Arab
تكبر الانقسامات في باكستان، وخصوصاً حول دور المؤسسة العسكرية، التي تحاول لمّ صفوف مختلف الفئات حولها، ولا سيما علماء الدين، فيما تواجه هذه المؤسسة معارضة من بعض الأحزاب السياسية، وخصوصاً حركة الإنصاف، في ظل سجن زعيمها عمران خان، منذ 2023، الذي يحظى بشعبية كبيرة في باكستان.
وبرز أخيراً عقد مؤتمر لعلماء الدين في إسلام أباد، يوم العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الحالي، بمشاركة رئيس الوزراء شهباز شريف وقائد الجيش الباكستاني المشير عاصم منير. وكان لافتاً طلب قائد الجيش من علماء الدين المشاركين في المؤتمر، أن يعقدوا مباحثات مع المدارس الدينية بهدف إقناعها بفكرة أن الجيش الباكستاني هو الجيش الإسلامي الوحيد الذي يمتلك قوة نووية، وأن هناك دولاً تعمل من أجل أجندة إسرائيل والهند بهدف إضعاف هذا الجيش.
وعلى الرغم من انتقاد منير للمدارس الدينية والقائمين عليها باستثناء قلة قليلة مثل جامعة الرشيد في مدينة كراتشي وجامعة فاروقية في لاهور، ناصحاً كل المدارس بأن تتخذ من هاتين المدرستين نموذجاً في التعامل مع مؤسسات الدولة ومع المصالح الوطنية، إلا أن العلماء الموجودين في قاعة المؤتمر، أشادوا بدور قائد الجيش في دعم المدرسة الدينية ونشر الفكر الإسلامي بين جيل الشباب. كذلك أكد بعضهم أن طلاب المدارس الدينية في باكستان مستعدون للوقوف إلى جانب الجيش وحمل السلاح ضد أي دولة تحارب الجيش الباكستاني.
إشادة بقائد الجيش
وقال رئيس مؤتمر علماء باكستان، العلامة طاهر أشرفي، مخاطباً قائد الجيش: "أنت قائد الأمة وتحارب أعداء البلاد، وكل طلاب المدارس الدينية، وعددهم ثلاثة ملايين طالب، مستعدون لحمل السلاح والقتال إلى جانبكم ضد كل من سوّلت له نفسه المساس بباكستان". وأضاف أن "الجيش الباكستاني أثبت في حربه الأخيرة مع الهند، في مايو/ أيار الماضي، أنه أقوى جيش في المنطقة، وكبّد الهند خسائر كبيرة في كل الجوانب"، مشيراً إلى أنه "بعد ذلك بدأت الهند تتحرك من الجانب الأفغاني، ونحن نعرف أن الهند تريد الانتقام، ولكننا لن نترك الجيش وحده في مواجهة هؤلاء". وما أثار الاستغراب، قول أشرفي إن من إنجازات قائد الجيش أنه جعل السياسيين والعسكريين الباكستانيين في صف واحد، ووحّد صفوف السياسيين، كذلك باتت المؤسسة العسكرية متماسكة موحدة، تحت قيادته.
عبد الوكيل خان: اللحمة الوطنية التي يتحدث عنها بعض العلماء ضربتها القوات المسلحة أصلاً
وفي السياق ذاته، أشاد المفتي عبد الرحيم، الذي نظّم المؤتمر، وهو رئيس جامعة الرشيد بمدينة كراتشي، في كلمته، بدور قائد الجيش ورئيس الوزراء "في الحفاظ على اللحمة الوطنية"، معتبراً أن "ما قاما به من عمل دؤوب لوحدة صف القوى الأمنية والسياسية في البلاد، هو نجاح كبير، ومنطلق لمحاربة القوى التي تدعمها إسرائيل والهند ضد باكستان". وأشار عبد الرحيم إلى أن الإسرائيليين والهنود "موجودون حالياً في أفغانستان، ويخططون من أجل إضعاف الجيش الباكستاني". كذلك أسهب في مدح قائد الجيش، معتبراً كل من يعادونه خوارج عن الدين وأنهم من ضمن الفئة المنبوذة التي ليس لها همّ ولا غمّ سوى النيل من الإسلام والمسلمين، متهماً أفغانستان بأنها تعمل من أجل أجندة إسرائيل والهند ضد باكستان الدولة النووية الإسلامية. وقال إن الجيش الباكستاني أفضل جيش على وجه الأرض من الناحية الدينية والروحية.
وتعليقاً على مؤتمر علماء الدين في إسلام أباد، قال المفتي الباكستاني عبد الوكيل خان، لـ"العربي الجديد"، إن "كل من شارك في الاجتماع يأكلون على مائدة الجيش منذ القِدم، وعلى رأسهم المفتي عبد الرحيم والعلامة طاهر أشرفي". وأضاف: "نحن أيضاً لا نريد أن يكون هناك عدم الاستقرار في البلاد، ولكن اللحمة الوطنية التي يتحدث عنها هؤلاء العلماء ضربتها القوات المسلحة أصلاً، وهي لا تزال مشغولة في القضاء عليها". وفي رأيه، فإن كل من شارك في هذا الاجتماع "استخدمته القوات المسلحة من أجل تمزيق صف علماء الدين والمدرسة الدينية في باكستان". ويطرح الكثير من المراقبين تساؤلات عن صحة حديث بعض هؤلاء المشايخ بشأن وجود وحدة وطنية في البلاد، وتحديداً بين القوى السياسية والقوى الأمنية، بفضل جهود المؤسسة العسكرية، وتحديداً منير. في حين أن زعيم أكبر حزب سياسي، "حركة الإنصاف"، عمران خان، في السجن، ولا يُسمح لأفراد أسرته ولا لقادة حزبه وللمحامين أن يلتقوه، كما أعلن حزبه.
