
يرجّح مراقبون أن تتصاعد حدّة التظاهرات والمواجهات في الولايات التركية، اليوم وغداً الأحد، بين المحتجين على اعتقال رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو وبين الشرطة وحفظ النظام، تزامناً مع عرض إمام أوغلو اليوم أو غد على أبعد تقدير على القاضي المناوب بإسطنبول، لتوقيفه وفق التهم الموجهة إليه، أو إطلاق سراحه ليحاكم، طليقاً، بحسب ما ذكرت مصادر لـ"العربي الجديد". وجرى استجواب إمام أوغلو أمس، لمدة أربع ساعات ونصف الساعة، في 121 صفحة من قبل النيابة العامة في إسطنبول بتهم تشمل "الانتماء إلى منظمة إجرامية، والاحتيال، والرشوة، والابتزاز والتدخل غير القانوني في المناقصات" قبل أن تدخل تهمة إضافية أمس، وهي الاستيلاء على البيانات الشخصية بشكل غير قانوني. ووجهت النيابة العامة اتهامات إلى إمام أوغلو والشخصيات المشتبه بها بـمساعدة منظمة إرهابية وتأسيس منظمة إجرامية بهدف تحقيق مكاسب، وهي ما نفاها إمام أوغلو جملة وتفصيلاً.
وفي ما يعدّ تهمة إضافية لرئيس بلدية إسطنبول، كُشف أمس عن تسجيل صوتي مسرّب يظهر أن البيانات الشخصية لملايين السكان في إسطنبول تم تسريبها وبيعها بشكل غير قانوني لشركات خاصة عبر مناقصات وهمية، بعد أن تم جمع بيانات سكان إسطنبول من قبل شركة " Reklam İstanbul" عبر مناقصات غير قانونية تم تمريرها عن طريق شركة" Medya A.Ş "التابعة لبلدية إسطنبول بين عامي 2022 و2024.
كما تذهب التوقعات بارتفاع وتيرة التظاهرات، غداً الأحد، بالتزامن مع تصميم حزب "الشعب الجمهوري" ترشيح إمام أوغلو للانتخابات الرئاسية التي ستجري عام 2028، إذ لا تراجع عن ذلك بحسب تصريحات الحزب، وإعلان رئيسه، أوزغور أوزال مساء أمس، أن الحزب سيعقد مؤتمراً استثنائياً يوم الأحد 6 إبريل 2025، داعياً "بصفتي رئيساً لحزب الشعب الجمهوري" مندوبي الحزب إلى إعادة تفويضهم وتجديد إرادة حزب الشعب الجمهوري.
وذهبت التوقعات إلى أن إعلان المؤتمر الاستثنائي لحزب الشعب الجمهوري، يأتي رداً استباقياً على تعيين الحكومة أميناً للحزب، ليحل محل أوزال، باعتبار ذلك جزءاً من تحقيق ادعاء جديد تم إطلاقه في مؤتمر حزب الشعب الجمهوري في نوفمبر 2023 بشأن مخالفات قانونية، وهو ما أشار إليه رئيس الحزب أمس قائلاً: "نعلن هنا لكل تركيا أننا أحبطنا أي محاولة لتعيين وصي من خلال دعوة الحزب إلى مؤتمر استثنائي".
ولم تهدأ وتيرة التظاهرات، خاصة في الولايات الكبرى، إسطنبول وأنقرة وإزمير، رغم إعلان ولايتي أنقرة وإزمير منع التظاهر خلال الخمسة أيام المقبلة "من أجل الحفاظ على الأمن والنظام العام" وفرض ولاية إسطنبول حظراً على كل التجمعات والمسيرات والبيانات الصحافية لمدة أربعة أيام، اعتباراً من 19 وإلى 23 مارس/آذار الجاري، وذلك للحفاظ على النظام العام ومنع أي أعمال تحريضية.
لم تهدأ وتيرة التظاهرات، خاصة في الولايات الكبرى، إسطنبول وأنقرة وإزمير
بل أخذت بعض المظاهرات بعداً صدامياً كما حدث في العاصمة أنقرة وكذلك في إسطنبول، ما أدى إلى جرح ضباط وعناصر شرطة، زارهم محافظ إسطنبول في المشفى أمس. كما جرى إطلاق أعيرة نارية على القنصلية العراقية بمنطقة شيشلي ليل الجمعة، وذلك رغم إعلان وزير الداخلية التركي، علي يرلي كايا اعتقال 97 شخصاً خلال احتجاجات ليلة الجمعة السبت، بتهم مخالفة القانون والإضرار بالممتلكات ومقاومة السلطات، وبعد اعتقال من تراهم أنقرة، يحرضون على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وكشفها عن ارتفاع عدد المعتقلين بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي منذ يوم الأربعاء إلى 91 شخصًا حتى يوم أمس الجمعة.
يأتي ذلك رغم أن الوصول إلى منصات التواصل الاجتماعي "إكس" و"يوتيوب" و"فيسبوك" و"إنستغرام" لا يزال مقيدًا، وفقًا لمنظمة "نت بلوكس" البريطانية لمراقبة الإنترنت.
وخرجت ليلة أمس، ما وصفها مراقبون "خطابات عقلانية " لعدم الاستمرار في التظاهر أو التعدي على الممتلكات العامة، بعد أن دعا الرئيس، رجب طيب أردوغان إلى الابتعاد عن فوضى الشارع ومواجهة الشارع والشعب بالحقائق قائلاً إن "تركيا ليست دولة وُجدت في الشوارع، ولن تُسلم للإرهاب الذي يُمارس في الشوارع"، مشيراً إلى أنه "من غير المسؤول أن يدعو زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال الناس إلى الشارع بدلاً من الذهاب إلى قاعة المحكمة للدفاع في مواجهة تهم السرقة والسطو والاحتيال". وأوضح الرئيس التركي أن "مهاجمة الشرطة والادعاء العام وتحدي الديمقراطية واللجوء إلى وسائل معادية للديمقراطية لن يؤدي إلى نتيجة"، داعياً أوزال إلى "التصرف بمسؤولية ما دام أن لديه ثقة بنفسه" متهماً المعارضة وأكبر أحزابها "الشعب الجمهوري" بإثارة الفوضى في إسطنبول. وأضاف خلال كلمة في احتفالية عيد النوروز في إسطنبول، أن الحكومة لن تغض الطرف عن الذين يهددون أمن الشعب من أجل ثرواتهم ومسائلهم، والشارع الذي يدعو الشعب الجمهوري إلى التظاهر فيه هو طريق مسدود.
تبع ذلك، تصريحات لرئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون قائلاً فيها إنه "بدلاً من تقديم إجابات مقنعة على الادعاءات الجادة للسلطات القضائية، فإن محاولة التأثير على الإجراءات القضائية من خلال الدعوات إلى العنف في الشوارع هي جهد عبثي". وأضاف ألطون متوجهاً بخطابه إلى المعارضة، إن تركيا "لن تنجر إلى هذا الفخ، ولن تخضع للفوضى في الشوارع، وسيتم الحفاظ على النظام الديمقراطي والقانوني مهما كان الثمن، دولتنا تمتلك القدرة على التمييز بين المذنب والبريء، كما أن شعبنا يتمتع بالحكمة والبصيرة لتقدير ما يجري وتحليله بأفضل شكل ممكن".
ومن التصريحات التي وصفت بالعقلانية، ما قاله زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي إن الرد على الإجراءات القانونية المتعلقة برئيس بلدية إسطنبول يجب أن يكون بالصبر والحكمة، مع احترام كامل لأي قرار يصدر عن القضاء، معتبراً أن محاولة وصم الإجراءات القانونية بـ "الانقلاب" هو أمر يهدد الاستقرار السياسي ويؤدي إلى العنف والفوضى.
وأكد بهتشلي أن القانون يجب أن يكون فوق الجميع، وأنه لا يوجد شخص فوق المساءلة أو الحساب. وأضاف أنه لا يجوز الاعتراض على العدالة أو التشكيك في استقلالية القضاء، محذرًا من أن مثل هذه التصرفات قد تؤدي إلى العنف والفوضى.
