Arab
تعكس زيادة حالات الطلاق في المغرب التحديات الاجتماعية والاقتصادية الكبيرة التي يواجهها المجتمع المغربي، وتأثيراتها المباشرة في استقرار العلاقات الزوجية. وتحاول السلطات التصدي لهذه الظاهرة.
تعدّ وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة في المغرب برنامجاً لتأهيل المقبلين على الزواج من أجل تقليص حالات الطلاق، والمساهمة في بناء أسر متماسكة قادرة على مواجهة مختلف التحديات. وكان التقرير السنوي الذي أصدره المجلس الأعلى للسلطة القضائية، العام الماضي، قد كشف عن زيادة كبيرة في حالات الطلاق بالمغرب، التي تجاوزت 400 يومياً منذ عام 2021.
وكشف تقرير المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي نشِر في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عن أن المحاكم المغربية سجلت أكثر من 40.000 قضية طلاق عام 2024، بزيادة 110 حالات يومياً.
ومن أجل تطويق الزيادة المقلقة للطلاق، تراهن وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة على برنامج يتضمن مبادرات عدة، من بينها الدعم الاجتماعي للشبان المقبلين على الزواج، وتسهيل الوصول إلى الخدمات والفرص الاقتصادية من سكن وسواه، إضافة إلى توفير حزم لتأهيل المقبلين على الزواج حضورياً، أو من خلال منصات التكوين الرقمي، بحسب ما جاء في رد مكتوب لوزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، نعيمة بنت يحيى، على سؤال وجهه رئيس الفريق الحركي في مجلس النواب، إدريس السنتيسي، حول الارتفاع المقلق في حالات الطلاق.
وأكدت بنت يحيى أن "ارتفاع حالات الطلاق لم يعد مجرد ظاهرة اجتماعية، بل أصبح مؤشراً مقلقاً لتحوّلات بنيوية تمس عمق الأسرة المغربية، وتهدد دورها بوصفها مؤسسة أولى للتنشئة الاجتماعية والتماسك المجتمعي". واعتبرت أن "ارتفاع حالات الطلاق في المغرب لا يمكن أن يكون منعزلاً عن سياقه العام، بل يجب فهمه باعتباره نتيجة ملموسة لمجموعة تحوّلات بنيوية مست الأسرة المغربية، وهو ما عرفته غالبية المجتمعات المعاصرة".
وأعلنت، استناداً إلى نتائج الإحصاء العام الأخير للسكان والسكن، الانتقال من نموذج أسري مركب، تتوزع داخله الأدوار والمسؤوليات بين أفراد العائلة الكبيرة إلى نموذج محدود، يواجه فيه الزوجان وحدهما تحديات الرعاية والتنشئة، والتوفيق بين متطلبات الحياة المهنية والأسرية، في ظل تقلص التضامن المجتمعي".
وترى أن "هذه التحوّلات، حتى إذا كانت طبيعية في زمن التطور التكنولوجي، وتغيّر منظومات القيّم وتسارع وتيرة الحياة، فهي أفرزت آثاراً سلبية على استقرار الأسرة، خاصة في ظل هشاشة أدوات المواكبة، وضعف منظومة الدعم النفسي والتربوي، وغياب الوساطة الأسرية في مراحل ما قبل الانفصال، أو حتى قبل الزواج".
ومن أجل ضمان نجاح برنامج التأهيل ينتظر أن تطلق وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، خلال الأيام المقبلة، نقاشاً عاماً يهدف إلى بناء تصوّر وطني حول سياسة دعم وتكوين المقبلين على الزواج، في إطار التفاعل مع مخرجات هيئة مراجعة مدونة الأسرة، والتي أوصت باعتماد سياسة عمومية للمقبلين على الزواج، وتفعيل أولويات السياسة الأسرية الاجتماعية التي تبلورت بمشاركة مختلف الفاعلين في مجال الأسرة، وخصصت حيزاً كبيراً لتأهيل المقبلين على الزواج، وأيضاً تنفيذ برامج وقائية وتكوينية للأسر، كبرنامج التربية الوالدية والوساطة الأسرية وغيرها.
وتعلّق مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة غير الحكومية، بشرى عبده، على برنامج تأهيل المقبلين على الزواج، بالقول لـ"العربي الجديد": "لا يمكن أن ينكر أحد أنه مهم جداً، وهو ما طالبنا به لسنوات لتكريس أهمية خلق مراكز للتكوين والتأهيل والتوعية بالحقوق والواجبات داخل الأسرة وقوانين الحماية، وتلك التي تنظم العلاقات الأسرية، وأخرى للتكوين في المجالات النفسية والاقتصادية والاجتماعية".
وتؤكد عبده "ضرورة توفير تكوين يلم بجوانب عدة، ليس فقط في مجال تسيير الأسرة، من أجل تعزيز القدرة على خوض الحياة الزوجية بشكل منسجم ومتماسك يحفظ حقوق كل طرف"، لكنها تستدرك بأنه "لا يمكن القول إن برنامج تأهيل ومواكبة المقبلين على الزواج سيحد أو يوقف أو يقلص الطلاق، لأنه ليست له علاقة مباشرة بتقوية العلاقة بين الطرفين أكثر، بل يحتاج الأمر إلى آلية أخرى من أجل حماية النساء ومحاربة العنف".
