
بدأت جولات تفاوض بين الحكومة السورية من جهة، و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) من جهة ثانية، من أجل تنفيذ مضامين اتفاق وُقّع أخيراً بين الطرفين في دمشق، بهدف دمج هذه القوات في المنظومة العسكرية للبلاد، واستعادة الدولة السيطرة على الشمال الشرقي من سورية. فقد عُقدت أولى جولات التفاوض، أمس الأول الأربعاء، بحضور قائد "قسد" مظلوم عبدي، ومسؤولين أميركيين، في القاعدة العسكرية بمدينة الشدادي بريف الحسكة. وبحسب مصادر مطلعة، عقدت ثلاث جلسات خلال الجولة الأولى من مفاوضات دمشق و"قسد" منها جلسة بين الوفد الحكومي وفريق أميركي، من دون مشاركة ممثلين عن "قسد". وأشارت المصادر نفسها إلى أن الفريق الأميركي ذكر لوفد الحكومة السورية أنهم متعاونون (الجانب الأميركي) بأعلى المستويات لإحلال السلام على الأراضي السورية، وطالب الوفد "قسد" بتعزيز العلاقات مع الحكومة السورية.
من جهته أوضح رئيس اللجنة الحكومية المكلّفة بالتفاوض، حسين السلامة، في تصريحات لـ"تلفزيون سوريا"، مساء أمس الأول، أن "النقاش جرى من منطلق المسؤولية الوطنية، وبإرادة مشتركة تهدف إلى وحدة الأراضي السورية وتشمل جميع المكونات من دون إقصاء أحد". وأضاف: "اتفقنا خلال الاجتماع الأولى على تشكيل لجان عمل متناظرة تخصصية، ستبدأ عملها بداية شهر إبريل/نيسان المقبل"، موضحاً أن عملها سينحصر على "تقريب وجهات النظر وإعداد خريطة طريق لتوحيد الأراضي السورية".
لجان عمل تخصصية، ستبدأ عملها بداية شهر إبريل/نيسان المقبل
في السياق، ذكرت "قسد" في بيان، أمس الأول، أنه "جرى تداول للآراء خلال الاجتماع"، مشيرة إلى أنه تم التطرق خلال الاجتماع للإعلان الدستوري (وقّعه الرئيس السوري أحمد الشرع يوم 13 مارس/ آذار الحالي) والحاجة لعدم إقصاء أي مكون سوري من لعب دوره والمشاركة في رسم مستقبل سورية وكتابة دستور". وكان الرئيس السوري أحمد الشرع، قد وقّع في دمشق يوم 10 مارس/ آذار الحالي، اتفاقاً مع قائد "قسد"، مظلوم عبدي، نصّ على وحدة الأراضي السورية ورفض التقسيم، وعلى وقف إطلاق النار في كافة الأراضي السورية. كما أكد الاتفاق أن "المجتمع الكردي أصيل في الدولة وحقه مضمون في المواطنة والدستور". ونص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية شمال شرقي سورية التابعة لـ"قسد"، ضمن إدارة الدولة السورية.
نزع هذا الاتفاق مع "قسد" فتيل توتر على الساحة السورية منذ سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وقطع الطريق أمام صدام عسكري كان يخشى منه السوريون لحسم مصير الشمال الشرقي من سورية، الغني بالثروتين الزراعية والنفطية. تعاطت الإدارة الجديدة في سورية مع ملف الشمال الشرقي بالكثير من "الهدوء" لتجنيب البلاد دورة عنف جديدة يمكن أن تجر البلاد إلى صدام واسع النطاق على أساس عرقي. واتفق الطرفان، أي الرئاسة السورية وقوات قسد، على الخطوط العريضة، والمبادئ العامة للاتفاق، إلا أن هناك الكثير من التفاصيل التي ربما ستتطلب جولات كثيرة من التفاوض لحسمها، خصوصاً لجهة الوضع النهائي لقوات قسد التي تطالب بدخول الجيش السوري كتلةً واحدة وبقائها الجهة المسيطرة على الشمال الشرقي من سورية.
ملف المقاتلين الأجانب
في المقابل، تصر الإدارة السورية على دخول إفرادي لعناصر هذه القوات التي تسيطر عليها "وحدات حماية الشعب" الكردية، والتي يُنظر إليها على أنها الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني، والذي ما تزال كوادره تتحكم بالكثير من مفاصل القرار في شمال شرقي سورية. وربما سيكون ملف المقاتلين الأجانب في صفوف "قسد" والمنتمين إلى "العمال الكردستاني"، معضلة أمام إنجاز اتفاق نهائي بين دمشق و"قسد". فقد أكد قياديون في تلك القوات، بمن فيهم مظلوم عبدي، أن هؤلاء المقاتلين سيغادرون سورية في حال إتمام الاتفاق مع دمشق. ولا معلومات وإحصائيات يمكن الركون إليها عن عدد المسلحين الأجانب في صفوف "قسد"، إلا أن تقارير إعلامية تتحدث عن ثلاثة آلاف عنصر من أكراد العراق وتركيا وإيران، دخلوا سورية على مراحل. وتصر الإدارة السورية على خروج هؤلاء المسلحين من الأراضي السورية لتفادي تهديدات تركية بالتدخل العسكري في الشمال السوري لإجبار "قسد" على تسليم السلاح.
وقد زوّد التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة "قسد" بأسلحة نوعية خلال الحرب التي خاضتها هذه القوات ضد تنظيم داعش منذ تأسيسها في عام 2015، وصولاً إلى مطلع عام 2019، حين أُعلن عن هزيمة التنظيم في منطقة شرقي نهر الفرات. ومن المرجّح أن يكون مصير هذا السلاح، خصوصاً الثقيل منه من المسائل التي ستطيل عمر المفاوضات، لا سيما أن "قسد" تريد الاحتفاظ بسلاحها. وكان الاتفاق الذي أبرم بين الرئاسة السورية و"قسد" قد نصّ أيضاً على "دعم الدولة السورية في مكافحتها فلول الأسد، وكافة التهديدات التي تهدد أمنها ووحدتها"، لذا من المتوقع أن تُسند إلى "قسد" مهام من وزارة الدفاع السورية خارج الشمال الشرقي من سورية، في حال التوصل لآليات تنفيذ الاتفاق. ورغم أن الاتفاق بين دمشق و"قسد" ذو طابع عسكري، إلا أنه من المتوقع أن تحاول هذه القوات ربط تنفيذ الاتفاق بالحصول على مكاسب سياسية للأكراد السوريين، في الدستور الدائم الذي من المفترض إنجازه في منتصف المرحلة الانتقالية والمقدرة بنحو خمس سنوات.
إبراهيم مسلم: خطاب الكراهية تجاه الأكراد في سورية سيكون إحدى العراقيل أمام الاتفاق
عراقيل أمام اتفاق دمشق و"قسد"
رأى المحلل السياسي المقرب من الإدارة الذاتية (شمال شرقي سورية)، إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هناك عراقيل أمام تنفيذ الاتفاق الذي وُقّع بين الشرع وعبدي "منها القصف المتكرر من قبل الجانب التركي على الشمال السوري وعدم اتخاذ الإدارة الجديدة موقفاً رافضاً لهذا القصف الذي يفضي إلى مقتل مدنيين". وبرأيه "هناك خطاب كراهية تجاه الأكراد في سورية، أعتقد أنه سيكون إحدى العراقيل أمام الاتفاق"، مضيفاً أن "قسد قدمت تنازلات من أجل الاتفاق، ولكن تنفيذه يحتاج إلى وقت، فالأمر مرتبط بالظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالملف السوري".
بسام السليمان: الاتفاق كان على المبادئ والأمر يحتاج إلى الكثير من الحوار
وفي السياق، رأى المحلل السياسي بسام السليمان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "أصعب القضايا كما يبدو لي هي دمج قوات قسد في الجيش السوري الجديد". وباعتقاده فإن "ملف الإدارة الذاتية التي شكلتها قسد سيكون من القضايا الصعبة، خصوصاً أن لدى هذه الإدارة نحو 150 ألف موظف يجب دمجهم في مؤسسات الدولة". كما اعتبر أن ملف "داعش" ومواجهته، فضلاً عن إدارة السجون التي تضم أسرى التنظيم سيكون حاضراً بقوة على طاولة التفاوض بين دمشق و"قسد". وبرأيه فإن "الحضور الأميركي في هذا الملف سيظل موجوداً ريثما ينتهي ملف التنظيم بشكل كامل، سواء أنجز اتفاق بين دمشق وقسد أو لم ينجز". وتوقع السليمان أن يكون مسار التفاوض طويلاً بين الطرفين، موضحاً أن "اتفاق دمشق كان اتفاقاً على المبادئ"، والأمر "يحتاج إلى الكثير من الحوار وخطوات بناء الثقة المتبادلة".

Related News


