اضطرابات النفط... السوق حائرة بين تداعيات التوترات وفائض الإنتاج
Arab
8 hours ago
share

رغم المكاسب التي حققتها أسعار النفط في الأيام الأخيرة على ضوء تصاعد مخاطر التوترات في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى خطط التحفيز الصينية، إلا أن السوق تنظر بأهمية بالغة إلى تأثيرات أخرى قد تقوّض من صعود الأسعار تتمثل في فائض الإنتاج والقلق المتنامي من تباطؤ النمو العالمي ودخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود بفعل الحرب التجارية الواسعة التي يشنها الرئيس دونالد ترامب ضد حلفاء واشنطن وخصومها على حد سواء.

وارتفعت أسعار النفط، أمس الثلاثاء، بدعم من عدم الاستقرار في المنطقة بفعل الضربات الأميركية للحوثيين في اليمن ورد الجماعة باستهداف حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر، فضلاً عن استئناف الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة. وصعدت العقود الآجلة لخام برنت فوق 71.4 دولاراً للبرميل، بينما لامست العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي مستوى 68 دولاراً للبرميل.

وذكرت مجموعة "آي إن جي" المصرفية في مذكرة بحثية أنه "إلى جانب الضربات الأميركية على الحوثيين في اليمن، قدمت عوامل عدّة دعماً للسوق"، موضحة أن "الصين كشفت عن خطط لإنعاش الاستهلاك، في الوقت الذي جاء نمو مبيعات التجزئة الصينية واستثمارات الأصول الثابتة أقوى من المتوقع"، وكشف مجلس الوزراء الصيني، يوم الأحد الماضي، عن خطة عمل خاصة لتعزيز الاستهلاك المحلي تتضمن إجراءات مثل زيادة الدخل وتقديم إعانات لرعاية الأطفال، كما منحت بيانات اقتصادية صينية صادرة، الاثنين الماضي، أظهرت تسارع نمو مبيعات التجزئة خلال شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط، المستثمرين أسباباً للتفاؤل، على الرغم من انخفاض إنتاج المصانع ووصول معدل البطالة في المناطق الحضرية إلى أعلى مستوى في عامين.

وتبدو هذه العوامل محفّزة لصعود أسعار النفط، إلّا أن تأثيرات أخرى تبدو أكثر تثبيطاً لهذا الصعود، ما يحدّ من مكاسب الخام على رأسها المخاوف المستمرة بشأن الطلب، فقد قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الاثنين، إن رسوم ترامب الجمركية ستُضعف النمو في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، ما سيؤثر سلباً على الطلب العالمي على الطاقة، كما تترقب الأسواق نتائج محادثات، أمس، بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن إنهاء الحرب في أوكرانيا، إذ تعتقد الأسواق بأن أي مفاوضات سلام محتملة ستشمل تخفيف العقوبات على روسيا وعودة إمداداتها من النفط الخام إلى الأسواق العالمية، ما سيؤثر سلباً على الأسعار.

وقد خيّبت وكالة الطاقة الدولية في تقرير أخير لها، قبل أيام، آمال المتفائلين بشأن أسعار النفط، إذ أفادت بأن المعروض من النفط الخام يفوق الطلب بمقدار 600 ألف برميل يومياً، وخفّضت توقعاتها للطلب لهذا العام. وليست وكالة الطاقة الدولية وحدها التي تتوقع تراجع الأسعار، إذ يشير أكبر تجار الخام في العالم إلى تزايد فائض الإنتاج داخل أوبك وخارجها، لا سيّما من تحالف "أوبك+" الذي يضم الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وكبار المنتجين من خارجها.

الإفراط في الحفر داخل أوبك وخارجها

وقال توربيورن تورنكفيست، رئيس مجلس إدارة شركة "غونفور" لتداول السلع العالمية، في مقابلة مع وكالة بلومبيرغ الأميركية على هامش مؤتمر "أسبوع سيرا" الذي أقيم في مدينة هيوستن بولاية تكساس الأميركية في الفترة من 10 إلى 14 مارس/آذار الجاري، حيث اجتمع كبار رجال الصناعة في مؤتمرهم السنوي الأهم "من الواضح أن قطاع النفط يُفرط في الحفر الآن.. نحن نحفر داخل وخارج أوبك أكثر مما يبرره نمو الطلب".

