
أثار الإفطار السنوي الذي يقيمه سكان في حي المطرية الشعبي، شرقي القاهرة، ليلة منتصف شهر رمضان، جدلاً هذا العام مع الحضور المكثف لوزراء ومسؤولين ورجال أعمال من مثيري الجدل. فبينما ظل هذا الحدث الشعبي يمثل رمزاً للعطاء والتراحم بين أبناء الحي الشهير، بات محط أنظار السياسيين ورجال المال الذين وجدوا فيه فرصة ظهور، ولو على حساب روح المبادرة الأصلية.
وخلال أحد عشر عاماً مضت، تحوّل "إفطار المطرية" من مائدة متواضعة اجتهد في تنظيمها أهالي الحي إلى ظاهرة رمضانية تثير تبايناً، ويتناولها المصريون بمشاعر مختلفة، من الفخر إلى الاستياء.
وبدأت فكرة إفطار المطرية في عام 2013، عندما اجتمع أهالي منطقة "عزبة حمادة" على مائدة واحدة، بتمويل ذاتي يعتمد على جهود السكان الذين أرادوا صنع لحظة دفء إنسانية تعكس شهامة المصريين. لم يكن هناك سجاد أحمر، ولا عدسات كاميرات تبحث عن "اللقطة"، بل كان الطعام يُوزع بأيد محبة، والمقاعد تشهد على حكايات مئات المصريين البسطاء.
وبمرور السنوات، ومع تصاعد زخم الحدث، بدأت الأنظار تتجه إلى الإفطار، ليس من قبل أهله، بل من شخصيات رسمية وكيانات سياسية سعت إلى الوجود في وسط هذه الأجواء الفريدة، فبات وزراء ورجال أعمال ومشاهير يتوافدون على المائدة، ليأخذوا "حصتهم" من الصورة الرمضانية، بينما تراجع دور الأهالي الذين صنعوا هذا الحدث من العدم.
ومن ذلك، تعليقات رواد مواقع التواصل الاجتماعي على حضور عصام العرجاني، ابن رجل الأعمال المثير للجدل المقرب من السلطة إبراهيم العرجاني، والذي اعتبر حضوره محاولة لـ"غسل السمعة" في ظل ملاحقة العائلة باتهامات شتى.
والمفارقة أن الوزراء والمسؤولين الذين حضروا المائدة، ومن بينهم وزراء الأوقاف والشباب والرياضة والتضامن الاجتماعي، لم يفتح أي منهم ملف احتياجات حي المطرية، أو يناقشوا تحسين أوضاع سكانه، ولم يتفقد أيهم مستشفى المطرية الحكومي أو معهد أمراض الكلى المجاورين، أو حتى يسألوا عن إصلاحات ضرورية يطالب بها أهل الحي.
يقول أحد أهالي المطرية، والذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد": "يبدو الأمر كأنه مناسبة بروتوكولية أكثر منه لقاءً إنسانياً على إفطار رمضاني".
ولم يكن الحضور الرسمي وحده ما أثار التساؤلات والانتقادات، إذ تصاعدت مظاهر الاستعراض، مع إقامة عروض أزياء شبابية وسط موائد الإفطار، حيث ارتدى بعض المشاركين ملابس زاهية، وساروا بين الصائمين، وكأن الحدث تحول إلى منصة للموضة، ما أثار حفيظة الأهالي. يقول أيمن ساهر، وهو طالب جامعي حضر الإفطار، لـ"العربي الجديد"، "هذه المظاهر التي لا علاقة لها بالإفطار باتت تشويهاً لطابعه الشعبي، وتسليعاً للحظاتنا الدافئة البسيطة".
رغم كل تلك التغييرات، ظل هناك شيء عصيٌّ على المصادرة، وهو الصوت الشعبي الصادق، وكما جرت العادة منذ اندلاع العدوان على قطاع غزة، لم تغب فلسطين عن مشهد "إفطار المطرية"، إذ ارتفعت هتافات الآلاف تضامناً مع فلسطين، في لحظة عفوية لم تستطع الأجواء الرسمية أن تخمدها، كما تميز إفطار هذا العام بتضامن واضح مع الشعب الفلسطيني، وارتدى العديد من المشاركين قمصاناً سوداء مزينة بشعارات فلسطينية، ورفعوا أعلام فلسطين، ورددوا هتافات مثل "بالروح بالدم نفديكِ يا فلسطين" و"غزة غزة رمز العزة"، وزُينت جدران المنطقة بعبارات مثل "من المطرية. هنا فلسطين"، مع رسومات للمسجد الأقصى تعبيراً عن الدعم والتضامن.
وفي ظل كل تلك التطورات، يتساءل متابعون إن كان أهالي المطرية يستطيعون الحفاظ على نقاء مبادرتهم وسط هذه التحولات الكبيرة؟ وهل سيظل الإفطار ملكاً لأصحابه، أم أن البهرجة الرسمية ستطغى عليه تماماً؟ فما بدأ طقساً شعبياً خالصاً بات حدثاً تتصارع عليه جهات مختلفة، لكن رغم كل شيء، لا يزال هناك من يؤمن بأن هذا الإفطار هو مساحة للتواصل بين الناس، وليس مجرد مشهد تلتقطه الكاميرات.
يقول مصطفى شبانة: "ربما آن الأوان كي يعود الإفطار إلى أصحابه الحقيقيين، من دون بهرجة، ومن دون استعراضات، ومن دون أن يتحول إلى ساحة تُسرق فيها جهود البسطاء لصالح لقطة يبحث عنها سياسيون ورجال أعمال ومشاهير".

Related News
