السويداء والدولة السورية: صدام الثقة وحدود الحلول
Arab
1 week ago
share
تقع محافظة السويداء في جنوب سورية، وتُعرف بوصفها المعقل الرئيسي للطائفة الدرزية داخل البلاد. وعلى مدى السنوات الماضية، تحوّلت العلاقة بين السويداء ومركز الدولة من حالة هشة من التفاهم السلبي إلى صدامات مفتوحة تارة، وتفاوض حذر تارة أخرى. ومنذ منتصف عام 2025، تصاعدت الأحداث في المحافظة إلى مستوى أوسع من العنف والمساءلة، ما يفرض طرح سؤال مركزي: إلى أين تتجه العلاقة بين الحكومة السورية وسكان السويداء في المستقبلين القريب والمتوسّط؟ خلفية موجزة: جذور التوترات وأحداث 2025 لم تكن الاحتكاكات في السويداء حدثاً طارئاً أو وليد لحظة عابرة، غير أنّ صيف 2025 شكّل منعطفاً حاسماً نقل التوترات من نطاقها المحلي المحدود إلى مواجهة مفتوحة ذات أبعاد أمنية وسياسية معقّدة. فقد خرجت الاشتباكات بين مجموعات درزية ومجموعات قبلية عن إطار النزاعات الاجتماعية التقليدية، لتتحول إلى مواجهات دامية خلّفت قتلى وجرحى، وأدّت إلى موجات نزوح واسعة، ما وضع المحافظة أمام واحدة من أخطر أزماتها منذ سنوات. وأدّى تضارب الأرقام والروايات حول أعداد الضحايا والمهجّرين، إلى جانب تبادل الاتهامات بين الأطراف المختلفة، إلى تحويل الحدث إلى ملف مشحون يتجاوز كونه صراعاً محلياً، ليغدو قضية وطنية تتداخل فيها الحسابات الأمنية بالرهانات السياسية. وفي هذا السياق، لم تعد السويداء مجرد ساحة اضطراب داخلي، بل تحوّلت إلى نقطة اختبار لقدرة الدولة على إدارة التنوع واحتواء الأزمات، من دون الانزلاق إلى منطق العقاب الجماعي أو الاعتماد على المقاربات العسكرية الصِرفة. لم تعد السويداء مجرد ساحة اضطراب داخلي، بل تحوّلت إلى نقطة اختبار لقدرة الدولة على إدارة التنوع واحتواء الأزمات، من دون الانزلاق إلى منطق العقاب الجماعي وبالتوازي، سعت الحكومة المركزية إلى إعادة فرض السيطرة النظامية عبر سلسلة من الإجراءات الأمنية والسياسية، تُوّجت بالإعلان عن خريطة طريق لإعادة دمج السويداء تدريجياً ضمن البنية المؤسسية للدولة، وإعادة تفعيل المؤسسات الرسمية، مع تعهدات بتحقيق العدالة وتعويض المتضررين وفتح تحقيقات في الانتهاكات التي رافقت الأحداث. غير أنّ هذه الخطوات، على أهميتها الشكلية، اصطدمت بحاجز انعدام الثقة المتراكم، ولا سيما في ظل اتهامات بوقوع عمليات انتقامية واستخدام القوة المفرطة، ما عزّز شعوراً واسعاً لدى قطاعات من السكان بأن المقاربة المتّبعة تعيد إنتاج الأزمة بدل معالجتها. العناصر المؤثرة في مسار العلاقة الجانب الأمني: إن وجود تشكيلات محلية مسلّحة، مثل ما يُعرف بـ"الحرس الوطني الدرزي" أو مجموعات محلية أخرى، في مقابل قوات أمن مركزية، يجعل أي حل عسكري "نهائي" صعب التحقيق من دون كلفة إنسانية وسياسية كبيرة. وقد استمرت الاشتباكات المتقطعة حتى أواخر عام 2025، بما يكشف هشاشة أي هدنة قائمة. الشرعية والثقة: تقوّض معاناة المدنيين والتقارير عن انتهاكات أو عمليات انتقام أي خطاب حكومي يتحدث عن "إعادة دمج طوعية". وبناء ثقة حقيقية يتطلب خطوات ملموسة في مجال العدالة الانتقالية، وحماية حقوق الضحايا، وتقديم ضمانات واضحة بعدم التمييز. الأمن الإقليمي والدولي: أدّت تدخلات جهات إقليمية، واهتمام منظمات تُعنى بشؤون الأقليات، إلى إضفاء بعد خارجي على ملف السويداء. كما نادى زعماء دروز من دول الجوار بآليات حماية وبإشراك المجتمع الدولي في الضغط من أجل تسوية تحفظ الحقوق. هذه العوامل تضيف متغيرات جديدة إلى قدرة دمشق على المراهنة على الحل الأمني وحده. الإدارة المحلية والاقتصاد: يفاقم تدهور الخدمات والوضع الاقتصادي المحلي حدة الضغط الاجتماعي، وقد يتحول هذا الضغط إلى انفجار سياسي إذا لم تُعالَج الملفات المعيشية بسرعة وبحساسية تراعي خصوصية المجتمع المحلي. سيناريوهات مستقبلية محتملة الاندماج الحذر تحت سقف الدولة (سيناريو الإصلاح الجزئي): تواصل الحكومة تنفيذ خريطة الطريق عبر تفعيل مؤسسات الدولة، وفتح تحقيقات توصف بأنها "رمزية"، قد تُترجم بتعيينات محلية ووعود بتعويضات محدودة، مع انتشار قوات أمنية مركزية لضبط المشهد. يفضي هذا المسار إلى استقرار نسبي، لكنه يبقى هشّاً ما لم تتغير عناصر الثقة والعدالة أو تُمنح ضمانات مؤسسية للأمن المحلي. وقد يمنع هذا السيناريو تصعيداً أكبر أو نزعات انفصالية، لكنه لا يعالج جذور الشكوك المتراكمة. تفكيك جزئي للحل الأمني وتهيئة حكم محلي موسّع (سيناريو اللامركزية التفاوضية): يقوم هذا السيناريو على اتفاق بين دمشق وممثلين محليين دروز على صيغة من اللامركزية الأمنية والإدارية، تشمل قوات محلية تُدار بدرجة من الاستقلال تحت رقابة مركزية، إلى جانب برنامج تنمية اقتصادي يخفف الضغوط المعيشية. يتطلب هذا الخيار ضمانات دولية أو وساطة محايدة، إضافة إلى توافق ديني–قبلي محلي، وقد يسهم تدريجياً في إعادة بناء الثقة، لكنه لا يحظى بقبول فوري لدى بعض الدوائر الأمنية المركزية التي تخشى فقدان النفوذ. تفاقم الصراع والدخول في دوامة عنف طويلة الأمد (السيناريو الأسوأ): قد يؤدي استمرار الخروقات الأمنية، وما يقابلها من ردود فعل مسلحة للفصائل المحلية، إلى توسيع دائرة العنف والتهجير، مع مخاطر تدخلات خارجية أو استغلال الملف من قبل جهات إقليمية. يحمل هذا السيناريو كلفة إنسانية وسياسية باهظة، ويُضعف أي فرصة مستقبلية لإعادة بناء مؤسسات موثوقة. مقترحات عملية لتيسير علاقة أكثر استقراراً تحقيقات مستقلة وشفافة: تشكيل لجنة تحقيق وطنية أو مستقلة تضم ممثلين محليين وخبراء دوليين لتقصي أحداث صيف 2025 ومنع الإفلات من العقاب، على أن تكون نتائجها قابلة للتحقق والتصديق. ضمانات أمنية محلية: اعتماد صيغة هجينة تسمح بوجود تشكيلات أمنية محلية منضبطة قانونياً ضمن إطار رقابي مركزي، بما يمنع الفراغ الأمني أو هيمنة طرف واحد. برنامج إعادة إعمار وتنمية: التركيز العاجل على الخدمات الأساسية، مثل الصحة والمياه والتعليم وفرص العمل، لتجنّب انفجار اجتماعي جديد. حوار سياسي وطائفي: إشراك القيادات الدينية والمجتمعية الدرزية في حوار دائم مع الدولة، بما يساهم في تهدئة المخاوف من التهميش أو الانتقام، ويضبط توقعات الطرفين. إن مستقبل العلاقة بين الحكومة السورية ومحافظة السويداء ليس محسوماً بعد، إذ يعتمد المسار بدرجة كبيرة على قدرة الأطراف على تغيير قواعد التفاعل من منطق الأمن والقوة إلى منطق الحقوق والضمانات. فإذا نجحت دمشق في تقديم خطوات حقيقية قابلة للقياس في مجالات العدالة والحماية والتنمية، مع مشاركة محلية فعلية، تبرز فرصة لاستقرار طويل الأمد. أمّا إذا استمرت المقاربات الأمنية التقليدية من دون معالجة سياسية واجتماعية شاملة، فستظل السويداء بؤرة توتر تهدّد استقرار الجنوب السوري على نطاق أوسع. والخلاصة أن أي حل مستدام لن ينجح إلا من خلال توازن دقيق بين ضمانات أمنية تحمي الجميع، وإصلاحات سياسية ومجتمعية تبني ثقة جديدة.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows