العقوبات المالية ورقة واشنطن الأكثر شراسة على بغداد
Arab
1 week ago
share
بالتزامن مع تصاعد الحديث سياسياً في العراق، حول عقوبات مالية مرتقبة ستفرضها وزارة الخزانة الأميركية على جهات وشخصيات عراقية، مُتهمة بالتعامل مع إيران أو حلفائها في المنطقة، تظهر سجلات السنوات الأخيرة إدراج واشنطن عشرات المؤسسات المالية والمصرفية والتجارية والشخصيات السياسية والتجارية على لائحة العقوبات الأميركية منذ عام 2018، وتسبب ذلك بتحييد فاعليتها أو إغلاقها نهائياً. ويُقر مسؤولون عراقيون في بغداد، بأن العقوبات المالية باتت الورقة الأميركية الأكثر تأثيراً في العراق، وتفوق مسألة الضربات العسكرية التي وجهتها في السنوات الأخيرة لفصائل وجماعات مسلحة حليفة لطهران. ووفقاً لسجل طويل من العقوبات الأميركية المتراكمة على الأفراد والشركات والمؤسسات العراقية، والذي بدأ منذ عام 2018، يظهر أنها طاولت بنوكاً ومصارف وشركات تحويل مالي، وشركات استثمار وسياحة وطيران، وشخصيات سياسية ورجال أعمال وزعماء وقيادات بفصائل مسلحة، لم تقتصر فقط على جهة معينة، إنما شملت جهات سنّية وكردية أيضاً تحت البند المتعلق بالتعاون مع إيران وخرق العقوبات. نصف المصارف محظورة ومع نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2025، تكون العقوبات الأميركية قد طاولت الكثير من مصارف العراق، إلى جانب أكثر من 40 شخصية سياسية وفصائلية ورجل أعمال، بتهمة التعامل مع إيران وانتهاكات حقوقية. والقطاع المصرفي العراقي يكاد يكون الأكثر تأثراً، حيث تُظهر العقوبات التي تنشرها وزارة الخزانة الأميركية في موقعها الرسمي، أن نحو نصف مصارف العراق الخاصة باتت تحت طائلة العقوبات الأميركية، بما يحرمها من التعامل بالدولار. هذه العقوبات تعني أن المصارف الأخرى المحلية والخارجية لا يمكنها التعامل معها، حيث باتت بحكم المحظورة لديها، خصوصاً مصارف لبنانية وأردنية وتركية وإماراتية، التي تُعتبر أبرز جهات التعامل المالي العراقي مع الخارج. وتؤشر هذه الإجراءات إلى تحوّل واضح في السياسة الأميركية من استهداف الأفراد والشبكات الصغيرة، إلى تقييد البنية المصرفية نفسها، في إطار ضغوط متصاعدة تتعلق بملف إيران والتحويلات المالية عبر العراق. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، كانت أولى حزم العقوبات الأميركية على جهات عراقية، إبان حكومة عادل عبد المهدي، حيث أعلنت الخزانة الأميركية عقوبات على السياسي ورجل الأعمال أوراس حبيب كريم، بتهمة التعاون المالي مع فيلق "القدس الإيراني". وشملت العقوبات أيضاً مصرف البلاد الإسلامي، وشبكة من شركات الصرافة المرتبطة به في بغداد والنجف والسليمانية، بعد اتهامها بتمرير أموال إلى جهات إيرانية عبر النظام المالي العراقي. شكّلت هذه الدفعة أول إشارة إلى أن واشنطن تتعامل بجدية مع ملف التحويلات التي تمر عبر العراق باتجاه إيران وسورية ولبنان، وهو ملف ظل تحت مراقبة مشددة في السنوات اللاحقة. بعد أقل من عام واحد، أعلنت الخزانة الأميركية حزمة عقوبات ضخمة طاولت أفراداً وجهات مختلفة، أبرزها شركة طيران عراقية، "فلاي بغداد"، التي اضطرت إلى