محمد داوود افتخار: باكستان لم تعرف تشتتاً وانقساماً منذ عقود مثل ما يحصل اليوم
انقسامات حادة في باكستان
من جهته، قال الإعلامي الباكستاني، محمد داوود افتخار، لـ"العربي الجديد"، إن باكستان "لم تعرف تشتتاً وانقساماً منذ عقود مثل ما يحصل اليوم"، معتبراً أن لهذا الانقسام تأثيرات كبيرة على الساحة الأمنية والاقتصادية، وحتى الاجتماعية في البلاد. وأضاف أن حكومة إقليم خيبربختونخوا، شمال غربي البلاد، التي تترأسها حركة الإنصاف تهدد بالانقلاب والعصيان المدني، وتعارض سياسات المؤسسة العسكرية. ولفت إلى أن رئيس حكومة خيبربختونخوا سهيل خان آفريدي "وصف أكثر من مرة خلال الأيام الماضية المؤسسة العسكرية بأنها ظالمة وقاتلة لأبناء (عرقية) البشتون، وأنها تنتهك الحرمات".
وأوضح أنه "عندما لوّح بعض المسؤولين في الحكومة المركزية بأن من الممكن فرض الطوارئ في البلاد، لتقوم الحكومة المركزية والمؤسسة العسكرية بما تريدان، كان آفريدي يتحداهما، قائلاً إن أحداً لن يدخل إلى الإقليم". بالتالي قال افتخار: "لم تجرؤ الحكومة أو الجيش أن يفعل ذلك، لأنهما يعرفان أن الرجل من أبناء قبائل خيبر المجاورة لمدينة بشاور مركز إقليم خيبربختونخوا، و90% من تلك القبائل يؤيدون عمران خان". في المقابل، وصف المتحدث باسم الجيش الباكستاني، الجنرال أحمد شريف، في مؤتمر صحافي يوم الثامن من ديسمبر الحالي، عمران خان بالرجل النرجسي والمريض العقلي، وأنه يعمل لأجندات أجنبية. وتعليقاً على ذلك، قال افتخار في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن تلك التصريحات تشير إلى عمق الصراع السياسي في البلاد، موضحاً أن عمران خان لديه شعبية كبيرة جداً، ورغم كل المحاولات من قبل الحكومة والمؤسسة العسكرية، لا يزال يحظى بأغلبية كبيرة في البلاد، وخصوصاً بين جيل الشباب.
عبد المالك خان: أحداث مايو كانت بمثابة انقلاب
في المقابل، قال المحلل السياسي الباكستاني، عبد المالك خان، لـ"العربي الجديد"، إن الجيش والحكومة حالياً يقودان باكستان في ظروف استثنائية جداً، موضحاً أن "بلادنا تمر بمرحلة حرجة للغاية؛ هناك مؤامرات خارجية وتحديات داخلية، والمؤسسة العسكرية ومعها الحكومة تتخذان خطوات بجرأة وشجاعة، وهناك في الساحة السياسية من يعرقل تلك المسيرة، ويقوم بما سيدفع البلاد نحو حرب أهلية". واعتبر أن "ما قام به حزب عمران خان من الأحداث المعروفة بأحداث مايو في باكستان (اضطرابات واشتباكات مع الأمن جراء اعتقال عمران خان)، كانت بمثابة انقلاب"، مضيفاً أن "قوات الأمن لم تعط الفرصة لهم". وفي رأيه "لا ينكر أحد أن خان له نفوذ، ولكن عليه أن يتنازل تارة ويتمسك بمواقفه تارة أخرى، غير أنه لا يفعل ذلك حتى الآن ويرى نفسه على صواب".
ولا شك أن الانقسام بين مؤسسات الدولة، ولا سيما بين المؤسسة الأمنية والأحزاب السياسية، لها تبعات ثقيلة جداً على الوضع الأمني. وقال المحلل الأمني الباكستاني العميد المتقاعد، محمود خان ختك، لـ"العربي الجديد"، إن وقوف القبائل والأحزاب السياسية الكبيرة مثل حزب عمران خان وجمعية علماء الإسلام بزعامة المولوي فضل الرحمن والأحزاب القومية كلها في وجه الجيش، ومعارضة شن عمليات في مناطق الشمال والجنوب الغربي، "انقسامات لها آثار سلبية كبيرة على معنويات الجنود". وأوضح في هذا السياق أن "بعضاً من القوات شبه العسكرية وقوات الشرطة لم يتسلموا رواتبهم منذ ثلاثة أشهر أو خمسة أشهر، ولا يوجد من يثير القضية، فالكل مشغول في الصراع السياسي". ورأى أن "الوضع الباكستاني حالياً يقتضي التغاضي عن الخلافات الداخلية والاهتمام بمصالح البلاد".