من جهته، قال الرئيس السابق، عبد الله غول "لنتذكر كيف أن الضمير العام لم يقبل الظلم الذي تعرض له كل من السيد رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان وأنا في الماضي" ويجب ألا تُرتكب أخطاء مماثلة بحق أكرم إمام أوغلو، الذي تم انتخابه رئيسًا للبلدية بإرادة الشعب".
كما وجه رئيس حزب المستقبل ورئيس الوزراء السابق، أحمد داود أوغلو، نداءً إلى المعارضة حول الأحداث التي تشهدها البلاد بقوله: "حققوا مطالبكم الديمقراطية، ولكن لا تدفعوا تركيا إلى الفوضى أبداً. في يوم واحد، كادت البورصة أن تنهار. لقد خسرنا تريليونات بسبب هذا الحدث".
ويتوقع عضو حزب العدالة والتنمية، باكير أتاجان أن تتراجع حدة التظاهرات وأعدادها، ابتداء من يوم الاثنين، لأن القانون سيطبق على المخالفين، متوقعاً خلال تصريح لـ"العربي الجديد" أن لا يتم الإفراج عن إمام أوغلو. ويضيف أتاجان أن الحكومة لن تخضع لـ "فوضى الشارع" واستمرار السماح بتعطيل البلاد، ابتداء من مطلع الأسبوع، لأن استمرار الفوضى، بحسب وصفه، أثر على تركيا وألحق "خسائر هائلة" بالليرة والبورصة والأداء العام، ومن الممكن أن تسيء في حال استمرارها إلى المناخ التركي العام، السياسي والاقتصادي.
في المقابل، يقول عضو حزب المستقبل، مسلم أويصال إن ما جرى هو "اعتقال سياسي" بحق مرشح المعارضة المقبل، واصفاً لـ"العربي الجديد" ما يجري بـ"ربيع تركيا" ولن تهدأ التظاهرات "بل مرشحة للمزيد إن لم يفرج عن أكرم إمام أوغلو".
4 سيناريوهات أمام إمام أوغلو
تتوزع السيناريوهات التي تنتظر رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو بعد اعتقاله، أول من أمس، في إطار تحقيقات "الإرهاب" و"منظمة الجريمة المنظمة" بين:
- الإفراج عنه لامتصاص فورة الشارع، وفي هذه الحالة غير المرجحة، يمكن لإمام أوغلو العودة إلى مهامه ومواصلة عمله رئيساً لبلدية إسطنبول، ولكن ترشيحه لرئاسة الجمهورية متعلق بالشهادة الجامعية، والتي يشترط القانون التركي على تحصيل المرشح للتعليم العالي.
- ومن السيناريوهات أيضاً أن يتم إطلاق سراح إمام أوغلو ويحاكم طليقاً بتهم الإرهاب، وفي هذه الحالة تبقى عودته إلى عمله رهناً بقرار وزارة الداخلية التي قد تعين "وصياً" أو أميناً يدير شؤون بلدية إسطنبول.
- وتذهب التكهنات بالسيناريو الثالث إلى الإدانة "بمساعدة منظمة إرهابية"، وهي إحدى التهم الموجهة إليه. وفي هذه الحالة يجوز لوزارة الداخلية تعيين أمين لبلدية إسطنبول.
- أما إن أدين إمام أوغلو بتهمة "تنظيم إجرامي" وهو السيناريو الرابع، فوقتها سيتم سجنه ويجري مجلس بلدية إسطنبول الكبرى انتخابات وينتخب رئيس بلدية مكانه.
ويبقى الترقب والتوتر والتظاهر في تركيا مستمراً، بانتظار قرار القاضي، اليوم أو غداً، والذي يمكن أن يسحب فتيل الأزمة وتهدئة الشارع، إن أفرج عن أكرم إمام أوغلو كما السيناريو الأول، أو زيادة التوترات وربما انتقالها إلى أطوار أخرى، في حال السيناريو الثالث أو الرابع، أي سجن إمام أوغلو بتهمة مساعدة منظمة إرهابية أو تنظيم إجرامي وفساد.
