Arab
في كلّ عام، تزامناً مع احتفالات أعياد الميلاد ورأس الجديدة، يُعرض فيلم "وحيد في المنزل" (Home Alone) للمخرج كريس كولومبوس (Chris Columbus) على كثير من منصّات البث التدفقي؛ فهو عمل عائلي أيقوني تدور أحداثه في فترة أعياد الميلاد. ترشّح الفيلم لجوائز أوسكار عدّة، من أهمّها ترشيح موسيقاه التصويرية التي وضعها المؤلّف الشهير جون ويليامز (John Williams) البالغ من العمر 93 عاماً.
في العشرين من الشهر الحالي، تقيم أوركسترا قطر الفلهارمونية عرضاً في العاصمة الكويتية، تؤدّي فيه موسيقى "وحيد في المنزل" التصويرية، تزامناً مع عرض الفيلم أمام الجمهور في قاعة الشيخ جابر العلي، بقيادة المايسترو أندرياس فايزر.
في موسيقى هذا الفيلم، عمل جون ويليامز على ابتكار عالم سمعي يوازي نظيره البصري، ليس بوصفه مرافقة محايدة للصورة، بل مثّل عنصراً سردياً أساسياً يشارك في صناعة الحدث وتوجيه الإحساس. منذ اللحظات الأولى، يضعنا ويليامز داخل أجواء الميلاد عبر استخدامه الواضح للجوقات (Choirs) والنغمات الكنسية الدافئة، في إحالة مباشرة إلى الطقوس الدينية والاحتفالية المرتبطة بهذه المناسبة. لكن هذا البعد الروحي لا يأتي منفصلاً عن الطابع العائلي للفيلم، بل يمتزج معه ليؤسّس حالة من الحنين والبراءة، تشبه نظرة الطفل إلى العالم في موسم الأعياد.
تعتمد الموسيقى التصويرية لـ"وحيد في المنزل" على ثنائية واضحة: عالم الطفولة مقابل عالم الفوضى. ففي مشاهد كيفن ماكاليستر (ماكولي كولكين) وحده في المنزل، نسمع ألحاناً خفيفة ومرحة، تقوم على آلات النفخ الخشبية والبيانو، بإيقاعات متقطّعة وسريعة، تعكس فضول الطفل ودهشته وشعوره بالتحرّر المفاجئ. هذه الموسيقى لا تكتفي بوصف الحالة النفسية، بل تساهم في تكثيفها، وتحوّل التفاصيل اليومية البسيطة إلى مغامرة كاملة.
أما في المشاهد الكوميدية التي يواجه فيها كيفن اللصَّين، فيبلغ جون ويليامز ذروة ألقه التأليفي. هنا، تتحول الموسيقى إلى شريك أساسي في النكتة البصرية، مستخدماً ما يُعرف في الموسيقى التصويرية بـMickey Mousing، أي محاكاة الحركة بالصوت، إذ تتطابق النغمات مع كل سقوط أو ضربة أو انزلاق. نسمع القفزات الموسيقية الحادة، والانقطاعات المفاجئة، والتسارع الإيقاعي الذي يضخّم الإحساس بالعبث، ويجعل الألم الجسدي الذي يتعرض له اللصّان أقرب إلى الكرتون منه إلى الواقع، ما يسمح للفيلم بالحفاظ على طابعه العائلي من دون عنف فعلي.
في المقابل، لا يَغفل ويليامز عن البعد العاطفي للفيلم. ففي لحظات الوحدة والتأمل، خصوصاً تلك التي تجمع كيفن بالعجوز في الكنيسة، تتراجع الكوميديا لصالح موسيقى هادئة، تعتمد على الأوتار والبيانو، بجمل لحنية بسيطة وممتدة. هنا، نلمس حساسية ويليامز في الانتقال السلس بين النبرة المرحة والنبرة الإنسانية، من دون أن يشعر المتفرج بانفصال أو تناقض. الموسيقى، في هذه اللحظات، تذكّرنا بأن الفيلم لا يدور حول المقالب والضحك فحسب، بل حول العائلة والشعور بالانتماء.
أحد أبرز إنجازات جون ويليامز في هذا العمل هو قدرته على جعل الموسيقى أيقونية ومستقلة في آن؛ فالموضوع الرئيسي للفيلم أصبح جزءاً من الذاكرة الجماعية المرتبطة بأعياد الميلاد، تماماً كما هو الحال مع موسيقاه في "هاري بوتر" أو "حرب النجوم"، لكنّه في الوقت نفسه يخدم الفيلم بدقة شديدة، ولا يطغى عليه. ويليامز يفهم هنا أن البساطة أحياناً أكثر فاعلية من التعقيد، وأن وضوح اللحن وسهولة تذكّره هما مفتاح الارتباط العاطفي بالجمهور.
بهذا المعنى، يمكن القول إنّ موسيقى "وحيد في المنزل" ليست مجرد خلفية سمعية، بل هي قلب الفيلم النابض. إنها التي تمنحه روحه الميلادية، وتوازن بين الكوميديا والدفء الإنساني، وتحوّل قصة طفل نُسي في المنزل إلى حكاية عالمية تتجدّد كل عام، وتُستعاد نغماتها كما تُستعاد ذكريات الطفولة نفسها.

Related News
الذهب يتجاوز كل التوقعات في مصر.. ما سعر عيار 21؟
al-ain
24 minutes ago