وتقول عبده: "إلى جانب البرنامج المهم جداً الذي طرحته الوزارة يتطلب الوضع السائد في المغرب توفير آليات للحماية من العنف، وإيجاد كل المؤسسات آليات واستراتيجيات مناسبة لتربية الجيل المقبل على الزواج، ونبذ العنف، واحترام المرأة، والتربية على القيم الإنسانية والمواطنة، وتقدير المرأة الإنسان والمساواة". وتضيف: "لن توصلنا مراكز التأهيل وحدها إلى أسر منسجمة بقدر تربية المواطن على القيم الإنسانية ونبذ العنف. نحتاج إلى آليات جديدة لمناهضة العنف من جذوره، لأنه يرفع نسب الطلاق، ويجب أن تضطلع مؤسسات التنشئة الاجتماعية من مدرسة وأسرة وإعلام والوزارات المعنية بدورها في بناء أسر متماسكة ومنسجمة".
وفي حديث سابق لـ"العربي الجديد"، قالت رئيسة جمعية "التحدي للمساواة والمواطنة"، بشرى عبده إن "آفة العنف ضد النساء استفحلت خلال السنوات الأخيرة، خاصة العنف الرقمي، والأرقام المرصودة مقلقة. وقد اخترنا تسليط الضوء على مخاطر استمرار هدر الزمن التشريعي والسياسي تجاه مختلف قضايا المرأة، وفي مقدمتها ارتفاع نسب العنف بأشكاله المتعددة، والعنف الرقمي الممارس ضد المرأة والفتيات، وكذلك محدودية التدابير الوقائية والحمائية والزجرية، وضعف نجاح السياسات العمومية الموجهة للمرأة، ومصاعب وعراقيل وصول النساء إلى سبل الإنصاف القضائي والعدالة بشكل عام".
وسبق أن أعلنت وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة عزمها على إطلاق مسار مراجعة لقانون محاربة العنف ضد النساء بالتشاور مع الفاعلين المعنيين لتجاوز الصعوبات التي أظهرها تطبيقه، واتخاذ ما يلزم من متطلبات لوجستية وبشرية ومالية وتنظيمية لتنفيذه، مع الاستعانة بالاجتهاد القضائي الذي يعد مؤسساً للقاعدة القانونية، وأحد أهم مصادر التشريع.
من جهتها، تعتبر رئيسة "شبكة إنجاد ضد عنف النوع" غير الحكومية، نجية تزروت، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "مبادرة وزارة الأسرة والتضامن لإعداد برنامج لتأهيل ومواكبة المقبلين على الزواج، خطوة إيجابية نحو بناء مجتمع أكثر وعياً واستقراراً، باعتبارها ذات أثر بالغ في تعزيز ثقافة الحوار والتفاهم داخل المؤسسة الزوجية". تتابع: "نؤمن بأن تأهيل الشبان المقبلين على الزواج وبناء حياة مشتركة سيحدّ من حالات الطلاق، ويبني أسراً قوية ومتماسكة قادرة على مواجهة تحديات العصر، ونأمل أن يكون البرنامج شاملاً ومتنوعاً، ويتكيّف مع التحوّلات الاجتماعية والثقافية التي يعرفها المجتمع المغربي. نرحب بهذه المبادرة، ونعتبرها خطوة ضرورية لأن المغرب في حاجة ماسة إليها نظراً لما نلاحظه من ارتفاع في نسب الطلاق، وتزايد التحديات النفسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها الأسر الشابة".
وترى أن "الإعداد الجيد للحياة الزوجية لا يجب أن يقتصر فقط على الجوانب القانونية أو المادية، بل يجب أن يشمل تكوين مهارات التواصل، وإدارة الخلافات، والتربية المشتركة، وتقاسم المسؤوليات. ونطالب بأن يكون هذا البرنامج شاملاً، ويأخذ في الاعتبار تنوّع الفئات الاجتماعية، واختلاف المرجعيات الثقافية بين الأزواج".
من جهة أخرى، تؤكد تزروت "أهمية إدماج جمعيات المجتمع المدني، خاصة النسائية والحقوقية، في بلورة هذا البرنامج، لضمان مقاربة تشاركية، تستجيب فعلاً لاحتياجات المقبلين على الزواج، وتؤسس لثقافة أسرية قائمة على المساواة والتفاهم والاحترام المتبادل، إضافة إلى إدراج مقاربة النوع والمساواة في محاور التكوين، لتفادي تكريس الأدوار النمطية داخل الأسرة، وتعزيز قيم الشراكة". كما تشدد على "أهمية تكوين متخصصين نفسيين واجتماعيين وخبراء في العلاقات الزوجية لتأطير الدورات بكفاءة ومهنية، وإدماج التربية الجنسية والصحية في هذا التكوين، استناداً إلى مقاربة حقوقية تراعي القيم المجتمعية، وتحمي الأزواج من المخاطر المستقبلية. إلى جانب ضمان استمرارية المواكبة بعد الزواج، من خلال خدمات استشارية مجانية، أو مدعومة، لتعزيز استقرار العلاقة الزوجية".

Related News
ترامب: زيلينسكي ليس لديه أي شيء حتى أوافق عليه
alaraby ALjadeed
10 minutes ago