العشر الأواخر من رمضان: مفتاح الغفران وكنز العبادة
Party
1 week ago
share

الرشـــــــــــاد برس | تقاريـــــــــــــــر

تبدأُ اليوم أولُ أيامِ العشرِ الأواخرِ من رمضان، التي كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يخصُّها باجتهادٍ أكبر، حيث كان يشدُّ مئزره، ويوقظُ أهله، ويحيي ليله. فقد ورد في الحديث المتفق عليه عن عائشةَ رضي الله عنها: “كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان، شدَّ مئزره، وأيقظَ أهله، وأحيا ليله”. ويُعدُّ شدُّ المئزر كنايةً عن مضاعفةِ الجهدِ في العبادة، واعتزالِ النساءِ، بينما إيقاظُ الأهلِ يعني إشراكَ الزوجةِ والأبناءِ في الطاعاتِ خلالَ هذه الأيامِ المباركةِ. أما إحياءُ الليلِ، فيعني قيامَ أغلبهِ وتقليلَ ساعاتِ النومِ فيه، مما يعكسُ أهميةَ هذه الأيامِ في حياةِ المسلمِ.
فضلها ومكانتها
العشرُ الأواخرُ من رمضان لها مزايا تفضِّلُها على غيرها من ليالي العام، وذلك أنها الليالي التي كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يحييها كلها بالعبادة، وفيها ليلةُ القدرِ التي هي “خيرٌ من ألفِ شهرٍ”.
فقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يخصُّ العشرَ الأواخرَ بعنايةٍ واجتهادٍ كبيرين، ويجتهدُ فيها ما لا يجتهدُ في غيرها من العبادةِ والحرصِ على فعلِ الخيرِ.

فيستحبُّ للمسلمِ أن يحققَ في هذه العشرِ مفهومَ العبوديةِ للهِ عزَّ وجلَّ في حياته العامة والخاصة، وأن يركزَ على تزكيةِ نفسهِ وإصلاحِ قلبهِ والتزودِ بالخيراتِ.

أعمالُ العشرِ

تُشرعُ للمسلمِ في العشرِ الأواخرِ من رمضان طائفةٌ من أعمالِ البرِّ، من أهمها:

الاعتكاف: وهو عبادةٌ من أجلِّ الأعمالِ الصالحةِ المستحبةِ في العشرِ الأواخرِ، فقد صحَّ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه “كان يعتكفُ العشرَ الأواخرَ من رمضانَ حتى توفاهُ اللهُ”.

تلاوةُ القرآن: فرمضانُ هو شهرُ القرآنِ والإكثارُ من قراءتهِ بتدبرٍ وخشوعٍ، قال تعالى: “شهرُ رمضانَ الذي أُنزلَ فيهِ القرآنُ هدىً للناسِ وبيناتٍ من الهدى والفرقانِ”، فينبغي استغلالُ أوقاتِه، لا سيما عشره الأخيرةِ، في التفرغِ لمدارستهِ ومذاكرتهِ. وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدارسهُ جبريلُ عليه السلامُ القرآنَ في كلِّ يومٍ من أيامِ رمضانَ.

الإنفاقُ في سبيلِ اللهِ: فيستحبُّ الإكثارُ من الصدقةِ في رمضانَ عامةً وفي العشرِ الأواخرِ منه خاصةً في غيرِ سرفٍ ولا خيلاءَ، إذ ثبتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه “كان أجودَ الناسِ بالخيرِ، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضانَ”.

سرُّ الاجتهادِ في العشرِ الأواخرِ

يعودُ اجتهادُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في العشرِ الأواخرِ إلى سببينِ رئيسيينِ: الأولُ هو وجودُ ليلةِ القدرِ فيها، التي ورد في الحديثِ الصحيحِ عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: “التمسوها في العشرِ الأواخرِ من رمضانَ” (رواه البخاري). ومن تأملَ في الأحاديثِ التي تتحدثُ عن فضلِ شهرِ رمضانَ، سيكتشفُ أنَّ ليلةَ القدرِ تعدلُ صيامَ رمضانَ وقيامه، حيث قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: “من قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفرَ له ما تقدَّمَ من ذنبهِ” (رواه البخاري)، وأيضًا: “من صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفرَ له ما تقدَّمَ من ذنبهِ، ومن قامَ ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفرَ له ما تقدَّمَ من ذنبهِ” (رواه البخاري).

أما السببُ الثاني فيتمثلُ في أنها خاتمةُ الشهرِ المباركِ، والأعمالُ بالخواتيمِ كما ورد في الحديثِ الشريفِ. وكما قال ابنُ تيميةَ: “العبرةُ بكمالِ النهاياتِ لا بنقصانِ البداياتِ”، ما يعني أن من قصرَ أو فرَّطَ في العشرينِ الأولِ من رمضانَ، أمامهُ الفرصةُ لاستدراكِ ذلك في العشرِ الأواخرِ، ومضاعفةِ الجهودِ في السعيِ إلى الخيراتِ.

تحري ليلةِ القدرِ

إن من أبرزِ ما يميزُ العشرَ الأواخرَ من رمضان هو تحري ليلةِ القدرِ، التي هي خيرٌ من ألفِ شهرٍ، كما ورد في سورةِ القدرِ. فقد كان الصحابةُ وأئمةُ السلفِ يخصصونَ هذه الليالي للعبادةِ والتهجدِ، وكانوا يحرصونَ على أن تكونَ عبادتهم فيها طاهرةً ونقيةً. وقد أثبتت السنةُ فضلَها في حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه، حيث قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: “فيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ” (رواه النسائي وأحمد).

لماذا سميت ليلة القدر؟

تعددت أقوالُ العلماءِ حول سببِ تسميةِ ليلةِ القدرِ بهذا الاسم، وأحدُ الأقوالِ هو أنها سميت بذلك لأن اللهَ يقدرُ فيها ما سيكونُ من أحداثٍ، من رزقٍ وأجلٍ. وقال بعضهم: “لأن من يعبدهُ في تلكَ الليلةِ يُرفعُ قدرهُ عند اللهِ”. كما أن الكثرةَ العظيمةَ من الملائكةِ التي تتنزلُ فيها قد تجعلُ الأرضَ تضيقُ عليهم، فتسميتها تعكسُ عظمتها.

أي ليلةٍ هي ليلةُ القدر؟

العديدُ من الأحاديثِ الصحيحةِ تشيرُ إلى أن ليلةَ القدرِ توجدُ في العشرِ الأواخرِ من رمضان، وفي الليالي الوتريةِ منها. وقد رجحَ العلماءُ أن ليلةَ القدرِ هي ليلةُ السابعِ والعشرينِ، بناءً على ما ورد عن الصحابةِ وأئمةِ السلفِ من اجتهاداتهم في تحري هذه الليلةِ. لكن مع ذلك، يبقى التحريُ عنها في الليالي الوتريةِ من العشرِ الأواخرِ أمرًا مستحبًا، كي لا يقتصرَ المسلمُ على اجتهادٍ في ليلةٍ واحدةٍ.

ختامًا، فإن العشرَ الأواخرَ من رمضان هي فرصةٌ عظيمةٌ لكلِّ مسلمٍ لتجديدِ إيمانهِ، وتطهيرِ قلبهِ، وطلبِ العفوِ والغفرانِ من اللهِ. في هذه الأيامِ المباركةِ، يجبُ على المسلمِ أن يسعى بكلِّ جدٍّ واجتهادٍ لاستثمارِ كلِّ لحظةٍ بالطاعاتِ، واغتنامِ كلِّ فرصةٍ ليتقربَ إلى اللهِ.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows