سورية في مهبِّ الصراعات
Arab
6 hours ago
share

منذ العصور القديمة، كانت سورية نقطة التقاء الحضارات وساحةً للصراعات الإقليمية والدولية، لكن النزاع الذي شهدته البلاد في السنوات الأخيرة تجاوز مجرّد صراع داخلي ليصبح ساحة لحرب نفوذ بين القوى الكبرى. اليوم، وبعد أكثر من عقد من الحرب، لا تزال سورية تواجه تحديات معقّدة تهدّد وحدتها، حيث تتقاطع الطموحات الدولية مع الانقسامات الداخلية، بينما تحاول الحكومة السورية التعامل مع هذه التحديات في ظلّ ظروف استثنائية. 

الواقع الداخلي: انقسامات وتحديات أمنية 

تعاني سورية من تحديات داخلية مُتشابكة، حيث لا يزال بعض الفصائل المسلّحة يفرض سيطرتها على أجزاء من البلاد. في الجنوب، تشهد درعا هجمات متكرّرةً من مجموعاتٍ مسلّحة، في حين أنّ منطقة الساحل لا تزال تشهد نشاطاً لبعض العناصر التي كانت تُدين بالولاء للنظام السابق. إلى جانب ذلك، تبقى منطقة شرق الفرات خارج سيطرة الدولة، حيث تفرض "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) نفوذها بدعم أميركي، ممّا يعقّد إمكانية استعادة الدولة السورية سيادتها الكاملة. 

من ناحية أخرى، تواجه الحكومة السورية تحديات هائلة لإعادة الاستقرار في المناطق التي استعادت السيطرة عليها، خاصة في ظلّ تدهور الاقتصاد والعقوبات المفروضة. ورغم هذه التحديات، تعمل دمشق على إعادة تأهيل البنية التحتية وإعادة الخدمات الأساسية في العديد من المدن، إضافة إلى إطلاق عمليات مصالحة محلية تهدف إلى استيعاب المسلحين السابقين وضمان استقرار المناطق التي شهدت معارك دامية. 

التدخلات الخارجية: صراع نفوذ مستمر 

على المستوى الدولي، لا تزال سورية ساحة مفتوحة لصراع المصالح بين القوى الكبرى. إسرائيل صعّدت من ضرباتها الجوية على مواقع عسكرية سورية وإيرانية، مبرّرة ذلك بمواجهة "التموضع الإيراني"، بينما أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ تل أبيب "لن تسمح بوجود تهديد إيراني على حدودها الشمالية"، في إشارة إلى استمرار العمليات العسكرية داخل الأراضي السورية. 

لا تزال سورية ساحة مفتوحة لصراع المصالح بين القوى الكبرى

الولايات المتحدة، من جهتها، تواصل دعم "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في الشمال الشرقي، إذ توجد القواعد العسكرية الأميركية بالقرب من منابع النفط. وزير الخارجية الأميركي السابق، مايك بومبيو، صرّح بأن "الوجود الأميركي في سورية ضروري لمنع عودة داعش ولمواجهة النفوذ الإيراني"، وهو ما يعكس استمرار السياسة الأميركية في استخدام سورية كأداة لممارسة الضغط على طهران. 

أما تركيا فهي تلعب دوراً رئيسياً في الشمال السوري، حيث لا تزال قواتها تسيطر على مناطق واسعة، وقد صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنّ بلاده "لن تسمح بقيام كيان إرهابي" على حدودها، في إشارة إلى القوات الكردية التي تعتبرها أنقرة تهديداً مباشراً لأمنها القومي. 

أما إيران، فقد تكبّدت خسائر كبيرة بعد تراجع نفوذها في سورية، لكنها لا تزال تدعم مجموعات مسلّحة موالية لها، وتسعى للحفاظ على نفوذها عبر تحالفات داخلية، رغم الضغوط الدولية والإسرائيلية المتزايدة. 

استمرار السياسة الأميركية في استخدام سورية كأداة لممارسة الضغط على طهران

 إلى أين تتجه سورية؟ 

رغم التحديات الداخلية والتدخلات الخارجية، لا تزال الحكومة السورية متمسّكة بموقفها الرافض لأيّ تسويات تفرضها القوى الخارجية. ومع استمرار الحراك الروسي والإيراني، يبدو أنّ دمشق تعتمد على استراتيجياتٍ متعدّدة لاستعادة السيطرة الكاملة، بما في ذلك الحلول العسكرية والمفاوضات السياسية والمبادرات الاقتصادية، رغم أنّ الطريق لا يزال طويلاً وصعبًا. 

يبقى السؤال الأهم: هل تنجح سورية في تجاوز هذه المرحلة الصعبة، أم إنّ البلاد ستظل ساحة لصراع إقليمي ودولي لا نهاية له؟

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows