
بدأت فكرة وضع حد أقصى لأسعار الفائدة على بطاقات الائتمان تكتسب زخماً بين المشرّعين الشعبويين في الولايات المتحدة من كلا الحزبين، إذ تعاونت هذا الشهر النائبة الديمقراطية التقدمية من نيويورك ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز مع النائبة الجمهورية المحافظة من فلوريدا آنا بولينا لونا، لتقديم مشروع قانون جديد يهدف إلى تحديد معدل الفائدة السنوي على بطاقات الائتمان عند سقف 10%، على الرغم من تصاعد العداوة بين الحزبين منذ فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ويأتي هذا التحرك بعد مشروع قانون مشابه قدمه السيناتور المستقل بيرني ساندرز من ولاية فيرمونت مع السيناتور الجمهوري جوش هاولي من ولاية ميزوري، والذي اقترح أيضًا تحديد نفس السقف (10%) لمدة خمس سنوات. واكتسبت قضية تكاليف الاقتراض أهمية خلال السنوات الأخيرة مع ارتفاع أسعار الفائدة، وهو الأمر الذي أدى إلى ارتفاع حالات التعثر في سداد ديون بطاقات الائتمان. ووفقًا لبنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي، بلغ متوسط معدل الفائدة السنوية قرابة 21.5% في نهاية العام الماضي، مقارنةً مع 14.7% عام 2020.
ومع ذلك، تبدو هذه التشريعات حاليًا كأنها مجرد مبادرات سياسية ذات طابع رمزي، ولا يُتوقع أن تتحول إلى قوانين في المستقبل القريب، رغم أن بعض الديمقراطيين قد يرون في مثل هذه المشاريع وسيلة لإحراج الرئيس دونالد ترامب ودفعه إلى الوفاء بوعده الانتخابي السابق بشأن فرض سقف على فوائد بطاقات الائتمان، وهي فكرة ارتبطت عادةً بالتقدميين. وفي عام 2019، طرح كل من ساندرز وأوكاسيو-كورتيز قانونًا مشابهًا تحت اسم "قانون منع القروض الربوية"، وكان يقترح وضع حد أقصى بنسبة 15% على جميع أسعار الفائدة.
ويُعد هذا المشروع خطوة غير تقليدية في المشهد السياسي الأميركي، الذي يشهد عادة انقسامًا حادًا بين الحزبين حول القضايا الاقتصادية. لكن الضغوط التي يعانيها ملايين الأميركيين، مع ارتفاع مستويات الديون الاستهلاكية، دفعت المشرعين للتلاقي حول هذا المقترح الطموح، ما قد يبشر بمستقبل أفضل لفرص تشريعه لاحقًا. وبالنسبة للعديد من الناخبين الأميركيين، تُعد هذه القضية مشكلة مالية ملحّة، إذ يتم تدوير نحو نصف حسابات بطاقات الائتمان من شهر لآخر مع إبقاء أرصدة مستحقة عليها، كما أن 13% من حاملي البطاقات يكتفون بدفع الحد الأدنى الشهري فقط، بحسب مكتب الحماية المالية للمستهلكين.
ديون بطاقات الائتمان تواصل ارتفاعها عند الأميركيين
وبحسب تقرير صادر عن بنك الاحتياط الفيدرالي، بلغ إجمالي ديون بطاقات الائتمان نحو 1.13 تريليون دولار مع الاقتراب من نهاية الربع الأول من عام 2025، وهو أعلى مستوى يسجله هذا النوع من الديون في تاريخ الولايات المتحدة. كما أشار التقرير إلى أن متوسط سعر الفائدة على بطاقات الائتمان في السوق حالياً تجاوز 22%، وهو أعلى من المعدل الذي كان سائداً قبل عقد من الزمن.
ومع ارتفاع معدلات الفائدة، وصلت أرباح شركات بطاقات الائتمان إلى مستويات قياسية. ويرى البعض أن هذه الأرباح الكبيرة تؤكد أن بإمكان الشركات مواصلة تقديم القروض وتحقيق أرباح جيدة حتى لو فُرضت قيود على أسعار الفائدة. لكن في المقابل، يحذر الاقتصاديون من أن فرض سقف منخفض للغاية على الفوائد قد يؤدي إلى تقليل فرص الحصول على الائتمان للأميركيين الذين لديهم درجات ائتمانية منخفضة، لأن تقديم القروض لهم لن يعود مربحًا بما يكفي للبنوك.
من جانبها، أبدت مؤسسات مصرفية وشركات بطاقات ائتمان كبرى، مثل "جي بي مورغان تشيس" و"أميركان إكسبريس"، اعتراضها على المشروع، محذرة من أنه قد يؤدي إلى تقليص التسهيلات الائتمانية المتاحة للمستهلكين، ويدفع المؤسسات المالية إلى تشديد معايير الإقراض وتقليل عدد البطاقات الممنوحة، خاصة للمقترضين ذوي المخاطر العالية.
وربما يكون ذلك مفيدًا لبعض الأسر إذا منعها من الاقتراض الزائد، لكن في حالات أخرى، قد يضطر الكثيرون إلى اللجوء لطرق تمويل أخرى قد تكون أكثر تكلفةً وأقل تنظيمًا، مثل خدمات الدفع المؤجل (اشتر الآن وادفع لاحقًا)، أو التورط في ديون غير مريحة. ويدور الجدل حول سؤال أساسي هو: إلى أي حد يجب أن يكون سقف الفائدة منخفضًا قبل أن تبدأ القيود بالتسبب في ضرر أكبر من المنفعة؟ ويرى البعض أن تحديد سقف 10% ربما يكون متشددًا أكثر من اللازم، لكن ماذا عن سقف 25% أو 35%؟
ويقول برينو براغا، الباحث الاقتصادي البارز في معهد أوربان إنستيتيوت والذي درس تأثير سقوف أسعار الفائدة: "المسألة في النهاية هي مسألة موازنة، إذ تسعى لتحقيق أقصى استفادة لأكبر عدد من الناس، مع تقليل الضرر لأقل عدد ممكن".
ولا تعد القوانين التي تفرض سقوفًا على الفوائد جديدة، فبحسب البنك الدولي، هناك ما لا يقل عن 76 دولة حول العالم تفرض قيودًا على معدلات الفائدة، ومن بينها 26 دولة تضع سقفًا على جميع أنواع القروض. وفي الولايات المتحدة نفسها، تفرض عشرات الولايات قيودًا على قروض يوم الدفع (Payday Loans)، أو تحاول حظرها بالكامل. وقروض يوم الدفع أو "Payday Loans" هي نوع من القروض قصيرة الأجل ذات التكلفة العالية، تُستخدم غالبًا من الأشخاص الذين يحتاجون للمال بشكل عاجل لتغطية نفقات طارئة حتى موعد استلام الراتب التالي.
وقد أظهرت الدراسات التي تناولت تأثير قوانين تحديد سقوف فوائد القروض قصيرة الأجل نتائج متضاربة. فبعض الدراسات خلصت إلى أن هذه القوانين قد تدفع المقترضين نحو مصادر أخرى من التمويل ذات تكاليف مرتفعة، مثل السحب على المكشوف من الحسابات البنكية، بينما أشارت دراسات أخرى إلى أن هذه القوانين نجحت بالفعل في الحد من استخدام قروض يوم الدفع دون عواقب سلبية كبيرة.
