
وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي انتقادات مباشرة لبرامج ومسلسلات تعرض خلال شهر رمضان الحالي، وطالب صنّاع الأعمال الفنية بـ"ألا يرعوا الغث والهزل فقط" و"التفتيش عن الصالح"، مما أدى إلى استنفار داخل الأجهزة الرقابية لرصد ما تعرضه القنوات المصرية والسعودية، وفقاً لما علمه "العربي الجديد".
وجاء كلام السيسي خلال الإفطار السنوي للقوات المسلحة المصرية، الاثنين الماضي، وانتقد فيه العنف والسخرية من الآخرين والمحتوى الذي لا يعكس قيم المجتمع المصري، ما اعتبره المتابعون إشارة إلى برنامج "رامز إيلون مصر" الذي يقدمه الممثل رامز جلال على قناة "إم بي سي" السعودية ومنصتها شاهد، وكذلك المسلسلات التي تعرضها "إم بي سي" و"شاهد"، وبينها "العتاولة 2" و"سيد الناس" و"إش إش".
في المقابل، أشاد السيسي ببعض الأعمال التي تعرضها القنوات المصرية، وكذلك برنامج "قطايف" الذي يبث على "يوتيوب" ويقدمه الممثل سامح حسين الذين كان حاضراً. كما وجه حديثه إلى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، مطالباً بضخ مزيد من الاستثمارات في قطاع الدراما، في إشارة إلى ضرورة تعزيز المحتوى الفني المحلي الذي تسيطر عليه شركة المتحدة للخدمات الإعلامية، المنتجة لمعظم الأعمال المصرية.
وعلم "العربي الجديد" أن تصريحات السيسي أدت إلى استنفار داخل الأجهزة الرقابية، فبدأ المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بإعداد تقرير موسع يرصد بالتفصيل المحتوى الفني المعروض على القنوات المصرية والسعودية. في الوقت نفسه، أكدت مصادر داخل شركة المتحدة للخدمات الإعلامية أن المسؤولين عن الإنتاج كانوا على دراية بتوجهات الدولة، وحرصوا على الابتعاد عن المحتوى "غير المناسب"، مع التركيز على إبراز مجهودات الدولة في مختلف القطاعات.
وفي خطوة تعكس استجابة سريعة لانتقادات الرئيس عبد الفتاح السيسي للأعمال الفنية المقدمة خلال رمضان، قررت شركة المتحدة للخدمات الإعلامية تشكيل لجنة متخصصة تتولى متابعة ورصد الأعمال المنتجة. وأعلنت الشركة، في بيان اليوم الأربعاء، أنها بدأت بالفعل بتشكيل لجنة متخصصة للمحتوى، تتولى وضع خطط وبرامج جديدة للإنتاج الدرامي والإعلامي، بالإضافة إلى متابعة ورصد الأعمال المنتجة، وذلك "بهدف تحقيق رؤية واضحة للإنتاج قائمة على تحليل دقيق للواقع". وأكدت أن اللجنة ستُجري مراجعة شاملة للأعمال المقدمة، "لتقييم نقاط القوة والضعف، والخروج بتوصيات مدروسة تضمن توافق المحتوى مع الأهداف الوطنية والتوعوية، بما يساهم في التطوير المستدام للمشهد الإعلامي المصري". ومن المقرر الإعلان عن تشكيل اللجنة خلال الأيام المقبلة.
كما أعلن رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، أحمد المسلماني، عقد مؤتمر عنوانه "مستقبل الدراما في مصر"، في إبريل/ نيسان المقبل "استجابة لرؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي (...) التي تقضي بضرورة تعزيز القيم في صناعة الدراما والسينما، وضرورة مواجهة موجات العنف والجريمة وتعاطي المخدرات، وإشعال الصراع المجتمعي، وترويج الابتذال اللفظي والانحراف السلوكي، وتدمير قيم العائلة". وأضاف المسلماني، الثلاثاء، أن المؤتمر "سيتضمن دعوة الكتّاب والمخرجين والمنتجين وعلماء النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد. وستُرفع توصيات المؤتمر للمؤسسات المعنية. وسوف يسترشد التلفزيون المصري بالرؤية الرئاسية في تقديم المحتوى اللائق فكرياً".
أثارت تصريحات السيسي تبايناً في الآراء داخل الأوساط الفنية والإعلامية، حيث يرى البعض أن الرقابة الصارمة على المحتوى الفني قد تحدّ من الإبداع، في حين يرحب آخرون بالتوجه نحو تقديم أعمال أكثر التزاماً بالقيم المجتمعية.
وفي الكواليس، يشهد المشهد الإعلامي المصري صراعاً خفياً بين محسوبين على شركة المتحدة للخدمات الإعلامية، المنتج الأكبر للأعمال الدرامية في مصر، ومحسوبين على مجموعة قنوات إم بي سي السعودية. هذا الصراع برز إلى العلن من خلال تصريحات متبادلة بين شخصيات إعلامية بارزة، تعكس التوتر المتزايد بين الطرفين. ففي منشور على "فيسبوك"، وجه خالد أبو بكر، المستشار القانوني لتركي آل الشيخ، رئيس الهيئة العامة للترفيه السعودية، رسالة مفتوحة إلى وزير الداخلية المصري اللواء محمود توفيق، حملت انتقاداً مبطناً للأعمال الدرامية التي أنتجت هذا العام، لأنها بها "بلطجة وسلاح وخطف وخناقات وتجارة آثار"، ما يعكس "صورة مشوهة للمجتمع المصري". وأضاف أبو بكر أن هذه الأعمال قد تؤثر سلبياً على الشباب، كما أشار إلى أن التصوير الدرامي للشارع المصري هذا العام يظهر معدل الجريمة بشكل مبالغ فيه. ودعا إلى إعادة النظر في نوعية المحتوى الدرامي، مطالباً بمزيد من التركيز على إبراز الدور البطولي لضباط الشرطة في مواجهة الجريمة.
على الجانب الآخر، رد الصحافي محمد الباز، الذي يرأس تحرير صحيفة الدستور التابعة لشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بمنشور هاجم فيه بعض المسلسلات الرمضانية، متهماً إياها بـ"تزوير الحارة المصرية". لم يحدد أسماء هذه المسلسلات، لكنه أشار إلى أن الأعمال التي أنتجتها شركة المتحدة للخدمات الإعلامية، مثل "فهد البطل" و"ولاد الشمس"، قدمت صورة أقرب إلى الواقع عن المصريين العاديين الذين يكافحون من أجل لقمة العيش. وذهب الباز إلى حد وصف بعض الأعمال الأخرى بأنها تصور المصريين "مجرمين وشبيحة وتجار مخدرات، ومتورطين في علاقات محرمة"، متهماً بعض الكتّاب والمخرجين بتشويه صورة الأحياء الشعبية. كما تساءل عن صمت المجلس الأعلى للإعلام تجاه هذه الظاهرة، وطالب بعدم تجاهل هذه الأعمال التي تسيء إلى المجتمع المصري.

Related News

