
في حين أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء أول من أمس الجمعة، عن أمله في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا، مؤكداً أن وقف إطلاق النار الجزئي بين البلدين ما زال صامداً، تبادلت روسيا وأوكرانيا الاتهامات بشأن مسؤوليتهما عن ضرب محطة توزيع الغاز في بلدة سودجا في مقاطعة كورسك، غربي روسيا، ما عزز نسف اتفاق أعلنته واشنطن، قضى بعدم استهداف منشآت الطاقة في البلدين مدة 30 يوماً. كذلك، اشتدت الحرائق في محطة لتخزين الوقود في مقاطعة كراسنودار، جنوبي روسيا. بدورها، أفادت السلطات الأوكرانية، مساء الجمعة، بأن مدينة أوديسا تحترق بفعل هجمات المسيرات الروسية على الميناء والبنى التحتية. كما أفاد مسؤولون أوكرانيون، أمس السبت، بمقتل ثلاثة أشخاص من عائلة واحدة وجرح 12 آخرين على الأقل بهجوم لمسيرات روسية على زابوريجيا الأوكرانية. وذكرت القوات الجوية الأوكرانية، أمس السبت، أن روسيا هاجمت مقاطعات أوكرانية باستخدام 179 مسيّرة انتحارية، جرى اعتراض مائة منها، مشيرة في بيان إلى أن "الهجمات الروسية تسببت بخسائر وأضرار في كييف ومقاطعات زابوريجيا وخاركيف وسومي". في المقابل، بعيداً عن الهجمات المكثفة بالمسيّرات، ومع قرب استعادة روسيا كامل الأراضي التي احتلتها أوكرانيا في كورسك نتيجة هجوم مفاجئ في السادس من أغسطس/ آب الماضي، انتقل الاهتمام إلى جبهات الحرب الأخرى بين روسيا وأوكرانيا في مقاطعة بيلغورود الروسية ومقاطعات خاركيف ودونيتسك وزابوريجيا الأوكرانية.
ترامب: تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في أجزاء معينة من الجبهة
ترامب ومفاوضات روسيا وأوكرانيا
وكان ترامب قد ذكر في تصريحات للصحافيين في البيت الأبيض، مساء الجمعة، أن المفاوضات بشأن "تقسيم الأراضي" وإنهاء الأعمال العدائية بين روسيا وأوكرانيا جارية "الآن"، مبدياً اعتقاده "أننا سنتمكن قريباً جداً من التوصل إلى وقف إطلاق نار كامل ومن ثم إبرام اتفاق". وأشار ترامب إلى أن "هذه القضايا قيد المناقشة الآن. نحن نتحدث عن تقسيم الأرض وجوانب أخرى"، مضيفاً أنه "في الوقت الحاضر، تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في أجزاء معينة من الجبهة، ويُلتزم به بشكل جيد". وعلى عكس تصريحات ترامب، كشفت الأوضاع الميدانية على مختلف الجبهات بين روسيا وأوكرانيا أن المعارك تحتدم للسيطرة على الأراضي لتثبيت وقائع على الأرض. ورغم الاتفاق بين ترامب وكل من روسيا وأوكرانيا على وقف مؤقت لاستهداف البنى التحتية للطاقة، هزّ انفجار قوي مخازن نفط في قرية كافكازسكايا بإقليم كراسنودار، حسب ما أفاد به مقر العمليات الإقليمي الروسي. ووفقاً للسلطات المحلية، فإن مساحة الحريق الذي بدأ نتيجة هجوم لطائرات من دون طيار أوكرانية مساء الأربعاء الماضي توسعت من 20 متراً مربعاً إلى 10 آلاف متر مربع.
كذلك، شنّت القوات الأوكرانية غارة بطائرة من دون طيار على قاعدة إنغلز الجوية في منطقة ساراتوف ليل الأربعاء ـ الخميس. وأفادت هيئة الأركان العامة الأوكرانية بأن عناصر من جهاز الأمن الأوكراني وقوات الأنظمة غير المأهولة وقوات العمليات الخاصة وقوات أوكرانية أخرى ضربت قاعدة إنغلز الجوية، ما تسبب في اندلاع حريق وانفجارات وتفجير ثانوي للذخيرة في محيط المطار.
وأظهرت لقطات مصورة جرى تحديد موقعها الجغرافي، ولقطات أخرى نُشرت الخميس الماضي، انفجاراً وحريقاً في قاعدة إنغلز الجوية التي تستخدمها روسيا لشن ضربات صاروخية ضد أوكرانيا. وقال مصدر في وحدة أمن الدولة لوكالة الأنباء الأوكرانية "سوسبيلني" إن قاعدة إنغلز هي قاعدة رئيسية للطيران الاستراتيجي الروسي، حيث تضم قاذفات استراتيجية من طراز Tu-95MS وTU-22M3 وTU-160، بالإضافة إلى مرافق تخزين قنابل FAB وKAB الانزلاقية وصواريخ كروز. وذكر رئيس المركز الأوكراني لمكافحة التضليل الإعلامي الملازم أول أندري كوفالينكو أن الضربة الأوكرانية دمرت عدداً كبيراً من صواريخ كروز الروسية من طراز Kh-101 التي تستخدمها القوات الروسية في الضربات الليلية ضد أوكرانيا. وذكر حاكم مقاطعة ساراتوف رومان بوسارغين، الخميس الماضي أيضاً، أن القوات الأوكرانية شنت "أكبر ضربة بطائرات مسيرة على الإطلاق" ضد مقاطعة ساراتوف، وأن المسيرات الأوكرانية ضربت البنية التحتية المدنية بالقرب من إنغلز وتسببت في اندلاع حريق بالقرب من القاعدة.
معركة كورسك
في كورسك، تسعى أوكرانيا إلى الاحتفاظ بشريط في المنطقة الروسية من أجل حماية منطقة سومي المحاذية. في السياق، نقل موقع "آر بي سي أوكرانيا"، مساء الجمعة، عن مصادر عسكرية قولها إن القوات الأوكرانية على ما يقرب من مائة كيلومتر مربع في كورسك، فيما يحاول الجيش الروسي طردها من خلال التقدم من إقليم سومي عبر باسوفكا ونقطة تفتيش يوناكيفكا ـ سودجا. وكان الروس كثفوا هجومهم منذ 8 مارس/ آذار الحالي، واستعادوا السيطرة على أكثر من 90% في الأراضي التي احتلتها أوكرانيا سابقاً في كورسك، والمقدرة بأكثر من 1300 كيلومتر مربع. وسيطرت روسيا على الطرق اللوجستية الرئيسية في إقليم سومي المتاخم، واستولت على سفيردليفكا وتقدمت باتجاه نوفينكي في الأراضي الأوكرانية، وسيطرت القوات الروسية بالنيران على طريق سودجا ـ سومي الحيوي. في المقابل، أوضح المحلل العسكري بافلو ناروجنيي في مقابلة مع موقع " آر بي سي أوكرانيا" أن "طريق بين سودجا وسومي يبلغ طوله 40 كيلومتراً تقريباً، فلو كان هناك اختراق حقيقي، لتقدم الروس على طوله بسرعة كبيرة، وفي الوقت الراهن، لا تزال هذه المنطقة العازلة الصغيرة سليمة" في إشارة إلى المنطقة العازلة التي تريد أوكرانيا الاحتفاظ بها في كورسك.
واصلت القوات الأوكرانية شن هجمات مضادة في المناطق الغربية والجنوبية والشرقية من بوكروفسك
في الأيام الأخيرة، كشفت الصور الجوية تقدم القوات الروسية في شمال روبانشينا (غرب سودجا) وفي منطقة غابات جنوب شرق غوغوليفكا (غرب روبانشينا مباشرة). وحسب تقرير معهد دراسات الحرب الأميركي مساء الجمعة، فإن القوات الروسية واصلت في الأيام الماضية هجماتها البرية ضد المواقع الأوكرانية المتبقية في منطقة كورسك وبالقرب من باسيفكا، في مقاطعة سومي. وتناقل مدونون عسكريون روس، الجمعة، أنباء عن أن القوات الروسية تواصل تطهير غوغوليفكا، وأن شمال باسيفكا في مقاطعة سومي (غربي سودجا) هي منطقة "رمادية" متنازع عليها. وأيضاً بحسب معهد دراسات الحرب بشأن القتال بين روسيا وأوكرانيا فقد تقدمت القوات الأوكرانية شمال غرب بريليسيه (شمال غرب مدينة بيلغورود على طول الحدود الدولية)، ونشر مدونون عسكريون روس خرائط تقرّ بتقدم القوات الأوكرانية في الميدان جنوب غرب ديميدوفكا (شمال بريليسيه)، ما يشير إلى أن القوات الأوكرانية تقدمت في بيلغورود. وأشارت المصادر الروسية إلى أن القوات الأوكرانية تشغل عدداً كبيراً من المسيرات، بما في ذلك طائرات الألياف البصرية من دون طيار في المنطقة، وأن القوات الأوكرانية دمرت جسراً بالقرب من غرافوفكا لتعقيد الخدمات اللوجستية الروسية. وأفادت هيئة الأركان العامة الأوكرانية بأن قواتها دمّرت مركز قيادة روسياً بالقرب من ديميدوفكا، في منطقة بيلغورود، كان الجيش الروسي العشرون يستخدمه مركزَ قيادة لتخطيط وتنفيذ عمليات قتالية ضد القوات الأوكرانية في منطقة سومي.
لا تقدم روسياً في خاركيف
في خاركيف، نفى معهد دراسات الحرب الأميركي أي تقدم للجيش الروسي، رغم شنّه عمليات هجومية شمال مدينة خاركيف بالقرب من هليبوكي، وشمال شرق مدينة خاركيف بالقرب من فولتشانسك، يومي الأربعاء والخميس الماضيين. وكشف المتحدث باسم القوات الأوكرانية في خاركيف بافلو شامشين، الخميس الماضي، أن الطقس الربيعي يؤثر بشكل كبير على كثافة الهجمات الروسية في اتجاه خاركيف، إذ تسمح الظروف الجوية الأكثر دفئاً للقوات الروسية بالبقاء مدة أطول على الخطوط الأمامية، على الرغم من أن الأرض الموحلة غالباً ما تعيق الحركة.
وأشار شامشين إلى أن حجم تجمع القوات الروسية بالقرب من منطقة خاركيف على طول الحدود الدولية بين روسيا وأوكرانيا لم يتغير، وأن القوات الروسية تعوض الخسائر في المنطقة وتظل ملتزمة بإنشاء "منطقة عازلة" على طول الحدود الدولية. وفيما يراهن الروس على استعادة السيطرة على كامل كورسك وإنشاء منطقة عازلة داخل أوكرانيا في سومي قبل احتفالات الذكرى الـ80 للنصر (في الحرب العالمية الثامية 1939 ـ 1945) في 9 مايو/أيار المقبل، يجهد الأوكرانيون للاحتفاظ بأي قطعة بكل ما أوتوا من قوة.
في السياق، هاجمت القوات الروسية شمال كوبيانسك بالقرب من كيندراشيفكا ودفوريتشنا، وشمال شرق كوبيانسك بالقرب من كاميانيكا، وشرق كوبيانسك بالقرب من بتروبافليفكا في الأيام الأخيرة. وأنشأت هذه القوات أخيراً رأس جسر جديداً على طول الطريق بين كامينكا وكولوديازي (شمال شرقي ليمان). وهاجمت القوات الروسية شمال شرق بوروفا بالقرب من زاخريزوف، وفق ما لفت أحد الألوية الأوكرانية العاملة في اتجاه بوروفا، مشيراً إلى أن القوات الروسية تنشر وحدات مشاة صغيرة للهجوم باستمرار في هذا الاتجاه. وذكرت أن القوات الروسية تفقد عدداً كبيراً من المدرعات والأسلحة المضادة للدبابات بسبب الضربات الأوكرانية بالمسيرات، وأن القوات الروسية نادراً ما تستخدم الآن المدرعات في اتجاه بوروفا. وفي مقاطعة دونيتسك الأوكرانية، واصلت القوات الروسية عملياتها الهجومية في اتجاه ليمان ولكنها لم تتقدم. وحسب المعهد الأميركي، نفذت القوات الروسية عمليات هجومية شمال شرق ليمان بالقرب من يامبوليفكا وإيفانيفكا وباتجاه نوفوميخايليفكا ونوفي وزيلينا دولينا يومي الأربعاء والخميس الماضيين. وهاجمت القوات الروسية تشاسيف يار وشمالها بالقرب من مينكيفكا ونوفوماركوف، وجنوب تشاسيف يار باتجاه أوليكساندر وشولتيني وبالقرب من ستوبوتشكي، وأظهرت لقطات جوية نُشرت الخميس القوات الأوكرانية وهي تصد هجوماً ميكانيكياً روسياً معززاً بحجم فصيلة على الأقل في اتجاه تشاسيف يار.
نفى معهد دراسات الحرب الأميركي أي تقدم للجيش الروسي في خاركيف
بعد عام ونصف عام من الهدوء النسبي، شنت القوات الروسية هجوماً بين مدينتي أوريخيف وزابوريجيا. نُقل جزء من اللواء الجبلي الهجومي الأوكراني 128، الذي كان يدافع عن هذا القطاع، إلى جنوب دونباس، ما أضعف المواقع الأوكرانية جنوبي زابوريجيا. تجاوزت القوات الروسية قرية بياتيخاتكي، التي دارت فيها معارك عنيفة في صيف 2023، من الشرق، واستولت على قرية ستيبوف، ووصلت إلى مالي شيرباكي. إذا لم تقم أوكرانيا بتعزيز الاحتياطيات، فقد تصل القوات الروسية إلى أوريخيف من الغرب. كما كثفت القوات الروسية هجومها جنوب أوريخيف، متجهةً شمالاً بالقرب من قرية روبوتين.
هجمات أوكرانية مضادة
بدورها، واصلت القوات الأوكرانية شن هجمات مضادة في المناطق الغربية والجنوبية والشرقية من بوكروفسك، حيث تفقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قواته، أمس السبت، مشيراً في بيان إلى أنه "تلقى تقريراً عن الوضع الميداني" في المنطقة. وأوقفت الهجمات السابقة بالقرب من قرى بيشتشان وأوداتشني وزابوريجيا، وكذلك قرية كوتلين، تقدم القوات الروسية نحو بوكروفسك بنجاح. الآن، تحاول القوات الأوكرانية دفع القوات الروسية بعيداً عن المدينة من خلال شن هجمات على قريتي ليسيفكا وشيفتشينكو في الجنوب، غير أنها لم تحقق نجاحاً كبيراً حتى الآن، مع تمكنها فقط من تأمين أجزاء من هذه القرى. وشرق بوكروفسك، أجبر الهجوم المضاد الأوكراني القوات الروسية على التراجع من طريق بوكروفسك ـ كوستيانتينيفكا بالقرب من قرية إيليزافيتيفكا. ومع ذلك، واصلت القوات الروسية تقدمها نحو كوستيانتينيفكا جنوب هذا الطريق.
في جنوب دونباس، بالقرب من مركز المقاطعة المحتلة في فِليكا نوفوسيكا، تقدمت القوات الروسية على جانبي نهر موكري يالي. أما على الضفة الشرقية من النهر، فقد سيطرت على قرية دنيبروإنيرهيا، مع اقترابها من فيسيلي. ويبقى الهدف الروسي الأوسع هو قطع الطريق بين دونيتسك وزابوريجيا خلف القوات الأوكرانية المسيطرة على المداخل الغربية لمدينة كوراخوف. وتحاول القوات الروسية الاستيلاء على رؤوس الجسور في اتجاه أوريخيف في زابوريجيا، مع سعيها إلى الاستيلاء على رؤوس الجسور والمرتفعات القيادية بالقرب من قريتي ستيبني ولوبكوفوي من أجل الحصول على ميزة تكتيكية، ما يمنحها السيطرة على طرق السيارات والاتصالات المؤدية من مدينة زابوريجيا. ورغم عدم حصول تغيرات كبيرة في جبهات دونيتسك وزابوريجيا في الأيام الأخيرة، من الواضح أن الروس يسعون إلى تحقيق تقدم قبل الدخول في مفاوضات بين روسيا وأوكرانيا لرسم خطوط وقف إطلاق النار.