الإغلاق وبيع أصولها على أثر ذلك، ثم شركات عدة للشحن الجوي والسفر، بعد اتهامات أميركية باستخدامها في تقديم دعم لوجستي لنظام بشار الأسد في دمشق. كما طاولت القيود عدداً من شركات التحويل المالي، مثل "الحبوبي" و"الكوثر" و"الموسوي"، ومكاتب أخرى في البصرة وكربلاء، التي اتهمت بتهريب الدولار خارج العراق، خصوصاً نحو إيران ولبنان. بالتزامن، أعلنت وزارة الخزانة، وضع كل من قيس الخزعلي، وأكرم الكعبي، وأحمد الحميداوي، وريان الكلداني، وفالح الفياض، وأحمد الجبوري، وليث الخزعلي، وأبو آلاء الولائي، وآخرين على قائمة العقوبات. وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات بدت مفاجئة في المشهد السياسي العراقي بعد عام 2003، وإزاحة نظام صدام حسين عقب الغزو الأميركي، فقد كانت مجرد بداية للضغط، وتشديد الرقابة على حركة الدولار من وإلى العراق. حزم عقوبات متتالية الموجة الجديدة من العقوبات تلت اغتيال الولايات المتحدة زعيم "فيلق القدس" الإيراني الجنرال قاسم سليماني والقيادي في "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس مطلع يناير/ كانون الثاني 2020، حيث أصدرت وزارة الخزانة الأميركية حزمة كبيرة من العقوبات على أفراد وجهات مختلفة، كان أبرزها مصارف: المستشار الإسلامي، والقرطاس الإسلامي، والطيف الإسلامي، وإيلاف، وأربيل، والبنك الإسلامي الدولي، وعبر العراق، والموصل للتنمية، وسومر التجاري، والثقة الدولي، وأور الإسلامي، والعالم الإسلامي، وزين العراق الإسلامي. وأدت العقوبات إلى تجميد تعاملات هذه المصارف بالدولار، وقطع علاقاتها مع المصارف المراسلة، ما أحدث اضطراباً واسعاً في السوق المالية العراقية. أعقبتها حزمة عقوبات أخرى عام 2023 طالت مصارف: الأنصاري، والشرق الأوسط، والقابض، وآسيا، إلى جانب عدد من شركات التحويل المالي. وفي فبراير/ شباط 2024، أعلنت الخزانة الأميركية دفعة جديدة تشمل ثمانية مصارف، وهي: أشور الدولي، والمصرف الاستثماري العراقي، والاتحاد العراقي، والمصرف الإسلامي الكردستاني، ومصرف الهدى، والمصرف الإسلامي الجنوبي، والمصرف العربي الإسلامي، وحمورابي التجاري. وفي فبراير 2025، أضافت الخزانة الأميركية خمسة مصارف أخرى، وهي: المشرق العربي الإسلامي، والمتحد للاستثمار، والسنام الإسلامي، ومسك الإسلامي، وأمين العراق للاستثمار والتمويل، أعقبتها مطلع يوليو/ تموز من العام ذاته، عقوبات على شركات ورجال أعمال بتهمة تسهيل تصدير النفط الإيراني عبر تزييف أوراق ومستندات لتغيير هويته، ضمن ما عُرف بـ"أسطول الظل"، أبرزهم رجل الأعمال العراقي الكردي سليم أحمد سعيد. وفي أكتوبر الماضي، أصدرت واشنطن حزمة عقوبات أخرى، طاولت أفراداً ومؤسسات، كان أبرزها، شركة المهندس، التابعة لـ"الحشد الشعبي"، ورجال أعمال بتهمة الارتباط بأذرع وجهات إيرانية، أبرزهم علي محمد غلام الأنصاري، وعلي مفتن البيضاني، ووليد خالد حميد السامرائي. منع الوصول إلى الدولار بالاعتماد على موقع وزارة الخزانة الأميركية، يظهر أن واشنطن وضعت 35 مصرفاً عراقياً على لائحة العقوبات التي تحظر التعامل معها، وتمنع وصولها إلى الدولار، وهو إجراء دفع غالبية