
برحيل أنطوان كرباج (1935 ــ 2025) تُطوى صفحة ممثلي الجيل الذهبي في لبنان، وتطوى سيرة فنان عاشق للمسرح والتلفزيون والسينما، ومبارزٌ حيّ، أثرى فنّ التمثيل بمجموعة كبيرة من الأعمال التي كرست حضور لبنان على خريطة الدراما العربية.
رحل إذاً أنطوان كرباج، المتواضع الذي لم يرضخ للمغريات مبتعداً عن حياة الترف التي رافقت زملاء جيله. رحل بعدما أنهكه مرض الألزهايمر، فأبعده عن الأضواء لسنوات. خلال مسيرته الطويلة بقي اسم كرباج مرتبطاً بالمسرح رغم نجاحه الكبير على الشاشة الصغيرة. فالشاب القادم من قرية زبوغا المتنية (شمالي بيروت) بدأ حياته بتقديم مسرحيات وعروض في القرى والبلدات والمدارس، ليلتحق نهاية الخمسينيات بمعهد المسرح التابع يومها للجنة مهرجانات بعلبك الدولية بإدارة الراحل منير أبو دبس (1930 ــ 2016).
جاءت هذه الخطوة في وقت كانت الدراما المحلية تشق طريقها مع نشوء تلفزيون لبنان والمشرق (1959)، لتصل إلى عصرها الذهبي في السبعينيات، وتحديداً في السنوات التي سبقت انفجار الحرب الأهلية. في تلك الفترة كان كرباج واحداً من ابرز الممثلين المؤسسين للدراما اللبنانية، فقدم رائعة الكاتب الفرنسي فكتور هوغو "البوساء" (1974، إخراح باسم نصر) محققاً نجاحًا جماهيريًا كبيراً في دور جان فالجان، ومرسخاً نفسه نجماً أول على الشاشة المحلية. ثم وفي المرحلة الانتقالية من تقديم الأعمال المترجمة والمقتبسة إلى الإنتاجات المحلية، تقاسم بطولة مسلسل "ديالا" (1977، إخراج أنطوان ريمي) مع الراحلة هند أبي اللمع.
لعل الدور التلفزيوني الأبرز الذي لا ينساه اللبنانيون كان في مسلسل "بربر آغا" (1979، إخراج باسم نصر) للكاتب أنطوان غندور الذي حقق له شهرة واسعة. ولا يمكن حصر مسيرة أنطوان كرباج في الدراما من دون التطرق إلى فرادته في المسرح، ولعل مشاركته في مسرحيات الأخوين الرحباني كان لها وقع استثنائي على كرباج نفسه وعلى جمهوره.
أما نجوميته الحقيقية فحققها في أدواره المسرحية، ليكون الممثل المسرحي الأشهر في لبنان طيلة 3 عقود. فقدمّ أعمالاً عدة على الخشبة، بينها إنتاجات عالمية معرّبة كمسرحيات "ماكبث" لشكسبير (1962)، أو "الذباب" لجان بول سارتر (1962)، و"أوديب ملكاً" لسوفوكليس (1966)، وأيضا إنتاجات لبنانية خاصة، مع الأخوين رحباني وفيروز بشكل خاص. فلعب شخصية المهرّب في "يعيش يعيش" (1970)، والوالي في "صح النوم" (1971)، وقدّم دور فاتك المتسلط في "جبال الصوان" (1972)، وكان الملك غيبون في "ناطورة المفاتيح" (1972)، والحرامي "المحطة" (1974)، والقائد الروماني "بترا" (1977). وعند مشاهدة كل هذه الأعمال يبدو واضحاً أن أنطوان كرباج هو الوحيد الذي كان يباغت فيروز ويشاركها الأضواء على الخشبة، من ناحية قوة الأداء أو الحضور أو حركة الجسد.
أما عام 1974 فكانت له تجربة رائدة مع الكاتب السوري الراحل محمد الماغوط، حيث قدّم دور البطولة في مسرحية "المهرج" (إخراج يعقوب الشدراوي). تزوّج أنطون كرباج من الرسامة لور غريّب، وله منها 3 أولاد هم الرسام مازن كرباج، ورولا، ووليد.

Related News

