تحرر ألمانيا من كوابح الدين لإطلاق الماكينة الألمانية
Arab
5 hours ago
share

خطت ألمانيا، أمس الثلاثاء، خطوة تاريخية نحو تجاوز قيود الدين العام، لتأمين مبالغ ضخمة للتسلح ومشاريع تحديث البنى التحتية ودعم أوكرانيا. وتطلب تجاوز محددات الدين، التي كانت تفرض سقفًا عند 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، تعديلاً دستورياً، نجح المستشار القادم فريدريش ميرز في تأمينه عبر تصويت تحالفه مع "الاتحاد المسيحي الديمقراطي" و"الاشتراكي الديمقراطي" و"الخضر"، لضمان أغلبية الثلثين في البرلمان الألماني (البوندستاغ) الحالي، قبل انعقاد البرلمان الجديد يوم 25 من الشهر الجاري.

ووصفت جلسة التصويت مساء أمس بأنها تمثل تراجعاً من المستشار المحافظ ميرز وحزبه "الديمقراطي المسيحي" (الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاجتماعي البافاري) عن تعهدات سابقة بعدم المساس بنظام كوابح الديون أو تجاوزه، مخالفًا بذلك وعوده الانتخابية التي سبقت فوز المحافظين في 23 فبراير/ شباط الماضي. ورغم معارضة أحزاب أخرى من اليسار إلى أقصى اليمين، وتهديدها باللجوء إلى المحكمة الدستورية، إلا أن قرار الأخيرة برفض الشكاوى سمح بتمرير التعديل، بدعم المحافظين ويسار الوسط والخضر.

ويتيح التعديل الدستوري الجديد إلغاء السقف السابق للدين، الذي كان معمولًا به بموجب تعديل دستوري سابق دفعته المستشارة المحافظة السابقة، أنجيلا ميركل، عام 2009 عقب الأزمة المالية العالمية. وكان التعديل ينص على عدم تخطي الدين نسبة 0.35% من الناتج المحلي الإجمالي، مع إلزام الحكومة بإنفاق المبلغ المخصص خلال عام واحد فقط من إقراره.

وسيُخصَّص ما يقارب ألف مليار يورو خلال الاثني عشر عامًا المقبلة، منها 500 مليار يورو، لصندوق إصلاح البنية التحتية في ألمانيا، تلبية لرغبة الحزب الاشتراكي الديمقراطي (يسار وسط)، الذي يُتوقع أن يدخل ميرز في ائتلاف حكومي معه، وسيُسمح أيضاً للولايات الألمانية بتسهيل عملية الاقتراض. ولضمان دعم "الخضر" للتعديل الدستوري، قُدم وعد للحزب بتخصيص نحو 100 مليار يورو لقضايا المناخ، بعدما كان المحافظون يصرّون على تخصيص 50 مليار يورو فقط، قبل أن يتراجعوا أمام مطالب الخضر.

وتواجه برلين تحديات جمّة، وستخصص مبالغ ضخمة لتحديث بنيتها العسكرية والدفاعية "بدون سقف"، وفقًا لتصريحات ميرز ومعسكره البافاري في "الاجتماعي المسيحي". ويدافع ميرز عن الإنفاق الضخم على الدفاع باعتباره ضرورة في ضوء التهديدات التي تواجه القارة الأوروبية، مشيرًا إلى أن الدفاع يجب أن يكون "مهما كلف الأمر".

وعكس تدهور العلاقات عبر الأطلسي مع الحليف الأميركي، كما تصريحات ميرز حول ضرورة "التحدث عن الفيل في الغرفة"، في وصفه للعلاقات المتوترة مع الرئيس الأميركي، موقفًا متشددًا تجاه الحروب التجارية التي يخوضها ترامب، والتي يقابلها ميرز بسياسة مواجهة واضحة.

ويؤكد المستشار القادم أن تخصيص الأموال للتسلح وتحديث البنية الدفاعية يمثل "إشارة واضحة إلى أن أوروبا بدأت تاريخًا جديدًا"، مشددًا على أن "ألمانيا عادت"، في إشارة إلى أن برلين كانت بطيئة ومترددة خلال السنوات الخمس عشرة الماضية. وبذلك يعزز هذا التوجه من موقف الاتحاد الأوروبي في ظل تراجع الثقة بالعلاقة مع واشنطن، في وقت تعتبر فيه ألمانيا حجر الزاوية في اقتصاد القارة العجوز.

ويمثل تجاوز ألمانيا لكوابح الديون خطوة محورية في السياق الأوروبي، كونه يسمح للاقتصاد الأكبر في التكتل بتوسيع نطاق الإنفاق، ولا سيما في دعم أوكرانيا، التي أشار ميرز إليها ضمن أولويات بلاده لمساعدة الدول التي تتعرض لانتهاكات لسيادتها. ويتيح القرار لألمانيا الاقتراض بحرية لتغطية الإنفاق الدفاعي "بحسب الحاجة"، فضلاً عن فتح الباب أمام الولايات الألمانية للاستدانة وتنفيذ خطط اقتصادية لم تكن ممكنة سابقاً.

وتشير الأغلبية التي أيّدت التعديل إلى حاجة ألمانيا إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية خلال العقد المقبل، تشمل المدارس ورياض الأطفال والطرق والجسور والمستشفيات والسكك الحديدية ومشاريع الطاقة والتحول الرقمي. كما يحقق هذا التحرك جزءًا من وعود المستشار الحالي أولاف شولتز الذي خسر الانتخابات الأخيرة، ويُتوقع أن يكون جزءًا من حكومة يقودها المحافظ ميرز.

وبكل الأحوال، يُعد التعديل الذي تم تبنيه في البرلمان الاتحادي الألماني "نقطة تحول" (Zweitenwende)، وفق التعبير السياسي في برلين، تعكس تصاعد التوتر في العلاقات مع واشنطن، ولا سيما الحروب التجارية، وانعدام الثقة تجاه التحالف عبر الأطلسي، والاختلاف في قراءة المخاطر الروسية بين أوروبا والولايات المتحدة، وهو ما لعب دورًا في تغيير مواقف المحافظين وميرز شخصيًّا من كوابح الدين. كما أن تخفيف ألمانيا لقيود الدين يمنح اقتصادها فرصة للخروج من حالة الركود التي يعيشها منذ عام 2018، وهو ما قد ينعكس إيجابًا على اقتصاد منطقة اليورو بأكملها. 

وفي حين انخفض مؤشر "ستاندرد آند بورز" الأميركي بنسبة 4% منذ تنصيب ترامب، سجل مؤشر "داكس" الألماني ارتفاعًا بنسبة 17%، إذ كلما ارتفعت أسهم الشركات الألمانية، خاصة في قطاعات الطاقة، والدفاع، والبناء، والتمويل، زادت قدراتها الاستثمارية المستقبلية. 

ببساطة، يبدو أن "الآلة الألمانية" بدأت الانطلاق من جديد، مدفوعة بعوامل متعددة، من بينها "عامل ترامب"، لتشهد البلاد تكاملاً بين المسار الاقتصادي والعسكري، في صالح القارة الأوروبية كلها، وهو ما يفتح المجال أمام الاتحاد الأوروبي لاعتماد حلول مستقلة في مواجهة التحديات، بما في ذلك الاقتراض المشترك لتحمّل أعباء الحرب في أوكرانيا، وسواها من الملفات الاستراتيجية التي تؤثر في مستقبل التكتل.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows