الثورة السورية في ذكراها الـ14: تحديات ما بعد الانتصار
Arab
3 hours ago
share

هي السنة الأولى التي يحتفل فيها السوريون بذكرى الثورة السورية التي أزهر ربيعها شتاء العام الماضي، فقد توقف عداد سنين الثورة السورية في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، لتتحوّل إلى ذكرى سنوية، بعد أن استطاعت الإطاحة بأكثر الأنظمة المستبدة إجراماً في العصر الحديث، وأجبرت رئيس النظام السابق بشار الأسد الذي قامت الثورة السورية ضده، على الهرب، بعد نحو 14 عاماً من البطش والظلم مخلفاً وراءه بلداً مدمراً، وشعباً بات أكثره بين مهجر، ونازح، ولاجئ، ومعتقل، ويعيش من بقي منه تحت خط الفقر بدرجات. السقوط السريع لنظام آل الأسد في ديسمبر الماضي، لم يكن متوقعاً من قبل أشد المتفائلين بسقوطه، ولا حتى من قبل غرفة عمليات "ردع العدوان" التي قادت المعركة الأخيرة التي أسقطته، الأمر الذي أربك الإدارة الجديدة، في التعاطي مع تركة الأسد، ووضعها أمام تحديات كثيرة، منها ما يرتبط بالظرف الذي ترافق مع استلامها السلطة، والقسم الأكبر من هذه التحديات يرتبط بأداء تلك الإدارة خلال المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد.

تحديات ما بعد نجاح الثورة السورية

ولعل أبرز تحديات ما بعد نجاح الثورة السورية هي تحديات الضبط الأمني، والحفاظ على السلم الأهلي، وتشكيل جيش وطني في ظل النزعة الفصائلية الطاغية على المشهد العسكري، وحل وزارة الدفاع. يضاف إلى ذلك، تحدي الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وكيفية التعاطي مع اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي وتوغله ضمن الأراضي السورية، بالإضافة للتحدي الأكبر وهو طريقة إدارة عملية الانتقال السياسي في البلاد، طبعاً إضافة إلى تحدي النهوض بالاقتصاد وإدارة ملف إعادة الإعمار، وغيرها من التحديات التي من شأنها إما النهوض بالبلاد، أو إدخالها في صراعات داخلية وخارجية في حال الفشل في إدارتها.


محمد صبرا: المهمة الأولى للسلطة الانتقالية ستكون تأمين الأمن

في السياق، يرى الحقوقي محمد صبرا، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الظروف الاستثنائية التي تعيشها سورية حالياً، تتطلب بعض المعالجات الخاصة، فالدولة السورية في حالة انهيار مؤسساتي شامل، إضافة إلى تعطّل دورة الاقتصاد الوطني، ووجود قوة عسكرية منفلتة وخارجة عن سلطة الدولة، فضلاً عن التهديد الذي ما زال يشكله فلول النظام الساقط، بالإضافة إلى الوضع الدولي والإقليمي المتفجر، واستمرار العقوبات الاقتصادية على الدولة. ويعتبر أن "كل هذه الظروف تجعل من الصعب التركيز على البعد السياسي في المرحلة الانتقالية، لأن المهمة الأولى للسلطة الانتقالية ستكون تأمين الأمن ومنع الانزلاق إلى الفوضى، وهذا ما يحقق البيئة اللازمة للعمل السياسي، والذي سيتيح للسوريين التأثير على مسار العملية الانتقالية، والتي ننظر لها عمليةً تشاركية يصنعها السوريون ولا يمكن أن تأتي هبة أو مكرمة من أي سلطة".

ويعرب صبرا عن أسفه لأن "بعض الخطوات التي قامت بها السلطة الانتقالية تجعلنا نشعر ببعض القلق، فالسلطة تتعامل مع المجتمع السوري بوصفها جماعات أهلية، وهي مصرّة على اختصار الفعاليات السورية، بالفعاليات الدينية لمختلف الأديان والطوائف، مع استبعاد كامل للوسط السياسي السوري"، مضيفاً أن "هذه الخطوة المتمثلة بإحلال الجماعات الأهلية محل الجماعات السياسية ستقود إلى مزيد من التشرذم والتشظي المجتمعي، لأن الجماعات الأهلية تعمل بناء على العصبوية التي تجمعها، سواء عصبوية إثنية أو دينية، بينما الأحزاب والجماعات السياسية هي بطبيعتها عابرة للطوائف والأديان والإثنيات". ويعتبر أنه يجب على السلطة أن تسرع بوضع قانون ينظم عمل الأحزاب حتى تعيد تشكيل الوسط السياسي السوري وفق أسس حديثة تخرجه من حالة الاستقطاب الديني والإثني.

ويشير صبرا إلى أنه "حتى اللحظة هناك استئثار كامل بكل مسار العملية الانتقالية من قبل السلطة الانتقالية، وهذا الاستئثار قد لا يكون مبرراً، لأن دعمنا للسلطة بالاستئثار بالقرار الأمني والعسكري في البلاد، وضرورة حصر السلاح بيد الدولة، لا يعني بحال من الأحوال تفويضاً على بياض للسلطة بأن تأخذ القرار في شكل المسار السياسي المناسب لإتمام المرحلة الانتقالية، وللتهيئة للمرحلة الدائمة، ولا سيما أن السلطة أصدرت إعلاناً دستورياً ينص على أن المرحلة الانتقالية هي خمس سنوات". وأضاف أنه "في ظل عملية الاستئثار الكامل، فإن هذا يعني أن السلطة ستكون هي فقط صاحبة القرار الأوحد في تسيير المرحلة الانتقالية، وفي تحديد ملامح المرحلة النهائية، وهذا أمر قد يكون مقلقاً، ولا سيما مع عدم الوضوح الذي يشوب خطة المرحلة الانتقالية لدى السلطة وما هي المراحل التي ستعتمدها، إضافة إلى غياب تصور واضح لملف العدالة، وكيفية معالجة المظالم التي أثقلت صدور السوريين طيلة العقود الماضية". ويؤكد صبرا أن "عملية الانتقال من مرحلة التوحش إلى مرحلة ديمقراطية كاملة، قد تكون حلماً بعيد المنال لأسباب موضوعية وذاتية، إلا أن توسيع قاعدة المشاركة في القرار قد تكون أحد البدائل المناسبة من أجل ضمان عدم إنتاج نظام استبدادي جديد في سورية، وهو ما نطالب به ونضغط من أجله".

أولوية السلم الأهلي

الحفاظ على السلم الأهلي من أبرز مهمات الإدارة الجديدة بعد الثورة السورية وقد تعرّض لهزة عنيفة عند أول اختبار بمواجهة فلول النظام المخلوع، بسبب الانتهاكات التي ارتُكبت بحق مدنيين على أيدي عناصر غير منضبطة ولكنها محسوبة على السلطة، وهو لا يزال مهددا في حال لم تتخذ السلطة إجراءات جدية لاستعادة الثقة بمكونات المجتمع. ويرى الباحث السوري زيدون الزعبي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن السلم الأهلي يتطلب جهود الجميع، إذ لا تستطيع الدولة وحدها الحفاظ عليه، فعلى المستوى الاجتماعي يُطلب منها التعاون مع المجتمع المدني بالدرجة الأولى، لأن السلم الأهلي هو أكثر القضايا التي يمكن أن تقلق البلاد، فأي انفجار قد يؤدي إلى تهالك الدولة، وبناء على ذلك فإن السلم الأهلي الذي يعتمد على الكثير من المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، يتطلب تعاوناً من الجميع، كما يطلب من الدولة التعامل مع المجتمع المحلي فلا يمكن لها الحفاظ على السلم الأهلي بدون مجتمع محلي ناشط وفاعل وقادر على التواصل الفعال معها.


زيدون الزعبي: على المجتمعات المؤيدة للسلطة الانخراط في عملية بناء السلم

أما في الشق السياسي، فيعتبر الزعبي أن السلم الأهلي يتطلب إجراءات حاسمة كتشكيل حكومة شاملة، لأن ذلك سيعطي شيئاً من التطمين للجميع، أما دون ذلك فستشعر المجتمعات بالإقصاء، وستلجأ إلى أساليب لمخاصمة النظام من خارجه. ويلفت إلى أن هناك شقاً يتعلق بالضبط الأمني، فلا يمكن حدوث سلم أهلي من دون تحقيق ذلك، طارحاً مثالاً على ذلك ما حدث في الساحل السوري، حين قامت فلول النظام بتفجير الأوضاع، ولم تستطع الدولة احتواء ذلك لعدم وجود إجراءات كافية على بقية الصعد. ويتابع: "أما القضية الرابعة فتتمثل في انخراط المجتمعات المؤيدة للسلطة في عملية بناء السلم، إذ يبدو اليوم أن السلم الأهلي حكر على الأطراف العلمانية، ويوجد جزء كبير من الأقليات هم من يقومون بهذه العملية، في الوقت الذي توجد فيه مجتمعات محافظة بحاجة للانخراط بالسلم الأهلي".

وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، يؤكد الزعبي أنه يجب على السلطة أن تعتمد على المجتمع المدني في توعية المجتمعات، فإذا لم يتمكن الاقتصاد من تقريب المجتمعات من بعضها فلا يوجد شيء آخر يقدر على ذلك، فإذا كانت هناك حركة اقتصادية عابرة للمكونات والطوائف والمجتمعات فإن ذلك يؤدي إلى السلم الأهلي، كما يوجد هناك حساسية للإجراءات الإدارية فمثلاً تم النظر إلى تسريح الموظفين من الساحل على أنه فعل طائفي، علماً أن ذلك حصل في درعا أيضاً.

أما الباحث بسام سليمان فيؤكد في حديث لـ"العربي الجديد" أن "السلم الأهلي يعد تحدياً كبيراً في موضوع العدالة الانتقالية، والضغط الأمني يشكل تحدياً ضخماً للغاية، لأن النظام خلال 50 عاماً عمل على تثبيت حكمه من خلال تمزيق الشعب السوري خلال الثورة السورية كي لا يكون متحداً ضده، بل يستخدم بعضه ضد بعض، وعزز النعرات المناطقية والطائفية والعرقية. لذلك، نحن أمام تحديات كبيرة تتطلب مواجهتها بالحوار وتعزيز المشاركة السياسية والثقة بين مختلف أطياف الشعب السوري". ويضيف: "النظام هندس المجتمع ليكون منقسماً ويستخدم تلك الانقسامات لصالحه، ونحن يجب أن نعمل على عكس هذه الهندسة الاجتماعية".

كما أن إعادة بناء المؤسسة العسكرية وبناء جيش وطني هدفه حماية حدود البلاد بعد نجاح الثورة السورية لا يزال يشكل تحدياً كبيراً على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أشهر على تشكيل وزارة دفاع لهذه المهمة. في السياق، يرى الباحث في مركز "جسور للدراسات" رشيد حوراني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن حالة عدم الاستقرار واستمرارها ضمن المؤسسة العسكرية الجديدة تشكل أولى العوائق التي تحول دون تشكيل جيش ودمج عناصره وتأهلهم للانتقال بهم من الحالة الثورية "الفصائلية" إلى الحالة العسكرية الاحترافية. ويوضح أن هذه المؤسسة بحاجة للقوى البشرية التي تضبط الأمن وتواجه المهددات، ومثاله ما حصل من تحركات لفلول النظام في مناطق الساحل السوري، على أن تأتي في مرتبة لاحقة حالة الجغرافيا المقسمة، التي تحاول الإدارة السورية توحيدها، إذ تسيطر على كل بقعة جغرافية قوى معينة في الشرق والجنوب، وهذا بدوره يؤثر على عدم القدرة على اصدار التوجيه العملياتي للجيش والذي يُحدد فيه الهدف العام لهذه المؤسسة ويصدر من رئيس الجمهورية القائد العام للجيش، ومن ثم يقع على عاتق وزارة الدفاع التخطيط لتنفيذه.


رشيد حوراني: تراكم التجاوزات الفردية من شأنه أن يؤدي إلى تشكيل حالة رفض للسلطة الجديدة

قوى مختلفة في سورية

ويعتبر حوراني أنه "في الحالة السورية نلاحظ قوى مختلفة (شرق وجنوب) في أهدافها من قوتها العسكرية، فمثلاً قسد (قوات سوريا الديمقراطية) رحبت بدعم إسرائيل لها، بينما اعتبر الرئيس السوري إسرائيل قوة تحتل جزءاً من الدولة السورية". ويتابع: "كما أن الفصائل التي تشكلت نتيجة التطور التدريجي للعمل المسلح ضد النظام، تتعدد ارتباطاتها الإقليمية والدولية، مع ضعف منظومة التحكُّم والقيادة لدى أغلبها، والتوجّه الإسلامي الذي لا يزال ملازماً لفصائل إدارة العمليات العسكرية، وظهر ذلك بوضوح في إعلاناتها المتكررة التي دعت فيها للانتساب في صفوف الجيش الجديد، وأن تكون الخدمة فيه "في سبيل الله" وفق ما جاء في الإعلانات، ما أثار تخوفاً لدى أطراف في المجتمع السوري المتميز بتنوعه، من أن يكون للإدارة الجديدة خطابان ظاهري وباطني، فضلاً عن طرح تساؤلات عن جدية تحولاتها التي ظهرت بوضوح خلال فترة العمليات العسكرية التي أسقطت النظام بموجبها".

ويرى حوراني أن "تراكم التجاوزات الفردية من شأنه أن يؤدي إلى تشكيل حالة رفض للسلطة الجديدة، كما أن رصد المنظمات المختصة لها من شأنه أن يطيل فترة المراقبة من الجهات الدولية، وبالتالي وضع محددات لاستمرارية أعمالها، وهو ما شاهدناه من تأثير الانتهاكات في الساحل على تقدم المجتمع الدولي برفع العقوبات عن الدولة السورية، وأنه لن يتم تقديم دعم لها على ورق أبيض". ويتابع: "هذا إضافة إلى التهديدات الإسرائيلية التي تصرح علناً بمنع وجود قوات الحكومة السورية في المنطقة الجنوبية، وتدمير صنوف القوات الأخرى، تحديداً الاستراتيجية منها كالطيران والدفاع الجوي". ويلفت إلى أنه "نظراً لهذه الصعوبات تميل الإدارة السورية إلى تقوية جهاز الأمن العام على حساب الوحدات التابعة لوزارة الدفاع". وكل هذه التحديات وغيرها تجعل من مرحلة ما بعد إسقاط نظام الأسد نقطة تحوّل جوهرية في مسار الثورة السورية التي أنهت مهمتها بإسقاط النظام، وتقف الآن على أعتاب فرصة تاريخية ربما لا تتكرر في حال لم يتم استغلالها للوصول إلى تحوّل سياسي حقيقي بإقامة دولة مدنية يتساوى فيها الجميع تحت سقف القانون.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows