فائض الصين يربك العالم...تريليون دولار يثير قلق الأسواق
Arab
1 week ago
share
في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الجاري، أعلنت إدارة الجمارك الصينية أن فائض تجارة السلع للصين تجاوز تريليون دولار خلال أول 11 شهراً من العام، وهو رقم قياسي ليس له مثيل في تاريخ التجارة العالمية الحديثة. ووفقاً للبيانات الصينية، سجلت الصادرات نمواً قوياً رغم الرسوم التجارية والحمائية المتصاعدة بين القوى الاقتصادية الكبرى، بينما ارتفعت الصادرات إلى أسواق جديدة على حساب السوق الأميركية، إذ انخفضت الصادرات إلى الولايات المتحدة بنسبة تقارب الثلث. وقالت مجلة ذي إيكونوميست، أمس الأحد، إنّ حجم هذا الفائض يثير القلق حول العالم. فقد قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته لبكين هذا الشهر: "الاختلالات التي نراها تتراكم اليوم غير قابلة للاستدامة"، وجاء تقرير حديث لبنك غولدمان ساكس عن قوة الصادرات الصينية بعنوان "إفقار الجار" ليدفع في هذا الاتجاه. وفي 10 ديسمبر الجاري، دعا صندوق النقد الدولي الصين إلى معالجة الاختلالات الاقتصادية الأوسع، وتنويع النمو بعيداً عن الاعتماد المفرط على الصادرات، وقالت مديرة الصندوق كريستالينا جورجييفا، خلال مؤتمر صحافي في بكين، إن الاقتصاد الصيني أصبح كبيراً جداً بحيث لا يمكنه الاعتماد على التصدير فحسب للنمو المستدام، وأنّ الاعتماد المفرط على الصادرات يزيد من حدة التوترات التجارية العالمية. وبينما اعتبر بعض المحللين فائض التريليون دليلاً على الهيمنة الصناعية الصينية، يعتبر آخرون أنه مرآة تعكس ضعف الاستهلاك المحلي وتراكم اختلالات بنيوية في الاقتصاد الصيني.  ماذا يعني فائض التريليون دولار؟  الفائض التجاري الذي أعلنته بكين يشير إلى فرق كبير بين قيمة الصادرات والواردات من السلع المادية خلال 11 شهراً من عام 2025. ووفق بيانات الجمارك، وصل هذا الفائض إلى مستويات لم تكن متوقعة حتى قبل عام. غير أن هذا الرقم القياسي، بحسب "ذي إيكونوميست" لا يشمل سوى السلع المادية التي تعبر الجمارك. وهو لا يتضمن الخدمات، التي من شأنها أن تخصم نحو 180 مليار دولار من الإجمالي، كما أنه لا يرصد بعض المعاملات التي تجري بين الشركات متعدّدة الجنسيات والمصنعين المحليين المتعاقدين في مناطق التجارة الحرة داخل الأراضي الصينية، لكنها تقع خارج النطاق الجمركي للصين. وأشارت المجلة البريطانية إلى أن المقياس الأوسع لتعاملات الصين مع بقية العالم هو فائض الحساب الجاري. وقد بلغ هذا الفائض 650 مليار دولار خلال الأرباع الأربعة الماضية (مع أن بعض المحللين يشكّكون في كيفية قياسه)، وهذا الفائض يعادل نحو 3.4% من ناتجها المحلي الإجمالي. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، كان هناك 45 اقتصاداً سجلت فوائض أكبر من ذلك العام الماضي، ثمانية منها داخل الاتحاد الأوروبي. وأوضحت الصحيفة أن التركيز على الاختلالات يخطئ في تشخيص القلق الحقيقي لأوروبا، والمتمثل في تفريغ صناعتها المحلية من محتواها. فالمشكلة الحقيقية هي أن المصنّعين الأوروبيين باتوا يكافحون لمنافسة شركات السيارات والإلكترونيات الصينية، وكان ذلك سيحدث حتى لو أن الصين أنفقت أكثر بكثير على السلع الأولية والواردات الأخرى، وتراجع فائضها التجاري إلى الصفر. وأضافت: "هذا الميل القوي إلى الادخار كان يعد إشكالاً عالمياً عقب أزمة 2007 - 2009، حين كان الطلب شحيحاً وأسعار الفائدة قرب الصفر، فبدا فائض الصين آنذاك وكأنه "يفقر الجيران" عبر سحب الطلب من اقتصادات تعاني أصلاً نقص الإنفاق. وتابعت: "المشهد تغيّر اليوم، إذ باتت اقتصادات كبرى تعمل عند مستويات تضخم مستهدفة أو أعلى، والإنفاق قوي بما يكفي للحفاظ على انخفاض البطالة وامتصاص جزء من الفائض الصيني، مع امتلاك البنوك المركزية هامشاً لخفض الفائدة عند الحاجة". واعتبرت "ذي إيكونوميست" أن مشكلة الفائض التجاري الكبير باتت صينية بالأساس، في ظل تضخم منخفض مقلق، وضعف التوظيف وثقة المستهلك، وركود عقاري ممتد، وتردد رسمي في تحفيز واسع خوفاً على هوامش البنوك، وخلصت إلى أن الاتكاء على الصادرات بديلاً مؤقتاً قد ينقلب خطأ إذا تراجع الطلب الخارجي بفعل اتساع الحرب التجارية أو صدمة عالمية، ما سيجبر بكين على تحفيز متأخر وأعلى كلفة، ويجعل اعتمادها على إنفاق الأجانب لتحقيق الاستقرار الداخلي خياراً غير حكيم.  إشارة تحذير للصين والعالم  ومن جانبه، قال أستاذ الاقتصاد في جامعة كورنيل وزميل أول في معهد بروكينغز، إيسوار براساد، في مقال رأي نشرته صحيفة فايننشال تايمز، أمس الأحد، إنّ وصول الفائض التجاري الصيني إلى تريليون دولار خلال أول 11 شهراً من عام 2025 يجب أن يقرأ بوصفه إشارة تحذير لبكين وللاقتصاد العالمي على حد سواء، لما يحمله من دلالات تتجاوز كونه رقماً قياسياً في التجارة. وأوضح أن هذا الفائض يظهر القوة التصديرية الكبيرة للصين، لكنه يكشف في الوقت نفسه عن مشكلات بنيوية في الاقتصاد والسياسات العامة، محذراً من أن الطموحات الصينية لتقديم نفسها مدافعاً عن نظام التجارة القائم على القواعد، ولتعزيز مكانة عملتها دولياً، ستتآكل بفعل اتساع هذا الاختلال التجاري.  وأشار براساد إلى أن نموذج النمو الصيني أصبح أكثر صعوبة في الاستدامة، إذ استند بعد جائحة كورونا إلى استثمارات ممولة بالائتمان حافظت على نمو الناتج المحلي رغم تقلص القوة العاملة وضعف الإنتاجية، وأضاف أن ضعف نمو التوظيف والأجور، إلى جانب تراجع أسعار العقارات وتآكل الثقة، كبح الاستهلاك المحلي وخلق فجوة واسعة بين الإنتاج الصناعي والطلب الداخلي، ما جعل التصدير الخيار شبه الوحيد، واستطر قائلاً: "اندفاع الصين التصديري يحمل آثاراً سلبية على الاقتصاد العالمي، إذ تحولت من محرك يدعم نمو الطلب العالمي إلى عامل يضغط عليه"، وأوضح أن الاستثمارات المرتفعة، التي تقودها غالباً الشركات المملوكة للدولة، لم تحقق مكاسب إنتاجية تذكر، بينما أضعفت القيود على الشركات الخاصة والتوترات التجارية مع الولايات المتحدة ثقة الأعمال والاستثمار الخاص.  ولفت براساد إلى أن بكين تدرك نظرياً الحاجة إلى إعادة التوازن نحو الاستهلاك والإنتاجية، لكنها تفتقر إلى الإحساس بالإلحاح وخريطة زمنية واضحة للإصلاحات، وأضاف أن التعويل على التحفيز الكلي وتدخلات من أعلى إلى أسفل، مثل سياسة مكافحة المنافسة المفرطة، لن يعالج جذور المشكلة، كما أنّ خفض الفائدة وتيسير الائتمان سيظل أثرهما محدوداً في هذه الظروف. وخلص براساد إلى أنّ تعويض الرسوم الأميركية بزيادة الصادرات إلى دول أخرى سيغذي النزعات الحمائية عالمياً، خاصة مع ضعف الطلب المحلي في تلك الدول، وأضاف أنّ استخدام سعر صرف اليوان أو الرنمينبي لدعم الصادرات يقوض مصداقية الصين التجارية، داعياً إلى ترك العملة تتحرك بحرية أكبر، مؤكداً أن الحل يكمن في إصلاح الاقتصاد وكبح الفوائض التجارية، لمصلحة الصين أولاً ولمصلحة الاقتصاد العالمي على المدى الطويل.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows