يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ خاص:
على صفيح ساخن، تقف المناطق الحدودية الرابطة بين محافظتي تعز ولحج جنوب غرب اليمن، منذرة بانفجار عسكري قد يعيد رسم خارطة النفوذ في المناطق المحررة من الحوثيين المتربصين على تخومها.
حيث تشهد مديرية المقاطرة وتخوم “طور الباحة توتراً غير مسبوق، إثر حادثة دموية استهدفت موكب محافظ تعز وقيادة محور طور الباحة، مخلفةً قتلى وجرحى، وفاتحةً الباب أمام سيناريوهات قاتمة تتداخل فيها الثارات القبلية بالحسابات السياسية، وصراع السيطرة على “شريان الحياة” الوحيد لملايين المحاصرين في تعز.
غموض الحادثة وتضارب الروايات
في منطقة “نجد البرد” الاستراتيجية بمديرية المقاطرة، تحولت رحلة محافظ تعز نبيل شمسان، وقائد محور طور الباحة اللواء أبوبكر الجبولي، المتجهة صوب العاصمة المؤقتة عدن، إلى ساحة مواجهة دامية. الحادثة التي وقعت قبل أيام وخلفت سبعة قتلى وعدداً من الجرحى، لم تكن مجرد إطلاق نار عابر، بل كانت “القشة” التي قصمت ظهر الهدوء الهش في المنطقة، مفجرة سيلاً من الاتهامات والروايات المتناقضة التي تعكس عمق الأزمة وغياب الثقة بين الأطراف الفاعلة على الأرض.
وبينما سارعت السلطة المحلية في تعز إلى وصف الحادثة بـ”الاستهداف المباشر” ومحاولة اغتيال المحافظ وقيادة المحور من قبل “خلايا خارجة عن القانون”، في توصيف يضفي طابعاً سياسياً وأمنياً خطيراً على الحدث؛ كشفت مصادر أمنية وقبلية لـ”يمن مونيتور” عن سردية مغايرة للرواية الرسمية.
وتفيد هذه المصادر بأن الاشتباكات اندلعت في الأصل بين مسلحين قبليين استحدثوا نقطة تفتيش وقوات تابعة للواء الرابع مشاة جبلي، وتصادف مرور الموكب الحكومي مع لحظة الانفجار وتبادل النيران، وهو ما يعني أن المحافظ لم يكن الهدف المباشر للكمين.
هذه الرواية عززها تراجع نائب رئيس لجنة التشاور والمصالحة، عبدالملك المخلافي، عن تبني الرواية الرسمية الأولى، مؤكداً –بناءً على معلوماته– أن الحادثة ذات طابع جنائي وقبلي بحت، وليست عملية اغتيال سياسي.
جذور التوتر.. دماء لم تجف وحسابات قبلية
تعود جذور هذا التوتر المتصاعد إلى ما قبل ثلاثة أشهر، حين قُتل الشاب “وائل وديع المقطري”، في حادثة توجه فيها أصابع الاتهام إلى “علوي الجبولي”، شقيق قائد محور طور الباحة اللواء أبوبكر الجبولي.
وقد شكل هذا الملف نقطة الارتكاز في الأزمة الحالية، حيث ترى قبائل المقاطرة أن الإجراءات القانونية تعطلت بفعل النفوذ العسكري، وأن الجاني يحتمي بسلطة شقيقه العسكرية بدلاً من المثول أمام القضاء.
تسبب رفض تسليم المتهم للنيابة في احتقان شعبي واسع، تحول تدريجياً إلى مواقف عدائية تجاه تحركات قوات المحور في أراضي المقاطرة.
وبحسب مصادر قبلية، فإن السكان باتوا ينظرون إلى التحركات العسكرية الأخيرة ليس بصفتها إجراءات لفرض الأمن، بل كنوع من “الحماية للنفوذ العائلي” واستعراض القوة على حساب العدالة، مما حول “الموكب الرسمي” في نظر بعض المسلحين القبليين إلى هدف مشروع في سياق صراع الثأر ومحاولات فرض الأمر الواقع بقوة السلاح.
عسكرة “شريان الحياة” ونفير القبائل
عقب الحادثة مباشرة، لم تتجه الأمور نحو التهدئة واحتواء الموقف، بل انزلقت نحو تصعيد عسكري خطير يهدد بإغلاق المنفذ الوحيد لمدينة تعز. حيث أكدت مصادر محلية لـ”يمن مونيتور” أن قيادة محور طور الباحة دفعت بتعزيزات عسكرية ضخمة إلى “سائلة المقاطرة” ومرتفعات “نجد البرد”، فارضةً حصاراً خانقاً على القرى السكنية لليوم الرابع على التوالي، ترافقت مع عمليات مداهمة للمنازل واقتحامات بهدف الضغط لتسليم المتهمين باستهداف الموكب.
هذا السلوك العسكري قوبل بنفير قبلي واسع وموقف حاد من وجهاء المنطقة؛ حيث أصدرت قبائل المقاطرة بياناً شديد اللهجة في 25 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، معلنة أن “صبرها قد نفد” بعد استنفاد كل سبل المناشدة.
وهددت القبائل في بيانها بـ”استنفار شامل” للدفاع عن النفس والأرض والعرض في حال استمر ما وصفته بـ”التنكيل واستحلال الحرمات”، وهو ما ينذر بحرب شوارع قد تأكل الأخضر واليابس، وتدخل المنطقة في دوامة عنف لا تحمد عقباها.
أبعاد سياسية تتجاوز الثأر
لا يمكن قراءة ما يحدث في المقاطرة وطور الباحة بمعزل عن خارطة التوازنات المعقدة داخل المعسكر المناهض للحوثيين، والصراع الخفي بين مكونات “الشرعية”. فبحسب مصادر مطلعة، فإن توقيت الحادثة يثير الريبة، خاصة وأن زيارة المحافظ واللواء الجبولي إلى عدن كانت تهدف لتسليم ملفات حساسة وشديدة الأهمية تتعلق بضبط الخلية المتورطة في اغتيال المسؤول الأممي “مؤيد حميدي”، وهو ملف يمثل “نجاحاً أمنياً” نادراً لمحور طور الباحة وتعز.
ولذا ترى المصادر أن استهداف الموكب وإشعال الفتيل القبلي قد يُقرأ كمحاولة لخلط الأوراق وإفشال هذا الإنجاز الأمني، أو إعاقة وصول النتائج للقيادة العليا.
وعلى صعيد آخر، يظهر بوضوح حجم الاستقطاب السياسي والإعلامي المصاحب للأزمة؛ حيث تشير المصادر إلى حملات تحريض متبادلة وتوظيف للحدث لتصفية حسابات سياسية.
وقال مصدر قبلي لـ”يمن مونيتور” مطلع على التفاصيل إنه لا يمكن فصل ما يحدث في “المقاطرة” عما يحدث من تحريض ضد مدينة تعز ومحاولة السيطرة عليها، وهو الذي حدث سابقاً في مديرية الشماتين ومديرية الوازعية.
وقال المصدر: ما يحدث لا يمكن فصله عمّا يحدث في تعز، هناك اشتغال سياسي وإعلامي، وتحريض كبير، ضد اللواء الرابع، طبعاً محور طور الباحة بشكل عام والحملة المشتركة لهم نجاحات أمنية كبيرة، خاصة في تفكيك خلايا إرهابية أبرزها خلايا أمجد خالد..
وأضاف: الشمايتين والمقاطرة تأتي ضمن منطقة جميع الأطراف يسعون للسيطرة عليها، ولعلكم لاحظتم الحملة المضادة، فمثلا حزب الناصري احتشد جميعه في هذه القضية، من كل المحافظات حتى أولئك في مناطق سيطرة الحوثيين، وإعلام عضو مجلس الرئاسة طارق صالح، وكله يصب في استهداف تعز والذي مستمر منذ أشهر.
وأشار مصدر عسكري مرتبط بالحملة العسكرية أن “قيادات الحملة أكدت أنها لن تتراجع حتى ضبط جميع المطلوبين، ممن بقيوا في المنطقة، ومنع أي تهريب لهم، إلى مناطق سيطرة الحوثيين، خصوصا بعد فرار أحد المطلوبين الرئيسين”.
وفي خضم هذا المشهد، يقود القيادي في ألوية العمالقة، حمدي شكري، وساطة عسكرية وقبلية معقدة لتهدئة الموقف، مستنداً إلى نفوذه في مناطق الصبيحة، في محاولة لمنع انزلاق الأمور إلى صراع مناطقي “صبيحي-مقطري”، نظراً لأن قتلى اللواء الرابع ينتمون لقبائل الصبيحة.
تحدثت المصادر لـ”يمن مونيتور” شريطة عدم الكشف عن هويتها لأنها غير مخولة بالحديث لوسائل الإعلام ولحساسية الموضوع.
كلفة الصراع ومساعي الاحتواء
وسط دوي الرصاص وهدير الأطقم العسكرية، يدفع المواطن البسيط الثمن الأكبر. حيث يرى المحلل السياسي عبدالواسع الفاتكي أن الطريق الذي يمثل “رئة تعز” تحول إلى ورقة ابتزاز سياسي واقتصادي، وأن إغلاقه أو عسكرته يعني حكماً بالإعدام البطيء على مدينة تعز عبر منع وصول إمدادات الغاز والغذاء والدواء.
ويحذر الفاتكي من أن استمرار هذا الوضع ينذر بـ”انهيار إنساني واقتصادي” شامل، قد يولد فوضى عارمة تأكل ما تبقى من هيبة لمؤسسات الدولة.
وفي محاولة لتدارك الموقف، وجه رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، ووزير الدفاع بتشكيل لجنة تحقيق عليا برئاسة اللواء يوسف الشراجي، بدأت مهامها فعلياً لفك طلاسم الحادثة.
ومع ذلك، ترى عضو لجنة التشاور والمصالحة، ألفت الدبعي، أن الحلول الترقيعية لم تعد مجدية، وأن المخرج الوحيد يكمن في تسليم المنطقة لـ”قوات محايدة”، مشيرة بوضوح إلى فشل القوات الحالية في كسب الحاضنة الشعبية وتحولها إلى طرف في النزاع بدلاً من كونها مظلة حامية للدولة والقانون.
يُعد محور طور الباحة العسكري تشكيلاً عسكرياً يتبع وزارة الدفاع اليمنية، ويتمركز في مديرية طور الباحة بمحافظة لحج، وهي أكبر مديريات المحافظة مساحة وأهمية. تكتسب المنطقة أهميتها الجيوسياسية القصوى من كونها الممر البري الوحيد والآمن نسبياً الذي يربط محافظة تعز المحاصرة من قبل الحوثيين بالعاصمة المؤقتة عدن.
وتتسم هذه الجغرافيا بتعقيد شديد، حيث تتداخل فيها مناطق نفوذ قوى متعددة: قوات المجلس الانتقالي (الحزام الأمني) جنوباً وشرقاً، قوات درع الوطن (المدعومة سعودياً)، وألوية العمالقة غرباً، بالإضافة إلى القوات الحكومية التقليدية. هذا التداخل العسكري في مساحة جغرافية ضيقة ذات طابع قبلي حساس، يجعل من أي احتكاك أمني بسيط مشروع أزمة كبرى قد تتمدد لتشمل المناطق المحررة بأكلمها. بأكمله.
The post كمين المحافظ أم ثأر القبيلة؟.. تفاصيل “معركة الطريق” التي تخنق شريان تعز الوحيد appeared first on يمن مونيتور.