دول المنطقة والمستثمرين والمودعين لوقف التعامل معها، ما يعني أن نحو نصف مصارف العراق باتت تحت طائلة العقوبات، حيث يبلغ عددها 72 بنكاً ومصرفاً حكومياً وخاصاً، إلى جانب 17 شركة مالية للتحويل والصرافة المالية. بالعودة إلى العقوبات المفروضة على الأفراد، يظهر أن واشنطن عاقبت منذ عام 2014 أكثر من 40 شخصية سياسية وفصائلية ورجل أعمال خلال الفترة ذاتها، كان أبرزهم زعيم "الحشد الشعبي"، فالح الفياض، وقيادات أخرى مثل قيس الخزعلي، وأكرم الكعبي، وحسين المحمداوي، وحسين مؤنس، وريان الكلداني، إلى جانب فصائل مسلحة جرى إدراجها على لوائح المنظمات الإرهابية، مثل "النجباء"، و"كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"الإمام علي"، و"سيد الشهداء". عائدات النفط في العراق الخبير بالشأن العراقي، زياد الهاشمي، قال في حديث لـ"العربي الجديد" إن "واشنطن استثمرت حالة الاعتماد الكلي للدولة العراقية في إيداع عائدات النفط بالحسابات والمصارف الأميركية، ورقة ضغط سياسية حاسمة". وشرح نقطة مهمة في هذا الإطار وهي أن الولايات المتحدة توفر نظام حماية مالية لأموال النفط العراقي من مطالبات التعويضات الدولية، (المتعلقة بحرب الخليج)، وما ترتب على هذه الحماية من عملية إيداع لتلك الأموال في حسابات أميركية. وأضاف الهاشمي، وهو استشاري في اقتصاد النقل الدولي، أن "نظام العقوبات الأميركي لم يقف عند هذا الحد، بل فرض سلسلة من الاشتراطات والضوابط على البنك المركزي العراقي تتعلق بإعادة هيكلة وتنظيم وإصلاح الجهاز المصرفي العراقي، وهذا ما أفرز مؤخراً خطة إصلاح مصرفي تفرض على المصارف إما الالتزام بها أو الخروج للتصفية"، مؤكداً أن "المنظومة السياسية العراقية كانت تغض الطرف أو تساهم في دعم عمليات غير نظامية وعمليات كسر نظام العقوبات المالي من خلف الكواليس، تضررت الكثير من مصالحها، وأجبرتها على الرضوخ، ضمناً للمتطلبات الأميركية، والسماح للمركزي العراقي بفرض إرادة الإصلاح". الضغط على المنظومة السياسية العراقية تابع الهاشمي: "يمكن القول إن الضغط المالي الأميركي سلب أوراق قوة عديدة كانت تتمتع بها المنظومة السياسية العراقية، وقيّد قدراتها على التمرد على السياسة الأميركية، أو إبداء أي تعنت أمام المطالب الأميركية، وهذا كما يبدو انعكس على سلوك تلك المنظومة، وجعلها تتقبل الانحناء أمام العاصفة الأميركية"، معرباً عن اعتقاده أنه "خلال الفترة القادمة ستحاول الطبقة السياسية العراقية البحث عن منفذ يساعدها على الاستمرار دون إثارة أو استفزاز الفاعل الأميركي". وختم الهاشمي أن ذلك أتاح لواشنطن "رصد ممارسات أو شبهات تتعلق بعمليات غسل الأموال وتهريب الدولار لدول وكيانات معاقبة أميركياً، وبسببها جرى فرض عقوبات على مصارف عراقية وشركات وشخصيات ذات صلة بشبكة معقدة وواسعة متورطة بكسر نظام العقوبات"، معتبراً عقوبات واشنطن "شكلت ضربة موجعة لتلك الشبكة التي تحتال على النظام المصرفي العراقي، وتستنزف موارده المالية، مما منعها بنسبة كبيرة من الوصول للدولار والقدرة على تحويله خارج العراق".

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows