والدستور، ويعزز مشاركة المواطنين في الحياة العامة. وبهذا المعنى، يمثل الإصلاح قوة وطنية ضابطة، تربط الناس بالدولة، وتساهم في حماية النظام الجمهوري من الانهيار أمام مشروع الكهنوت الحوثي الإمامي. ولهذا، يرى الحوثيون في الإصلاح تهديداً مباشراً لمشروعهم الكهنوتي، إذ يمثل الحزب قوة مضادة تحبط طموحاتهم في السيطرة الكاملة على الدولة والمجتمع.

ومن هذا المنطلق، إن العداء الحوثي للإصلاح ليس مجرد صراع على السلطة، بل هو صراع أيديولوجي عميق؛ إذ يجسّد الإصلاح مشروع دولة مدنية قانونية، بينما يسعى الحوثيون لإعادة تشكيل الدولة والمجتمع وفق رؤيتهم الدينية والسياسية السلالية، وهذا ما يفسّر الاستهداف المستمر والممنهج لكلّ نشاطٍ يرتبط بالإصلاح، سواء كان سياسياً أو اجتماعياً أو إعلامياً.

 

الإستراتيجية الحوثية ضد الإصلاح

 

لا يُمكن فهم عداء الحوثيين للإصلاح على أنه مجرد صراع سياسي، بل ينطلق من رؤيتهم للحزب على أنه تهديد جوهري لطموحاتهم في الهيمنة المطلقة، مما يُبقي الإصلاح في حالة استهداف دائم. منذ بداية صعودهم، اعتمد الحوثيون نهجاً ممنهجاً، حيث كانت الحملات الأمنية المستمرة أداة رئيسية، فحملات الاختطاف المتكررة لأعضاء الإصلاح وقياداته ليست سوى جزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى إضعاف حضور الإصلاح الاجتماعي والسياسي. من جهة أخرى، يؤدي هذا التضييق إلى إضعاف شبكات العمل المدني والاجتماعي التي يشكل الإصلاح عمودها الأساسي.

 

دلالات سياسية وأيديولوجية

 

تشير البيانات الصادرة عن الإصلاح إلى اختطاف أكثر من مئتي عضو من أعضائه، بينهم أكاديميون وأطباء ومعلمون ووجهاء المجتمع. هذه الأرقام لا تعكس مجرد حملة على قيادات عليا فحسب، بل توضح استراتيجية ممنهجة تهدف إلى استهداف القاعدة الاجتماعية والفكرية للإصلاح، وإضعاف تأثيره على المجتمع المدني. ويعكس هذا النمط من الاستهداف عن إدراك الحوثيين العميق لدور الإصلاح كقوة وطنية متوازنة، قادرة على احتواء المجتمع المدني ودوره البارز في استعادة الدولة.

وتأتي هذه الاختطافات في إطار استراتيجية شاملة للسيطرة على المجتمع، تهدف إلى خلق حالة من الخوف والارتباك، بحيث يُصبح كل أكاديمي أو معلم أو طبيب جزءًا من معركة أوسع بين مشروع الدولة، الذي يمثله الإصلاح، وبين الرؤية الحوثية لإعادة تشكيل اليمن وفق نظرية "الحق الإلهي" التي تستعبد الناس وتصادر حقهم في الحياة والحكم.

 

الأبعاد الحقوقية والإنسانية

 

من الواضح أن ما يقوم به الحوثيون يتجاوز مجرد ممارسات قمعية عابرة، ليصل إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية، تشمل الاختطافات التعسفية، والتعذيب الوحشي، والقتل تحت التعذيب، ونهب الممتلكات الخاصة والعامة.

هذه الممارسات لا تعكس فوضى عابرة، بل تُظهر اعتماد المليشيات الحوثية على الإرهاب المنظم كأداة استراتيجية لإخضاع المجتمع وخلق مناخ دائم من الخوف والرعب، يضمن السيطرة المطلقة على الحياة اليومية للمواطنين.

في هذا السياق، يبرز استمرار الإخفاء القسري لعشرات السياسيين والإعلاميين، مثل الأستاذ محمد قحطان، كدليل واضح على أن الحوثيين لا ينظرون إلى المعارضة على أنها مجرد منافس سياسي، بل كـتهديد وجودي دائم لمشروعهم الكهنوتي.

هذا النهج يعكس فهم المليشيات العميق لدور الرموز الاجتماعية والفكرية في تشكيل الرأي العام وتنظيم المجتمع المدني، وبالتالي يسعون إلى تفريغ المجتمع من أي عناصر فاعلة يمكن أن تقوّض نفوذهم أو تعرقل مشاريعهم الاستبدادية.

تؤكد هذه الانتهاكات أن السياسة الأمنية الحوثية ممنهجة ومستمرة، وأن الاستهداف ليس محصورًا في اللحظة الراهنة بل يمتد عبر سنوات طويلة، مما يعكس استراتيجية ممنهجة لتدمير البنية الاجتماعية والسياسية المدنية، وخلق واقع يكون فيه المجتمع عاجزًا عن مقاومة الهيمنة أو الدفاع عن مؤسسات الدولة المدنية.

 

العداء الإيديولوجي والإقصاء السياسي كأداة إقليمية

 

 

يتجاوز الاستهداف الحوثي للإصلاح حدود السياسة التقليدية إلى صراع أيديولوجي معمق، فالحوثيون يتعاملون مع أي مشروع مدني مستقل باعتباره تهديدًا مباشرًا لرؤيتهم الضيقة، التي تسعى لإعادة هندسة الدولة والمجتمع وفق تصوراتهم الدينية والسياسية العنصرية.

يمتد هذا الصراع إلى بعد إقليمي أوسع، كما يرى الإصلاح، إذ يسعى الحوثيون، وفق استراتيجياتهم، إلى تحويل اليمن إلى ساحة نفوذ مستمرة لصراع إقليمي، مستفيدين من دعم المشروع الإيراني في المنطقة.

وفي هذا الإطار، يصبح الاستهداف المستمر للإصلاح أداة مزدوجة: أولًا لإقصاء أي مشروع مدني وطني، وثانيًا لترسيخ حالة التوتر السياسي والاجتماعي التي تسمح لهم بالحفاظ على نفوذهم وتعزيز سيطرتهم على المجتمع اليمني.

إن استراتيجية المليشيات الحوثية القائمة على الاختطاف والتضييق الممنهج ضد الإصلاح لا تهدد وجود الحزب فحسب، بل تُطلق سلسلة من الآثار التدميرية طويلة المدى على النسيج الاجتماعي والوحدة الوطنية اليمنية.

يمثل استهداف الإصلاح، كونه قوة وطنية عابرة للمناطق والقبائل وتستمد شرعيتها من النظام الجمهوري، استهدافًا مباشرًا لأسس الدولة المدنية التي تُحكم بالنظام والقانون.

في النهاية، يظل الإصلاح محوراً أساسياً لمقاومة الهيمنة الحوثية، ويمثل آخر الحواجز أمام طموحات الجماعة في السيطرة المطلقة على الدولة والمجتمع. وتؤكد حملات الاستهداف المستمر للقيادات والأعضاء، سواء من خلال الاختطاف أو التضييق أو الحملات الإعلامية، على إدراك الحوثيين لخطر الإصلاح على مشروعهم الكهنوتي.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows