نوروز متجدّد
Arab
1 week ago
share

ترتبط سرديات الشعوب الثائرة بطقوس ثقافية تتحول إلى تقاليد أو توصيفات ثابتة لنمط احتفالاتهم ووسائل تعبيرهم وتخاطُبِهم مع الآخرين أفراداً وجماعات ودولاً.

لطالما احتفل الكرد بعيد نوروز بالأغنيات والرقص والمشاعل، المضاءة بالجمر، إذ تضفي الألوان الزاهية والأثواب الطويلة المزركشة والرقصات الرائعة لمسةً جمالية فائقة، تمنح الفرح وتؤكد على الحرية جوهراً رئيساً للحياة. هذه التقاليد باتت بوابة للتواصل مع العالم الخارجي، وإرثاً ثقافياً لا يمكن تجاهله، بل إنّه مرحبٌ ومعترفٌ به.

تتماهى حكاياتنا الشخصية مع حكايات الشعوب، تتماهى حكايتي بالتعرف إلى القوة الكامنة التي تمنحها القدرة على إشعال النار مع شخصية كاوا الحداد، الكردي الجميل الذي صعد إلى الجبل وأوقد نار الثورة والخلاص. جدي حدّادٌ جميل منحه الجميع لقب الثائر لأنه كان دوماً ضد الظلم، يحدد أدوات الفلاحين بالمجان ويؤجل ديونهم للموسم القادم، يغني ويلقي الشعر والزجل الشعبي، يستدر ضحكات الأهالي ويعممها طقساً ثقافياً محبباً ومتكرراً. يعيش جدي في قرية ريفية جميلة فيها ماء وشجر وجبل كشجر وينابيع وجبال بلاد الرقص والأغاني الكردية.

ترتبط حكايتي بكور كبير وضعه جدي في دكان الحدادة، ينفخ فيه النار، لتعلو متقدة ويضاء وهجها بسعادة غامرة، لا يفلّ الحديد إلا النار الموقدة بأيدٍ سخية تعشق اللون والفرح والحكايات، وتتماهى مع الآخرين وأدواتهم البسيطة، ليتموا أعمال الحفر والفلاحة والزراعة لتستمر الحياة بزخم وفرح. بدأت حكايتي مع النار العظيمة يوم علّمني جدي النفخ في الكور وأنا طفلة لإشعال نار حمراء متوهجة بقوة وفرح.

يتوحد الهم الوطني دوماً في غمرة الاحتفالات بالأعياد الوطنية والقومية والشعبية؛ لأنّ حقوق الشعوب لا تتجزأ، ولأنّ الأمل بالخلاص من أي حيف أو تمييز يجمع كل المطالبين والحالمين بالعدالة

للمرة الأولى بعد سقوط النظام المستبد في سورية يحتفل الكرد السوريون وأصدقاؤهم بعيد نوروز من قلب دمشق وتحديداً في ساحة شمدين بحي ركن الدين، حيث تتجمع وتعيش أعداد كبيرة من كرد دمشق، وقد تكرر الاحتفال بأماكن وأشكال متعددة، ففي ليلة عيد نوروز في العشرين من شهر مارس/ آذار اجتمع ما يقارب خمسين شاباً وشابة في مقهى قريب من ركن الدين وأحيوا عيد نوروز بالأغاني والرقصات، كان اللافت في هذا الاحتفال حضور الشباب والشابات بأعداد كبيرة، وهذا أمر مفرح لأنه يمنح الطمأنينة بأن الأعياد باقية والاحتفالات بنوروز مستمرة ما استمرت الحياة.

في ساحة شمدين اجتمع ما يقارب خمسة آلاف كردي سوري، يرافقهم أصدقاء سوريون من مدن سورية متعددة، قال أحد المشاركين إن فرحة الجميع كانت كبيرة، إذ أضيئت الشموع على الشرفات المطلة على ساحة الاحتفال وجرى رشّ المشاركين بالورود كما علقت الأضواء الاحتفالية الملونة في مكان الاحتفال.

وامتد الاحتفال أربعَ ساعات متواصلة، وفي خضم أصوات الموسيقى والأغاني الفولكلورية الكردية جرى ترديد هتافات "واحد واحد الشعب السوري واحد"، كما هتف المحتفلون والمحتفلات من أجل سلامة ونصرة غزة وأهلها، ورُفِعَ علم الثورة والعلم الكردي.

يتوحد الهم الوطني دوماً في غمرة الاحتفالات بالأعياد الوطنية والقومية والشعبية؛ لأن حقوق الشعوب لا تتجزأ، ولأن الأمل بالخلاص من أي حيف أو تمييز يجمع كل المطالبين والحالمين بالعدالة. وكان الحدث الأكثر مدعاة للبهجة هو صعود عدد من الشبان إلى سفح جبل قاسيون المطل على حي ركن الدين، وأوقدوا هناك شعلة العيد بمراسم احتفالية كبيرة. وفي مدينة السويداء احتفل أهل السويداء بنوروز في ساحة الكرامة ولطالما رفع المعتصمون في ساحة الكرامة العلم الكردي في احتفالاتهم واعتصامهم اليومي، ولطالما ركزوا على الشراكة الوطنية بين السوريين كافة بمختلف لغاتهم وقومياتهم وإثنياتهم، كما شارك المغني السوري سميح شقير في احتفال خاص في مدينة القامشلي احتفالاً بعيد نوروز، كما سيتجه عدد كبير من المحتفلين صباح هذا اليوم إلى مقهى كبير في ريف دمشق على طريق مطار دمشق الدولي.

تتماهى حكايات الأفراد الحالمين بالعدالة مع حكايات الشعوب الطامحة نحو الحرية، كما تكتسب مشاركة أصحاب الأعياد القومية والثقافية باحتفالاتهم بعداً تضامنياً؛ يمهّد للعيش المشترك بتشارك وتآخٍ ومسؤولية، ويبني وطناً للجميع.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows