صراع الإنتاج... نهاية غامضة لموسم الدراما المصرية
Arab
1 week ago
share

حتى انتصافه، كان الموسم الدرامي المصري في رمضان 2025 هادئاً: جدل قليل وتدخلات محدودة من السلطة في محتوى الأعمال الدرامية، كما كان لافتاً للمرة الأولى منذ عقد تقريباً غياب الأعمال "الوطنية" أو تلك المستوحاة من ملفات أجهزة الأمن والمخابرات. ببساطة بدا وكأنّ الدراما المصرية تحصل على استراحة أخيراً من القيود السابقة، وانعكس ذلك بوضوح في مستوى المسلسلات التي لاقت ترحيباً نقدياً كبيراً، إلى أن انتقد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي الأعمال الدرامية لهذا الموسم، ثم فجّر المخرج محمد سامي قنبلة انتهت بها فترة الهدنة في صناعة الدراما قبل انتهاء شهر الصوم.

انتقادات رسمية تنهي هدنة الدراما المصرية مع الرقابة

جاء موسم رمضان الحالي مختلفاً إلى حد كبير عن المواسم السابقة، لأسباب عدة، أولها أنه الموسم الأول بعد تغييرات واسعة في قيادات الشركة المتحدة المتحكمة في الإنتاج الفني، ويترأسها الآن رجل الإعلانات طارق نور مع وجوه أخرى جديدة، وهو الموسم الأول بجهاز رقابة جديد أيضاً برئاسة الكاتب عبد الرحيم كمال، ما جعل الموسم الدرامي الحالي أكثر حيوية، فعُرضت تجارب شبابية وجريئة مقارنة بعصر الأعمال الوطنية، مثل مسلسلات "ولاد الشمس" و"لام شمسية" و"ظلم المصطبة" و"إخواتي"، و"80 باكو" وغيرها من الأعمال التي تناولت الجريمة والفقر والفساد وموضوعات نسيتها الدراما المصرية.
ويبدو أن هذا ما أزعج أجهزة السلطة، إذ خرج السيسي قبل نهاية الموسم ليلقي اللوم على بعض الأعمال الدرامية، مطالباً بـ"دراما إيجابية وبناءة"، ومن بعده خرج رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ليؤكد نية الدولة في توجيه محتوى الدراما، وتشكلت بعدها لجان جديدة لمراقبة الأعمال، وسادت أجواء من التوتر والقلق في الوسط الفني، خوفاً من العودة إلى الوراء وخسارة مكاسب الموسم الحالي، لكن حديث الرئيس أصاب المعسكر المنافس أيضاً في الصناعة، وهو الإنتاج السعودي متمثلاً في قناة MBC، التي قدمت مسلسلات مثل "العتاولة" و"المداح" و"إش إش" و"سيد الناس" وغيرها.
ظهر ذلك في هجوم الصحف والقنوات التابعة للمتحدة على هذه المسلسلات، ما جعل محمد سامي، مخرج مسلسلي "إش إش" و"سيد الناس"، يعلن اعتزاله الإخراج التلفزيوني، وبرر ذلك برغبته في خوض مجال آخر. أثار قرار محمد سامي، الشهير بأعماله الشعبية المثيرة للانتقادات مثل "جعفر العمدة"، زوبعة كبيرة، وفتح الباب أمام المزيد من التكهنات حول أسباب قراره وعلاقته بالتدخلات في الدراما، وكذلك مؤشرات قراره على تجدد الصراع بين جهات الإنتاج الفني في مصر والسعودية.

