
تحركت الدبلوماسية بين مصر وليبيا أخيراً، إثر لقاء وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، الثلاثاء الماضي، الممثلة الخاصة الجديدة للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، هانا تيتيه، في إطار ما تصفها القاهرة "جهود مصر لدعم المسار السياسي الليبي"، ووسط مؤشرات على استمرار الدور المصري الفاعل، سواء عبر القنوات الدبلوماسية العلنية أو من خلال تحرّكات أمنية وسياسية تُدار بعيداً عن الأضواء. وأفادت مصادر لـ"العربي الجديد"، بأن نشاطاً مكثفاً ما زال لما تُعرف بـ"خلية الأزمة المصرية الخاصة بليبيا"، التي تضم مسؤولين من وزارة الخارجية، والمخابرات العامة، والجيش. وتعمل هذه الخلية على إدارة الملف الليبي بمزيج من الدبلوماسية والعمل الأمني، لضمان تحقيق المصالح المصرية في الجارة الغربية. وقد أفيد بأن اللقاء بين عبد العاطي والمبعوثة الأممية الجديدة تطرّق إلى سبل دفع العملية السياسية الليبية، مع التركيز على ضرورة التوصل إلى حل ليبي ـ ليبي يحفظ وحدة البلاد واستقرارها، وهو الموقف الذي تُصر عليه القاهرة في مختلف المحافل الدولية. وفي المقابل، تستمر التحركات المصرية غير المعلنة، والتي تهدف إلى التأثير المباشر في المشهد الليبي، سواء بدعم بعض الفصائل أو عبر التفاهمات الإقليمية، خصوصاً مع الجانب التركي.
مصادر: هناك نشاط مكثف لخلية الأزمة المصرية الخاصة بليبيا
تركيا بين مصر وليبيا
في سياق متصل، تستمر المحادثات بين المسؤولين المصريين ونظرائهم الأتراك بشأن ليبيا، في إطار الجهود الرامية إلى إيجاد أرضية مشتركة بين البلدين، بعد سنوات من التوتر الحاد بين القاهرة وأنقرة التي تمتلك نفوذاً قويّاً في غرب ليبيا عبر دعمها قوات ومجموعات سياسية هناك، تدرك أهمية التفاهم مع مصر، التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع قوى ليبية رئيسية، خصوصاً في الشرق والجنوب. وتشمل المباحثات المصرية ـ التركية قضايا عدة، منها مستقبل الوجود العسكري التركي في ليبيا، إذ تطالب القاهرة بوضع جدول زمني واضح لخروج القوات الأجنبية، وهو مطلب يتفق مع قرارات الأمم المتحدة، لكنه يصطدم بمصالح أنقرة، التي ترى في وجودها العسكري هناك عنصراً استراتيجياً مهماً. ورغم التقدم النسبي في هذه المحادثات، إلا أن الخلافات لا تزال قائمة، لا سيما فيما يتعلق بمستقبل التعاون الأمني والعسكري بين أنقرة وحكومة الوحدة الوطنية الليبية، والتي تعتبرها القاهرة طرفاً غير محايد في النزاع.
وتعكس تحركات القاهرة في الملف الليبي استراتيجية متعددة الأبعاد، إذ تسعى مصر إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية: ضمان استقرار الحدود الغربية ومنع تسلّل الجماعات المسلحة أو تهريب الأسلحة إلى الأراضي المصرية، والحفاظ على نفوذها داخل مؤسسات الدولة الليبية، لا سيما البرلمان والجيش، لضمان عدم صعود قوى غير مواتية لمصالحها. كذلك تسعى مصر لمنع أي تفرّد تركي أو روسي أو أوروبي بالملف الليبي، عبر بناء تحالفات إقليمية ودولية متوازنة، والدفع باتجاه انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، بما يضمن إعادة ترتيب المشهد السياسي، وفقاً لرؤية تضمن التوازن بين الأطراف المختلفة.
ورغم هذه الجهود بين مصر وليبيا إلا أن الدور المصري لا يخلو من تحدّيات، إذ لا يزال هناك انقسام داخلي ليبي حاد بين الشرق والغرب، فضلاً عن تباين المصالح بين القوى الدولية، ما يجعل الحل السياسي أكثر تعقيداً. كما أن مسألة خروج القوات الأجنبية لا تزال عالقة، مع عدم وجود آلية واضحة لتنفيذها على أرض الواقع. وبينما تستمر القاهرة في دعم الجهود الدبلوماسية العلنية، يبدو أن المسار الأكثر تأثيراً بين مصر وليبيا هو الذي يُدار بعيدا عن الأضواء، إذ تحاول القاهرة تثبيت أقدامها في ليبيا عبر تحركات أمنية وسياسية مستمرة. وبينما تتواصل اللقاءات والاتصالات مع مختلف الأطراف، تجد رؤية القاهرة للحل الليبي نفسها أمام تحدّيات تعقيدات المشهد التي تفرض عليها إعادة ترتيب أوراقها.
رخا أحمد حسن: إنهاء الأزمة يتطلّب التركيز على إعادة الإعمار والتنمية
التأثير الليبي على مصر
ولطالما اعتبرت مصر استقرار ليبيا جزءاً من أمنها القومي، وهو ما دفعها إلى الانخراط بقوة في الأزمة الليبية على مدار السنوات الماضية، فمنذ اندلاع الحرب الأهلية في ليبيا عام 2011، حرصت القاهرة على دعم البرلمان و"الجيش الوطني" الليبي بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر. وترى مصر أن أي تسوية سياسية يجب أن تضمن منع الفوضى، ومحاربة الجماعات المسلحة، وإخراج المقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية، وهي نقاط تمثل أولويات أساسية في استراتيجيتها تجاه الجارة الغربية. ويرى خبراء أنه من هذا المنطلق في ملف مصر وليبيا يأتي تعامل القاهرة مع الممثلة الأممية الجديدة بحذر وترقب، فالقيادة المصرية تدرك أن الأمم المتحدة لم تنجح في تقديم حلول واقعية للأزمة الليبية، خصوصاً في ظل التجاذبات الدولية وتعدد المصالح الإقليمية. ورغم تصريحات عبد العاطي خلال لقائه تيتيه حول دعم مصر للجهود الأممية، إلا أن القاهرة تعتمد بشكل رئيسي على تحركاتها الثنائية، سواء عبر دعم مسارات التفاوض المباشرة بين الأطراف الليبية، أو عبر التنسيق مع قوى إقليمية مثل تركيا والإمارات وفرنسا.
وقال رخا أحمد حسن، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، لـ"العربي الجديد"، إن مصر تطالب دائماً بخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، وترى وجود هذه القوات يزيد من تعقيدات الأزمة الليبية، ويفتح المجال واسعاً أمام التدخلات الخارجية. ورأى أن الوضع في ليبيا مرهون بصراعات الأطراف الليبيين، إذ يستعين كل طرفٍ بقوات ومرتزقة أجانب للحفاظ على مكاسب شخصية أو جهوية، من دون إعلاء مصلحة ليبيا دولة وشعباً. وأضاف أن إنهاء الأزمة يتطلّب التركيز على إعادة الإعمار والتنمية، خصوصاً أن ليبيا تمتلك الموارد الكفيلة بتحقيق ذلك. وقال إن المبعوثة الأممية الجديدة لن تتمكن من تحقيق تقدم في مسار التسوية السياسية أو إجراء الانتخابات العامة والرئاسية، ما لم يجتمع القادة الليبيون (خليفة حفتر، عقيلة صالح، عبد الحميد الدبيبة، محمد المنفي، محمد تكالة) للاتفاق على مسار ملزم بمواعيد محددة لإجراء الانتخابات، وفي غياب هذا الاتفاق ستظل الأزمة الليبية تراوح مكانها.

Related News