وارتفع إنتاج دول "أوبك+" في فبراير/شباط الماضي بنحو 363 ألف برميل يومياً، بقيادة كازاخستان، وأظهر التقرير الشهري الصادر عن منظمة الدول المصدرة للنفط في 12 مارس/آذار، أن إجمالي إنتاج الدول الأعضاء الـ22 في التحالف ارتفع إلى 41.011 مليون برميل يومياً خلال فبراير/ شباط الماضي، مقارنة بـ 40.648 مليون برميل يومياً في يناير/كانون الثاني، كما شهد إنتاج الدول الأعضاء في منظمة أوبك خلال الشهر ذاته زيادة بواقع 154 ألف برميل يومياً، ليبلغ الإجمالي 26.860 مليون برميل يومياً، بقيادة نيجيريا وإيران، مقابل 26.706 مليوناً في الشهر السابق له.

ويستعد تحالف "أوبك+" للشروع في التخلص التدريجي من التخفيضات الطوعية، البالغة 2.2 مليون برميل يومياً، بدءاً من إبريل/نيسان المقبل، وفقاً لما هو مقرّر، فقد أكدت ثماني دول هي السعودية وروسيا والعراق والإمارات والكويت وكازاخستان والجزائر وسلطنة عُمان، في الثالث من مارس/آذار الماضي، عزمها تنفيذ العودة التدريجية للإنتاج على مدار 18 شهراً، مع الاحتفاظ بإمكان تعديل وتيرة الزيادة الإنتاجية وفقاً لظروف السوق. وفضلاً عن ذلك، تُطبق تسع دول من تحالف "أوبك+" خفضاً طوعياً آخر قدره 1.65 مليون برميل مستمر لنهاية 2026، وذلك بجانب الالتزام بسياسة خفض الإنتاج التي يتبعها التحالف المستمرة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022 والممتدة إلى نهاية العام المقبل 2026.

كما يشهد الإنتاج في الولايات المتحدة ارتفاعاً لافتاً. فقد ذكرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية في أحدث توقعاتها للطاقة على المدى القصير في وقت سابق من هذا الشهر، أنها تتوقع أن يرتفع إنتاج الولايات المتحدة هذا العام بمقدار 400 ألف برميل يومياً ليصل إلى 13.6 مليون برميل يومياً، ما سيعزز مكانة البلاد بوصفها أكبر منتج عالمي للنفط، ويُعد سبباً رئيسياً لضعف أسعار النفط.

على الجانب الآخر المتعلق بالطلب، يبدو أن الكثيرين لديهم مخاوف بشأن نهج الرئيس الأميركي في السياسة التجارية، وتحديداً الرسوم الجمركية، وتتركز هذه المخاوف على تأثير الرسوم الجمركية على الطلب على النفط الخام.

وفقاً للرئيس التنفيذي لشركة "فيتول" لتجارة السلع الأولية، راسل هاردي، فإن التطورات الحالية في العرض والطلب قد تدفع أسعار النفط إلى انخفاض مستمر، لتصل إلى ما بين 60 و80 دولاراً للبرميل. وأشار هاردي، بحسب تقرير لنشرة "أويل برايس" الأميركية إلى أن خام غرب تكساس الوسيط الأميركي قد ينخفض إلى ما دون 60 دولاراً للبرميل.

ومع تزايد إنتاج النفط الأميركي، تخشى السعودية و"أوبك+" من اندلاع حرب أسعار نفطية أخرى في عهد ترامب، بينما كانت قد عانت من خسائر مالية فادحة خلال حرب الأسعار بين عامي 2014 و2016. ووفق تحليل منفصل لنشرة "أويل برايس"، فإن حرب الأسعار الأخيرة كلفت أعضاء أوبك 450 مليار دولار من العائدات المفقودة.

وتشير تقديرات قطاع النفط إلى أن المرحلة الأولى من إلغاء تخفيضات الإنتاج هذه ستبلغ حوالى 138 ألف برميل يومياً في إبريل/ نيسان المقبل، مع المزيد في المستقبل، وجزء من هذه الخطوة ناتج عن الإفراط المتكرر في الإنتاج من بعض أعضاء "أوبك+"، وآخرهم من كازاخستان. وفي آخر تحديث للتحالف، كانت كازاخستان الأكثر تجاوزاً للحصص، بمتوسط إنتاج يومي بلغ 1.767 مليون برميل في فبراير/شباط الماضي، مُقابل حصة قدرها 1.468 مليون برميل يومياً، كما تجاوزت نيجيريا سقف إنتاجها، وإن كان على نحوٍ أقل حدة، بنحو 70 ألف برميل يومياً، وفق تقرير لنشرة "أويل برايس" المتخصصة في الطاقة.

قلق من نشوب حرب أسعار جديدة

وقال مصدر كبير في مجمع أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي لـ"أويل برايس" إن العودة إلى الزيادة التدريجية للإنتاج "يأتي من رغبة المجموعة في حماية حصتها في السوق، بالنظر إلى التحول الكبير في ميزان العرض والطلب الذي يتكشّف"، مضيفاً أن "أوبك+ لا تعتقد أنها تستطيع الفوز في حرب أسعار النفط ضد الولايات المتحدة مع ترامب في رئاسته الثانية، بالنظر إلى مدى الأضرار في حرب الأسعار الأخيرة"، وأشار التقرير إلى أنه "على مدار حرب أسعار النفط 2014-2016، استنزفت السعودية أكثر من 34% من احتياطياتها الثمينة من النقد الأجنبي البالغة 737 مليار دولار وتحولت من فائض في الميزانية إلى عجز قياسي بلغ 98 مليار دولار، وكان الوضع الاقتصادي للمملكة سيئاً للغاية في نهاية حرب أسعار النفط الثانية في عام 2016".

ووفق تحليل أويل برايس فإنه "على الرغم من أن حرب أسعار النفط (2014-2016) شنتها السعودية بهدف تدمير صناعة النفط الصخري الأميركية الناشئة آنذاك أو تعطيلها على نحوٍ كبير، إلا أنها لم تنجح إلا في تدمير الموارد المالية لأعضاء أوبك وتقويض سمعة المجموعة في سوق النفط العالمية"، وبغض النظر عن الضرر الذي لحق باقتصادها، فقد كلفت السعودية دول أوبك مجتمعةً ما لا يقل عن 450 مليار دولار من الإيرادات خلال حرب الأسعار تلك، وفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية.

ووفق النشرة الأميركية المتخصصة في الطاقة فإن نطاق سعر النفط الذي يستهدفه ترامب يتراوح بين 40 و45 دولاراً للبرميل، هو السعر الذي يمكن لمعظم منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة تحقيق التعادل عنده وتحقيق ربح جيد، بينما تحتاج السعودية إلى سعر يصل إلى 108 دولارات للبرميل لتغطية الإنفاق الحكومي، وفقاً لتقديرات "بلومبيرغ إيكونوميكس"، وهذا الرقم أعلى بكثير من المستويات الحالية البالغة نحو 71 دولاراً للبرميل، ما يزيد من الضغوط على المالية العامة.

ويدفع هذا العجز السعودية إلى الاقتراض وبيع الأصول، إذ ذكرت مصادر مطلعة لوكالة بلومبيرغ، أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي (الصندوق السيادي) يعتزم تكثيف جهوده لجمع التمويلات عبر تنويع قاعدة المستثمرين وإصدار ديون عبر الشركات التابعة له، في ظل المساعي لمواكبة الإنفاق الطموح للمملكة. وبحسب المصادر، يدرس الصندوق البالغ حجمه 925 مليار دولار إصدار أول سندات مقومة باليورو هذا العام، إلى جانب التخطيط لاستقطاب المستثمرين الأميركيين إلى السوق المحلية لأول مرة، كما يشجع الصندوق بعض شركاته التابعة على الاقتراض مستقلّةً، إذ من المتوقع أن تكون "نيوم" و"أفيليس" من بين الشركات التي قد تلجأ لإصدار ديون، وتمثل هذه الخطط خطوة ضمن استراتيجية التمويل طويلة الأجل التي يتبعها الصندوق، والتي تهدف إلى تقليل الحاجة إلى تمويل إضافي من الحكومة السعودية، وفقاً لأحد المصادر.

وتستعد السعودية لضخ استثمارات ضخمة خلال السنوات المقبلة، تشمل التحضيرات لاستضافة كأس العالم 2034، وذلك في وقت تواجه فيه المملكة تحديات تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، وانخفاض أسعار النفط، واستمرار عجز الميزانية، وهذه العوامل دفعت الحكومة إلى إعادة ترتيب أولويات المشاريع. في الأثناء، تعهدت المملكة، بإبرام صفقات تجارية واستثمارية بقيمة 600 مليار دولار مع الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة، ومع مطالبة ترامب للمملكة بزيادة حجم استثماراتها في بلاده، تتزايد الحاجة إلى مصادر تمويل إضافية لضمان تنفيذ هذه الاتفاقيات، ووفقاً لمصادر مطلعة، يدرس الصندوق بيع جزء من محفظته البالغة 461 مليار دولار من الأسهم المدرجة، إضافةً إلى إدراج شركات جديدة في البورصة السعودية.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows