
أقر مجلس النواب المصري قبل أيام "اتفاقية نقل المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية" بين مصر والإمارات. وينص قانون تبادل المحكومين على نقل المدانين بأحكام قضائية إلى وطنهم الأصلي لقضاء مدة العقوبة. وشهدت جلسات مناقشة مشروع القانون في البرلمان المصري خلافات حول اشتراط موافقة السجين على التبادل ونقله إلى وطنه الأصلي، وهو ما اعتبره عدد من النواب تفريغاً للقانون من مضمونه، باعتبار أن المحكوم عليه لن يوافق على قضاء العقوبة في البلد الذي ارتكب فيه الجريمة. ودافع وزير الشؤون البرلمانية والقانونية محمود فوزي خلال المناقشات عن هذه المادة، قائلاً إن شرط موافقة المحكوم عليه معترف به دولياً في نصوص الاتفاقيات المماثلة، حيث يساهم في تخفيف معاناة السجين وأسرته، ويسهّل زيارته ويخفف عبء الدولة التي جرت فيها الجريمة.
قانون تبادل المحكومين
وبحسب المناقشات في البرلمان، يهدف قانون تبادل المحكومين إلى تهيئة السبل الكفيلة لإصلاح المحكوم عليه وإعادة تأهيله، باعتبار ذلك الهدف الأساسي للجزاء الجنائي، فضلاً عن كونه يأتي في إطار اتفاقيات التعاون القانوني والقضائي، وفي ضوء احترام حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية.
وتضم بنود قانون تبادل المحكومين الذي أقرّه مجلس النواب المصري 19 مادة، مقسمة على أربعة أبواب. يتضمن الباب الأول أحكام نقل المحكوم عليهم، بينما يحدد الباب الثاني الإجراءات المتبعة الخاصة بنقل المدانين. ويوضح الباب الثالث اختصاصات السلطة المركزية وسبل تسوية الخلافات التي تنشأ حول تطبيق وتفسير الاتفاقية. أما الباب الرابع، فيتناول مدة الاتفاقية ومجال سريانها، وكيفية تعديلها وإنهاء العمل بها.
تلا إقرار القانون تسليم لبنان الشاعر المصري عبد الرحمن يوسف القرضاوي
وبحسب هذه المادة، يقدم طلب نقل السجين من دولة الإدانة، أو دولة التنفيذ، أو من المحكوم عليه، أو من ممثله القانوني، أو من زوجه، أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة. ويُرفض طلب نقل المحكوم عليه إذا رأت دولة الإدانة في عملية النقل مساساً بسيادتها أو أمنها أو نظامها العام أو مصالحها، أو إذا قضي بالبراءة عن الأفعال نفسها في دولة التنفيذ، أو في حال انقضاء الدعوى الجنائية، أو تمّ نقض وقائع الدعوى التي أدين فيها في دولة التنفيذ، وفقاً لنص المادة الرابعة من الاتفاقية.
وتلا إقرار مجلس النواب المصري قانون تبادل المحكومين الذي يثير تساؤلات بشأن تداعياته على الحقوق والحريات، تسليم لبنان دولة الإمارات الناشط والشاعر المصري عبد الرحمن يوسف القرضاوي، الملاحق قضائياً في مصر في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وأكد الحقوقي المصري ومدير المركز العربي لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد أن هذا القانون، وفي ظل الأوضاع السياسية والقانونية في مصر والإمارات، لا يمكن أن تكون له علاقة بالحقوق والحريات، حيث إن أغلب القوانين التي تقرها البرلمانات في هذا السياق تشكل اعتداءً على حقوق المحكومين، وتحرمهم من أبسط هذه الحقوق، وأيضاً من أي ضمانات تمكنهم من محاكمة عادلة. وتساءل في حديث لـ"العربي الجديد": "كيف نتحدث عن ضمانات قانونية للمحكومين في إطار قانون تمّ إقراره في وقت تنتفي معه أي قانونية لاحتجاز الشاعر القرضاوي في أبوظبي؟ خصوصاً أن القانون الاتحادي الإماراتي والإجراءات الجنائية ينصان على حق السلطات في احتجاز أي شخص لمدة 90 يوماً دون توجيه اتهام إليه أو تقديمه للمحاكمة، وهو نصّ مخالف لكل القواعد القانونية الدولية، حتى في مصر". وأضاف عيد: "حتى نكون منصفين، لا يجب أن نشير إلى أن القانون قد فُصِّل على حالة الشاعر عبد الرحمن القرضاوي، ولكننا على يقين أن احتجاز الإمارات للقرضاوي ساهم في تسريع إقرار القانون، في ظل الرغبة الرسمية المصرية في تسلم القرضاوي".
وحول اشتراط القانون موافقة المحكوم عليه على نقله إلى بلده الأصلي، لم يستبعد عيد أن يكون الأمر قد جاء لحماية بعض المحكومين في البلدين، خصوصاً أن عشرات رجال الأعمال المصريين الذين ارتكبوا مخالفات في مصر وقدموا للمحاكمة هناك، انتقلوا إلى الإمارات مع أعمالهم، وهو ما يفسر سبب إبرام البلدين هذه الاتفاقية رغم عدم حاجتهما إليها في ظل علاقاتهما الوثيقة والدافئة، وعدم اكتراثهما بإيجاد غطاء قانوني للتجاوزات.
من جهته، عبر الناشط والحقوقي المصري هيثم أبو خليل عن مخاوفه الشديدة من استخدام هذا القانون غطاءً لتسليم القرضاوي إلى مصر، رغم وجود مخاوف حقيقية على حياته، وهو الأمر الذي ضربت به حكومة نجيب ميقاتي السابقة في لبنان عرض الحائط واستسلمت للنفوذ الإماراتي. وبحسب أبو خليل في حديثه لـ"العربي الجديد"، فإن ما يعزز فرضية ارتباط القانون بقضية القرضاوي، هو ما أعلنه الإعلامي الموالي للسلطة أحمد موسى من أن إقرار القانون يسرّع محاولات تسليم القرضاوي إلى مصر.
عشرات رجال الأعمال المصريين الذين ارتكبوا مخالفات في مصر وقدموا للمحاكمة هناك، انتقلوا إلى الإمارات مع أعمالهم
تخفيف أعباء أم مخاطر إضافية
في المقابل، تحفظ النائب المصري ضياء داود على ربط صدور هذا القانون بالشاعر المصري عبد الرحمن القرضاوي، لافتاً إلى أن القوانين تصدر لخدمة الملايين وليس لاستهداف شخص بعينه، خصوصاً أنها تأتي استكمالاً لالتزامات مصر الدولية، وفي إطار الحديث عن أهمية التعاون الدولي في قانون الإجراءات الجنائية الجديد. وذكّر داود بأن "الاتفاقية بين مصر والإمارات تمّ إبرامها قبل القبض على القرضاوي".
على جانب المنتفعين أو المتضررين من القانون، رأى نصر عطية، وهو من أهالي أحد المحكومين المصريين في الإمارات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذا القانون قد يخفف الأعباء عن السجين وينقل محكوميته إلى بلده الأصلي، وكذلك عن أسرته، وينظم زيارة المحكوم وتواصله مع المحامين، سواء لنقض الحكم أو تخفيف المدة، مؤكداً أن آلاف المصريين ينتظرون صدور هذا القانون منذ سنوات. في المقابل، رأى وجيه عبد الخالق، وهو من أقارب أحد المصريين المحتجزين في الإمارات، معلّقاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذا القانون سيفتح الباب أمام تسلم مواطنين مصريين من الإمارات لهم موقف سياسي محدد من السلطات المصرية الحالية، وهو ما يزيد المخاطر على حياتهم، خصوصاً أن القانون لم يتضمن ضمانات تحفظ سلامة المحكومين أو تمتعهم بمحاكمات عادلة.