تجدد الصراع على احتكار الدراما

أكد الإعلامي عمرو أديب، المذيع الرئيسي في قناة MBC مصر، صحة المؤشرات الأخيرة، بعد أن نشر تغريدة لمّح فيها إلى أن الهجوم على مسلسلات القناة السعودية ونشر الشائعات حول انسحاب المعلنين من القناة، قد يؤدي إلى تراجع الهيئة العامة للترفيه في السعودية عن دعم الأعمال المصرية المختلفة، ومنع عرض الأفلام في السعودية، ما سيسبب خسائر ضخمة للإنتاج المصري، في تغريدة اعتبرت بمثابة تهديد غير مباشر، في حال وجود نية من السلطة بتحويل حالة الهجوم على مسلسلات MBC إلى قرارات وحروب لتحجيم دورها.
تسبب إعلان محمد سامي اعتزاله الدراما في الكشف عن الطرف الآخر الذي يقصده الرئيس ورئيس الوزراء، وكأنه المقصود من هذه القرارات المفاجئة، ما يشير إلى اختزال صناعة الدراما المصرية في شخص المخرج محمد سامي، مثلما حدث في السابق باختزال الدراما الشعبية بالنوعية التي ينتجها محمد سامي في أعماله، التي تعتمد على المبالغة في الحبكات الدرامية والأداء التمثيلي والرداءة على صعيد الصورة والصوت وغيرها من العناصر، ما يظلم الأنواع الدرامية التي ينتجها صنّاع الدراما الآخرون في مصر.
المؤكد أن اعتزال محمد سامي لن يؤثر حقيقة على المشهد، لأن الدراما الشعبية مستمرة من دونه أيضاً، وربما قراره ناتج عن رغبة حقيقية في خوض تجارب فنية أخرى، ولكن التخوف أن يكون مدفوعاً إلى إعلان الاعتزال لتهدئة حالة الهجوم على مسلسلات MBC، وضمان عدم تحولها إلى حروب من المتحدة والأجهزة الأمنية في مصر، باعتبار محمد سامي كبش فداء ورمز الأعمال المثيرة للجدل التي تتبناها الشبكة السعودية، خاصة أن الشركة المتحدة سبق أن استهدفت محمد سامي وقت مسلسل "نسل الأغراب" في 2021، الذي لاقى انتقادات عنيفة أدت إلى إعلان "المتحدة" وقف التعامل مع محمد سامي نهائياً، قبل أن تتراجع عن القرار بعدها بعامين في مسلسل "جعفر العمدة".

أكثر من مجرد قرار اعتزال

تخفي الزوبعة الأخيرة حرباً من نوع آخر على حصة الإعلانات التلفزيونية في مصر، أبعد من كونها مجرد اعتراضات أخلاقية ووطنية على المسلسلات، خاصة بعد استخدام الإعلانات سلاحَ تهديد بين ممثلي الطرفين، أي MBC والمتحدة، ويبدو الأمر كأن الانفتاح النسبي لدراما المتحدة هذا العام، واستقدام أشهر صانع إعلانات في مصر لإدارة الشركة المحتكرة للإنتاج، كان بهدف التفوق على "MBC مصر" في المشاهدة والإعلانات، ويبدو أيضاً أنها اكتشفت خسارتها لهذا السباق في نهاية الموسم، ما جعلها تلجأ إلى استغلال انتقادات الرئيس في تشكيل اللجان الرقابية مجدداً والهجوم على الشبكة السعودية ومسلسلاتها.

مرحلة غامضة تقبل عليها الدراما المصرية بعد هذا الموسم الاستثنائي وصراعه الأخير، إما العودة إلى الوراء مثلما حدث في 2019 بالاتجاه إلى إنتاج المسلسلات التربوية والعسكرية التي يعزف عنها الجمهور مقابل استمرار MBC بأعمالها التجارية والمتنوعة التي تجذب القطاع الأكبر من الجمهور، أو السماح بالمزيد من الانفتاح في أعمال الشركة المتحدة أملاً في التفوق التجاري على الشبكة السعودية، ويبدو أنه الخيار الأضعف. لكن يظل الخيار الأصعب هو الحرب المباشرة على الإنتاج السعودي في مصر، ما يحرم الأوساط الفنية المصرية من مصدر الدخل والتمويل الرئيسي لهم في السنوات الأخيرة، وقد تنتج عنه هجرة جماعية للفنانين وشركات الإنتاج الخاصة إلى السعودية لتصوير أعمالهم المقبلة.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows