أمركة أم كلثوم وسعودة التاريخ
Arab
1 week ago
share
ثارت ثائرة الجمهور على وسائل التواصل الاجتماعي فور انتشار البرومو والبوستر الدعائيين لفيلم الست (من إخراج مروان حامد وكتابة أحمد مراد)، في هجوم عنيف لا يمكن أن تتبيّن حقيقيّه من مدّعاه، وفي المقابل انبرت حملة مضادّة تدافع عن منى زكي والفيلم وأحمد مراد ومروان حامد، ولا يمكنك هنا أن تتبيّن المبالغة من الواقع. وهذه طبائع الأمور في السينما كما في الحياة.  اقترحت صديقتي كاتبة السيناريو أن نشاهده قبل الحكم، وتناقشنا لبعض الوقت حول منى زكي وتطوّر أدائها، وبين ما سُمّي (قدحًا للصدق) بسينما مروان حامد، ثم أدب أحمد مراد (يشبهان بعضهما كثيرًا، ومن الطبيعي أن يشكّلا معًا هذه الثنائيّة التي تكسّر الدنيا بحساب شباك التذاكر). لننتصر للموضوعيّة إذًا، ولنجتهد لوضع مواقفنا المُسبقة جانبًا، ولنشاهد أولًا، وإن لم أتخلّص بطول وقت الفُرجة من تلك الأسئلة "الناقدة" حول الموضوع والشخصيّة والفترة الزمنية، لكنّ أهمّ ما خرجتُ به هو استمرار محاولتي للبحث عن رابط يجمع المحطّات المهمّة الترنديّة التي تناولها الفيلم؛ إذ بدا كأنّه تجميعٌ لعدد من الاسكتشات نسي صُنّاعه أن ينسجوا بينها خطًا دراميًا يشدّ أجزاءه بعضها إلى بعض. والمشهد الوحيد (ولا يمكن وصفه بمحطّة) الذي عومل بالمنطق ذاته، فصار افتتاحًا وختامًا للفيلم على أساس فكرة أنّ "الدنيا دوّارة"، لم تكن له أيّ دلالة حقيقية في حياتها ورحلتها، إلا إذا كان القصد الإشارة إلى قدرتها على النهوض كلّما سقطت، وهي دلالة سطحية للغاية، وربّما مضحكة إن صحّت. أعجبني أداء آسر ياسين ومحمد فراج، وطه دسوقي في مشاهده القليلة، ومنى زكي التي بذلت جهودًا جبّارة، لكن خارج السياق، إذ كانت كلّ العناصر المُحيطة بها مناقضة لهذا الجهد، إذا استبعدنا بقية العناصر الخاصّة بها التي ربّما أهدرت الجهد المبذول. كذلك كان حضور كثير من الممثلين الذين ظهروا في مشهد أو اثنين مُريحًا في المُجمل. النقد الموجّه لفيلم "الست" مبرَّر، بغضّ النظر عن تحوّله إلى حملة هجوم هناك زاوية تصوير جانبية لوجه منى زكي، تكرّرت كثيرًا وكانت مُقلقة وموتّرة؛ إذ تطرح باستمرار سؤالًا: لماذا تبدو على هذا الشكل؟ وهل هكذا كانت أم كلثوم حقًا؟ تشعر لوهلة كأنّ أحدهم منزعج من منى زكي ومن أم كلثوم معًا، وقرّر أن يظهرهما في أسوأ صورة، ولعلّ هذا هو الملمح الثاني الأهم في نظري حول الفيلم: تعمّد تقبيح لأمّ كلثوم، بمدخل ظاهره أنسنة الشخصيات التاريخيّة، لكنّ وراءه ما هو أكثر شرًا من ذلك، ووجود منتجين رسميين سعوديين يجعلني أميل لتصديق هذه الفكرة. لن تجد بطول وقت المشاهدة مُشتركات بين الممثّلة والشخصيّة التي تؤدّيها، ولا سيّما أنّ كلّ لحظة تتخلّص فيها البطلة من جزء من لوازم الشخصية وإكسسواراتها (كالنظارة أو تسريحة الشعر) تربك المشاهد، وقد تجعله ينسى تمامًا أنّها تؤدّي شخصية أم كلثوم، ولعلّها لو تركت كما هي (منى زكي) وبذلت الجهد التمثيلي من دون معوّقات مُحيطة لنجحت فيما لم تفعله على هذه الصورة. الفيلم زاخر بعناصر مُبهرة: ديكورات، مواقع تصوير، ملابس… واضح فيها الجهد والتكلفة، لكنها (مع شكر هذا الجهد) لم تفعل سوى تبديد الملل وخطف العين نحو التفاصيل، لكنّها كذلك بقيت أسبابًا لفشل الغرض النهائي "تجسيد شخصية أم كلثوم وحكايتها"، والموسيقى، مثلًا، جميلة بحدّ ذاتها، غير أنها كانت في غير مواضع قليلة مبالغًا فيها قياسًا بالمشهد أو الحدث؛ ملحميةٌ في لحظات عادية للغاية، ومدّة الفيلم طويلة نسبيًا، لكنها غير مملّة؛ فهناك أبطال ونجوم وعناصر كثيرة تجعل المشاهد مستمرًا في المتابعة، مُترقبًا المحطّة التالية. أرى أنّ جزءًا من النقد الموجّه للفيلم مبرَّر، بغضّ النظر عن تحوّله إلى حملة هجوم، لكني في الختام أكرّر النصيحة التي أجبت بها على كلّ سؤال حول الفيلم: اذهب وشاهد واحكم بنفسك.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows