
عاد رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي إلى بغداد، في الخامس والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، بعد ابتعاده عن البلد منذ تسليمه رئاسة الحكومة نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022 إلى خلفه محمد شيّاع السوداني، وما سبق ذلك من محاولة اغتيال تعرض لها في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
عودة مصطفى الكاظمي
الكاظمي الذي عاد واتخذ من المنطقة الخضراء مقراً له، أجرى خلال الأسبوعين الماضيين لقاءات سياسية عدة مع زعامات عراقية مختلفة، بينهم أعضاء في التحالف الحاكم "الإطار التنسيقي"، كان أبرزهم عمّار الحكيم (رئيس تيار الحكمة)، كما أجرى زيارة إلى إقليم كردستان وعقد سلسلة لقاءات مع الزعامات الكردية هناك. ولم يُعلن الكاظمي عن الغاية من عودته، أو سبب اختفائه أصلاً من العراق والمشهد السياسي، وهو ما أتاح للمصادر السياسية "المجهولة" والتكهنات التي سيِقَ بعضها على أنه "معلومات"، في وسائل الإعلام العراقية المحلية، أن تسترسل في أسباب هذه العودة.
ذهبت أطراف نحو شيطنة عودة الكاظمي، معتبرة إياها مدعومة من قوى خارجية
وكانت فترة حكومة الكاظمي، التي امتدت لعامين ونحو خمسة أشهر (من 7 مايو/أيار 2020، ولغاية 29 أكتوبر 2022)، شهدت مواجهات غير بسيطة مع فصائل عراقية مسلحة مختلفة، وذلك خلال محاولته فرض قرارات حكومية آنذاك، كان أبرزها اعتقاله شخصيات بارزة عدة في "الحشد الشعبي" بتهمة اغتيال ناشطين ومدنيين، وانتهت بمحاولة اغتياله عبر ثلاث طائرات مسيّرة مفخخة استهدفت منزله ببغداد في 7 نوفمبر 2021، وأغلق التحقيق دون أن يتم الكشف عن نتائجه. علماً أن محاولة الاغتيال حصلت بعد إجراء العراق انتخابات تشريعية مبكرة في 10 أكتوبر من ذلك العام، وأظهرت نتائجها النهائية التي أعلنت أواخر نوفمبر تراجع القوى المدعومة من "الحشد" ومن إيران، مقابل تصدّر "التيار الصدري" للنتائج. ووقعت محاولة الاغتيال التي لم تتبنَها أي جهة في وقت كانت بغداد تعيش على وقع توترات سياسية عالية، وكانت المنطقة الخضراء حيث مقر مصطفى الكاظمي تشهد في نوفمبر اعتصامات وتظاهرات للفصائل المدعومة من طهران، رفضاً للنتائج.
وتأتي عودة مصطفى الكاظمي اليوم إلى بغداد، قبل سبعة أشهر فقط من الموعد المفترض أن تجري فيه الانتخابات البرلمانية المقررة نهاية العام الحالي 2025، في إشارات قد تعزز احتمالات عودته إلى الحياة السياسية من خلال حزبٍ جديد أو قديم، وأكدت شخصيات عدة مقربة منه، تواصلت معها "العربي الجديد"، أنه قرّر العودة للتأثير في المشهد السياسي العراقي. واستقر الكاظمي بعد عودته في منزل داخل المنطقة الخضراء، كان بالأساس مقراً لمؤسسة "الذاكرة العراقية" المختصة بتوثيق جرائم وانتهاكات النظام العراقي السابق (صدام حسين)، والتي أسّسها الناشط والسياسي كنعان مكية. ويقع البيت جنباً إلى جنب، مع منزل رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي.
وتسببت عودة الكاظمي بردات فعل متباينة، بين مرحب ورافض لها، وبين من اعتبرها اعتيادية، كون رئيس الوزراء العراقي السابق غير مُتهم بأي قضية مدرجة لدى القضاء العراقي، في وقت إن أطرافاً ذهبت نحو مهاجمة هذه العودة، معتبرة إياها مدعومة من "قوى خارجية"، وتحمل رسائل خارجية إلى العراق، في تلميح إلى علاقة الرجل الطيبة مع واشنطن خلال فترة حكومته، وكذلك مع دول عربية أبرزها الإمارات ومصر. أولى الشخصيات التي زارت الكاظمي بعد عودته إلى بغداد، رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم، الذي يرتبط مع الكاظمي بعلاقة قديمة، ثم رئيس البرلمان الأسبق سليم الجبوري، وشخصيات مدنية وليبرالية، وصحافيون وناشطون بارزون، وفُسّرت هذه الزيارات بأن الكاظمي يسعى إلى جمع الدعم السياسي والتأييد الإعلامي من مختلف الأطراف العراقية.
لم يتعرض الكاظمي لأي تهديد أو مضايقة بعد عودته، بحسب مصادر قريبة منه
وأفادت مصادر قريبة من الكاظمي "العربي الجديد"، بأن "الخطر لا يزال قائماً بشأن حياة الكاظمي، أو تهديد نشاطاته وتحركاته، لكنه لم يتعرض لأي مضايقة أو تهديد بعد عودته إلى بغداد". ويشير ذلك إلى أن تحركات مصطفى الكاظمي محسوبة، ولا تتم إلا وفق إجراءات أمنية معقدة، بالنظر إلى خلافاته العميقة مع بعض الأطراف المسلحة، والتي اقتحمت المنطقة الخضراء لأكثر من مرة في عهده، وهددته عبر إعلامها وهاجمته وتجاوزت عليه، من جرّاء مواقفه المنتقدة لها واعتقال بعض قادتها، مثل القيادي في "الحشد" قاسم مصلح، الذي اعتقل في مايو 2021.
المحامي والمحلل السياسي أمير الدعمي، وهو أحد الأشخاص المقربين من الكاظمي، أكد أن الأخير "ما زال جزءاً من العملية السياسية، وإن مسألة خوضه في مشروع سياسي متوفرة، وهو مشروع جامع عابر للطائفية يؤمن بالدولة والشراكة بما يخدم العراق، خصوصاً بعد تجربته في رئاسة الحكومة والتي تُعتبر ناجحة إلى حد كبير". ووصف الدعمي جمهور الكاظمي بـ"الخاص"، وقال إنه "جمهور يؤمن بالمدنية والدولة بمؤسساتها، وبالتالي فإن التنافس الانتخابي هو حق مشروع، وإن للكاظمي علاقات دولية وإقليمية، يريد تجييرها لمصلحة العراق على أساس المصالح المشتركة لا التبعية".
وأكد الدعمي في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "الكاظمي ليس ناقلاً للرسائل، وهذا كلام يجافي الحقيقة، لأنه أكبر من أن يكون ساعي بريد بحكم منصبه، وأن التغيير في النظام العراقي لا يعدو كونه فزّاعة تحاول بعض الأطراف إشاعتها للتهويل، فلا تغيير إلا من خلال صندوق الاقتراع عبر إرادة الشعب العراقي، ولا إرادة فوق إرادته، وأن مشروع الكاظمي سياسي مدني جامع عابر للطائفية والمناطقية".
وبخصوص علاقة الكاظمي بزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، أكد الدعمي أن هذه العلاقة "متينة وراسخة ومبنية على أساس مشترك هو مصلحة العراق، أما مسألة التحالفات السياسية أو الانتخابية، فإنها سابقة لأوانها والخيارات مفتوحة مع الجميع رغم أن التيار الصدري قد يكون الأقرب إلى الكاظمي".
"تهم" تلاحق الكاظمي
في المقابل، قال النائب السابق في البرلمان العراقي، كاظم الصيادي، وهو أحد أعضاء التحالف الحاكم "الإطار التنسيقي"، إن "عودة مصطفى الكاظمي لن تؤثر على المشهد السياسي، لأنه لا يحمل أي فكر سياسي، وإن مرحلة اختياره رئيساً للوزراء كانت من أكثر مراحل العراق سوءاً، وقد زادها الكاظمي سلبية وفشِل في أغلب الملفات التي وعد بتنفيذها إبان حكمه".
أمير الدعمي: الكاظمي قادر على إطلاق مشروع سياسي جامع عابر للطائفية يؤمن بالدولة والشراكة
ورأى الصيادي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الكاظمي متهم بأكثر من تهمة، ومنها سرقة القرن، واستشهاد قادة النصر (قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس في يناير/كانون الثاني 2020)، ولا بد من التحقيق معه بخصوص التهم الموجهة إليه". وأُعلن في العراق عما عُرف بسرقة القرن في عهد الكاظمي عام 2022، على خلفية اشتراك شركات وهمية في سرقة وسحب نحو 2.5 مليار دولار من الأموال التي أودعتها كبرى شركات النفط في حساباتها الضريبية باستخدام أوراق وشيكات مزيفة.
واعتبر الصيادي أن "الكاظمي مرفوض سياسياً وانتخابياً، ولا يملك أي علاقات طيبة داخلياً، لكن قد تكون لديه علاقات خارجية جيدة"، مستكملاً بأن "الأحزاب السياسية ترفض الكاظمي لأسباب كثيرة، منها الفساد المالي الذي انتشر في فترته، بالإضافة إلى استخدام أدوات قمعية مثل لجنة أبو رغيف (لجنة مختصة بمكافحة الفساد أمر الكاظمي بتشكيلها عام 2020 برئاسة الفريق أول أحمد طه أبو رغيف من وزارة الداخلية) التي أسهمت في تعذيب مسؤولين، وابتزت عوائلهم، ناهيك بخلافاته العميقة مع الحشد الشعبي وفصائل المقاومة الإسلامية".
أما الناشط السياسي المدني، بركات علي محمود، فأشار إلى أن "الكاظمي لا يسعى إلى تحدي أحد، سواء الفصائل أو قوى سياسية، وحين كان في أعلى السلطة، لم يسع إلى صِدام سياسي أو أمني معهم، بل كان يريد فرض سلطة الدولة على الجميع بطريقة الحوار السياسي أو بطريقة أمنية هادئة، إلا أن هذه القوى هي التي حاولت التصادم معه بسبب محاولته هذه". وأكد أن "الفصائل أدركت أن الكاظمي لم يكن في حالة عداء معها والدليل أنه لم يسمح لأي طرف خارجي بضرب أي عنصر صغير أو كبير منهم إبان حكومته".
ورأى محمود، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مصطفى الكاظمي لديه برنامج سياسي يؤسس لمشروع انتخابي، ومن غير المستبعد أن يكون هذا المشروع بالتحالف مع قوى مدنية قريبة من توجهه المدني المعروف عنه، إلا أن أمام ذلك عراقيل عدة ومنها حبّ الزعامة لدى بعض القوى المدنية، بينما في الحقيقة إن المدنية في العراق تحتاج اليوم إلى أب"، وفق تعبيره. وأوضح أن "الدبلوماسية العراقية بحاجة فعلاً إلى العودة لتوهج مرحلة الكاظمي التي شكلت نقطة فارقة في تاريخ العلاقات العراقية بالمحيط العربي والإقليمي والدولي، حتى أصبح العراق حينها نقطة تلاق أفضت فعلياً إلى إنهاء خلافات دولية أهمها الخلاف الإيراني ـ السعودي"، وفقاً لرأيه.

Related News

