
شنت حركة الشباب، الموالية لتنظيم القاعدة، في الأيام الأخيرة هجمات موسعة على إقليم شبيلي الوسطى وذلك لأول مرة بعد طردها من معظم مناطق وبلدات هذا الإقليم عام 2023، بعد الحملة العسكرية الحكومية التي أطلقها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في أغسطس/ آب 2022، تنفيذاً للوعود التي قطعها أثناء حملته الانتخابية لكبح جماح الحركة وتحرير البلاد من قبضتها. وكانت هجمات "الشباب" الأخيرة منسقة ومخططة، واستهدفت عدة بلدات استراتيجية وسط البلاد، للوصول إلى مدينة آدن يبال التي كانت المعقل الرئيس للحركة.
وتمكن المئات من مسلحي "الشباب" من العبور إلى هذه البلدات والسيطرة عليها في فترات مختلفة بعد انسحاب القوات الصومالية ومليشيات العشائر المحلية، قبل أن تتراجع الحركة نتيجة الضربات الجوية التي استهدفت قياداتها، ما أدى إلى مقتل العديد من القياديين الميدانيين ومئات من المسلحين، وفق مصادر حكومية. وبحسب وكالة الأنباء الصومالية، فإن القوات الأمنية نفذت عملية عسكرية في منطقة بوس هريري، وتمكنت من تحييد 29 مسلحاً من حركة الشباب يوم الجمعة الماضي. كما أغارت القوات الصومالية على منطقة جمبلول بإقليم شبيلي السفلى، وقتلت 12 مسلحاً من "الشباب"، مشيرة إلى أن الجيش الصومالي واصل ملاحقة فلول الحركة.
عمر فارح: الحركة تحاول الاستفادة من شهر رمضان لتجييش عناصرها لتنفيذ هجمات مميتة
وأعلن الجيش الصومالي، في بيان نشرته وكالة الأنباء الصومالية (صونا)، أمس السبت، تصديه لمحاولة هجوم لحركة الشباب بإقليم شبيلي الوسطى. وقال إنه "تصدى لمحاولة هجوم إرهابي نفذته مليشيات الشباب، حيث حاولت مهاجمة مواقع عسكرية للقوات المسلحة في مدينة أوطيغلي بإقليم شبيلي السفلى، وفي محيط منطقة بورشا شيخ بإقليم شبيلي الوسطى"، مؤكداً أن "الإرهابيين تكبدوا خسائر فادحة خلال المواجهات، إذ قُضي على عدد كبير من عناصر المليشيات". وذكرت الوكالة أن "القوات الوطنية نفذت، الليلة الماضية (الجمعة)، عملية عسكرية دقيقة استهدفت تجمعاً لمسلحي المليشيات الإرهابية في منطقة لبو غرس بإقليم شبيلي الوسطى، حيث دُمّر الموقع بالكامل وقُضي على جميع العناصر الموجودة فيه".
وقال وزير الدفاع الصومالي عبد القادر محمد نور، في تصريح مقتضب بثته وسائل الإعلام المحلية الخميس الماضي، إن عمليات عسكرية موسعة يخوضها الجيش الصومالي ضد "الشباب"، وإن الغارات الجوية استهدفت فلول مسلحي الحركة في مناطق متفرقة بإقليمي شبيلي السفلى والوسطى، ومنها بلدة عيل بعاد وقرية عيل علي أحمد وبلدة عيل جرس، إلى جانب منطقة جمبلول بإقليم شبيلي، كذلك استهدفت الغارات الغابات التي يختبئ فيها عناصر الحركة. وأشار إلى أن هذه الغارات الجوية أدت إلى تصفية ما يقرب من 150 مسلحاً من الحركة. وأوضح نور أن الحكومة الصومالية أرسلت تعليمات للسكان المحليين في تلك المناطق بعدم الاقتراب من مناطق وجود فلول "الشباب" خشية تعرضهم للغارات الجوية، واستخدمت الحكومة الإذاعات المحلية وشيوخ العشائر لتحذير السكان والقرويين للابتعاد عن المناطق التي تدور فيها المواجهات وسط البلاد.
يأتي هذا بعد إعلان رئيس الحكومة الصومالية حمزة عبدي بري، الاثنين الماضي، أن الحكومة الفيدرالية بصدد شن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد "الشباب" خلال شهر رمضان. وتأتي هذه العملية في إطار الجهود المستمرة للحكومة لوقف هجمات "الشباب" واستعادة الأراضي التي تسيطر عليها في جنوب ووسط الصومال. ودعا رئيس الوزراء الشعب، ولا سيما العشائر والعلماء والمثقفين، إلى دعم القوات الحكومية في معركتها ضد الحركة. كما شدد على أهمية عدم الوقوع في فخ الدعاية المضللة والأخبار الزائفة التي تروجها "الشباب"، مؤكداً أن الحكومة ستتخذ إجراءات صارمة لمنع أي محاولات تهدف إلى زعزعة الاستقرار والأمن في البلاد. وأشار إلى وجود من وصفهم بالأعداء والخصوم المحليين الذين يسعون إلى ضرب وحدة الشعب الصومالي، وحرمانه من الاستفادة من موارده الطبيعية. وأكد أهمية التغلب على هذه التحديات لضمان مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً للبلاد.
ووفق مراقبين، فإن هجمات "الشباب" الموسعة على وسط البلاد لم تنجح، بل تعرضت الحركة لنكسات عسكرية جديدة بعد أن تراجع مسلحوها وخسرت المئات من عناصرها بسبب اشتداد المعارك في ساحات القتال من جهة، وكثافة الغارات الجوية التي تستهدف مركباتهم وتحركاتهم العسكرية من جهة ثانية، ما أحبط مخططاتهم لإعادة الانتشار مجدداً في وسط البلاد، من أجل رفع الضغط العسكري على بقية عناصرها في إقليم جلمدغ بعد فقدانها كبرى المدن في هذا الإقليم العامين الماضيين.
"الشباب" تحاول استعراض قوتها
وحول الهدف من هجمات "الشباب" قال الصحافي الصومالي عمر فارح، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الحركة تحاول الاستفادة من شهر رمضان لتجييش عناصرها لتنفيذ هجمات مميتة وتكثيف هجماتها العسكرية، مستعرضة قوتها وقدرتها على زعزعة الاستقرار في مناطق الوسط والجنوب، لكن هذا التصعيد ليس جديداً، بل هو محاولة لترسيخ وجودها والتأكيد أنها لا تزال لاعباً ميدانياً رغم الضغوط الأمنية والعسكرية المستمرة. وأضاف فارح أن تراجع الجيش الصومالي وانسحابه من بعض البلدات في بداية هجمات "الشباب" لا يمكن اعتباره اختراقاً أمنياً، بل هو جزء من الحرب المفتوحة بين الجيش الصومالي ومقاتلي "الشباب"، وأثبت الجيش صموده في التصدي للاعتداء الأخير، حيث تمكنت القوات الحكومية من استعادة السيطرة على المناطق المستهدفة في محافظة شبيلي الوسطى، ما يعكس جاهزية الأجهزة الأمنية ويقظتها في مواجهة التهديدات.
حسن محمد الحاج: الوضع يحتاج إلى استراتيجيات أمنية أكثر تكاملاً ودعماً دولياً أكبر
وحول ما إذا تمكن الجيش من إفشال مخططات الحركة، قال فارح إن الحركة كانت تسعى لتهديد المناطق المأهولة وإعادة بسط نفوذها في وسط البلاد، لكن هذا الحلم لم يتحقق ولم تنجح في ترجيح كفة القتال لصالحها، ولم تحسم هذه المعارك بعد، موضحاً أنه بعد شهر تقريباً من المواجهات بين الجيش الصومالي ومسلحي الحركة، فإن هذا يعكس أن "الشباب" لم تستطع انتزاع السيطرة على مناطق جديدة وسط البلاد.
وبحسب تقرير لمؤشر الإرهاب العالمي 2025، فإن العمليات العسكرية التي تقودها الحكومة الصومالية أتت بنتائج أمنية إيجابية وخفضت من وتيرة هجمات "الشباب" بمعدل 25%، حيث تراجعت أعداد ضحايا هجمات الحركة في الصومال من 512 عام 2023، إلى 387 عام 2024، وذلك بعد نشر وحدات من القوات الأمنية في ضواحي مقديشو، والحد من الهجمات الانتحارية التي كانت تنفذ بواسطة السيارات المفخخة التي تسقط أعداداً مهولة من الضحايا، هذا إلى جانب مكافحة الخلايا الأمنية التي كانت تنفذ عمليات الاغتيال ضد التجار والسياسيين وشيوخ العشائر في مقديشو.
أميركا تحذر من هجمات "الشباب"
وشكلت هجمات "الشباب" على وسط الصومال في الآونة الأخيرة قلقاً محلياً وإقليمياً، وبموجبها أرسلت السفارة الأميركية في مقديشو تحذيرات أمنية لرعاياها من احتمالات هجمات انتحارية في العاصمة يمكن أن تستهدف التجمعات والمكاتب الحكومية، وكذلك مطار مقديشو. ورغم الجهود الأمنية المبذولة من قبل الحكومة الصومالية المدعومة بالقوات الأفريقية، فقد كانت الحركة تشن هجمات عنيفة وتستهدف المناطق الريفية والمناطق التي تعاني من ضعف في السيطرة الأمنية من قبل الأجهزة الحكومية.
وفي هذا السياق، قال الباحث الأمني حسن محمد الحاج، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن أداء الأجهزة الأمنية الحكومية في مواجهة "الشباب" اتسم بالتحديات والصعوبات، وعلى الرغم من أن الحكومة قامت ببعض العمليات العسكرية ضد الحركة، إلا أن أداءها كان محل انتقاد من بعض المراقبين، وذلك بسبب محدودية القوات الحكومية في بعض المناطق، وقلة التنسيق بين الجيش والمليشيات العشائرية المحلية، وأحياناً ضعف التأثير في القضاء على الخلايا النائمة للحركة داخل المدن.
ولفت الحاج إلى أن الحكومة لم تتمكن من القضاء تماماً على تهديدات الحركة رغم بعض النجاحات العسكرية، فحركة الشباب لا تزال قادرة على شن هجمات واحتلال مناطق صغيرة، وهو ما يعكس مدى قوتها في بعض المناطق. لكنه أضاف أن الحكومة تمكنت من تقليص مساحة سيطرة الحركة في بعض المناطق الحساسة، وتكثيف جهود مكافحة الإرهاب، لكن لا يزال التحدي قائماً في مواجهة "الشباب" في الصومال، ويحتاج الوضع إلى استراتيجيات أمنية أكثر تكاملاً، ودعماً دولياً أكبر، وتحسيناً للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تحُد من تنامي الجماعات المسلحة التي تقاتل الحكومة الصومالية.
