
أبدت عائلات مرضى وجمعيات تُعنى بالصحة العامة في المغرب قلقها خلال الأيام الماضية، بعد شروع مراكز طب الإدمان في تقليص جرعات عقار "الميثادون" بسبب نفاد المخزون. وشهد مركز طب الإدمان بمدينة تطوان (شمال)، الأربعاء الماضي، حالة استنفار أمني بعد إقدام مريض على الانتحار قفزاً من أعلى المبنى احتجاجاً على نقص "الميثادون".
تقول المغربية مروى الصبان، وهي شقيقة مريض يتابع علاجه بمركز طب الإدمان في مدينة طنجة (شمال)، لـ"العربي الجديد"، إن عائلتها باتت قلقة على مصير شقيقها بعدما حذرهم الطبيب من أن المرضى لم يعد بإمكانهم الحصول على جرعاتهم المعتادة من "الميثادون"، وتضيف: "حاولنا التواصل مع أحد أقاربنا في فرنسا من أجل اقتناء الدواء من هناك وإرساله إلينا، لكن طُلب منه إحضار وصفة الطبيب، ولم يسمحوا له باقتنائه. لا نملك لشقيقي اليوم سوى الدعاء".
إلى ذلك، اعتبرت جمعيات تُعنى بالصحة العامة أن نفاد مخزون "الميثادون" يشكل خطرا على صحة المدمنين الذين يعالَجون، إضافة إلى مصابين بعدة أمراض من بينها السل والتهاب الكبد والمتعايشين مع نقص المناعة المكتسبة، وعلى البرنامج الوطني لمحاربة السيدا (الإيدز).
وفي بيان مشترك، نبهت جمعية حسنونة لمساندة مستعملي ومستعملات المخدرات، والجمعية الوطنية للتقليص من مخاطر المخدرات، وجمعية محاربة السيدا، والائتلاف العالمي للاستعداد للعلاج في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى أن توقف توفير العلاج سيؤدي إلى ارتفاع معدلات الانتكاس وحالات العودة لاستهلاك المخدرات، وزيادة حالات الانسحاب التي تسبب معاناة نفسية وجسدية، خصوصاً مع غياب استراتيجيات بديلة للأدوية المهدئة التي لا تتوفر حالياً.
وأكدت الجمعيات أن من شأن توقف توفير الدواء التأثير سلباً على استمرار الأشخاص في الاندماج الاجتماعي والمهني، وتراجع إقبال مستعملي المخدرات على أنشطة الوقاية نظراً للقلق النفسي الناتج عن الخوف من عدم استمرارية العلاج، داعية الجهات المعنية، خاصة وزارة الصحة، إلى "اتخاذ إجراءات عاجلة ومستدامة من أجل توفير الميثادون، وتأمين مخزون للطوارئ لضمان استمرارية العلاج".
وفي البرلمان المغربي، وجهت النائبة عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، فاطمة التامني، سؤالاً كتابياً إلى وزير الصحة، الاثنين الماضي، حول نفاد مخزون "الميثادون"، وطالبت بتقديم توضيحات عاجلة حول الموضوع، وتفسيرات عن الكيفية التي ستتعامل بها الوزارة مع التداعيات النفسية والصحية والاجتماعية، وكذلك الإجراءات التي اتخذتها لضمان توفير الدواء في ظل التحذيرات من خطورة انقطاعه على صحة المرضى، وارتفاع احتمالية الانتكاس، وزيادة معدلات العدوى بالأمراض المنقولة.
وليست تلك المرة الأولى التي تطرح فيها مشكلة انقطاع أدوية حيوية في المغرب، إذ يضاف "الميثادون" إلى أدوية للسكري وارتفاع ضغط الدم والصرع وأنواع معينة من السرطان وبعض الأمراض العقلية والنفسية التي تعرف نقصاً أو المفقودة بشكل كامل. يقول الباحث في النظم الصحية، الطيب حمضي، لـ"العربي الجديد"، إنه "تتعين التفرقة بين نقص الدواء واختفائه بشكل كلي، وفي الثاني نكون أمام حالتين معروفتين؛ الأولى تتعلق بالانقطاع عندما تتسبب مشاكل تصنيع أو توريد المواد الأولية في توقف المختبرات عن إنتاج دواء معين، والثانية تتعلق بتوترات التسويق التي يتعرض لها منتج دوائي معين عندما يكون عليه طلب كبير إما بسبب ارتفاع الطلب المرتبط بظروف ارتفاع عدد المرضى، أو قلة الإنتاج وتأخر الشحن والتوزيع، وكلاهما في النهاية يمسان المريض".
ويوضح حمضي أن جميع الدول يمكن أن تعاني من مشكلة نقص الدواء، وبرزت حدة هذه المشكلة خلال فترة جائحة كورونا وما بعدها، لافتاً إلى أن "صعوبة الأمر تكون مطروحة عندما يكون الدواء المنقطع لا يتوفر له شبيه أو بديل، بينما تكون الأمور يسيرة بالنسبة للأدوية التي تتوفر لها بدائل يمكن استعمالها".
وأكد وزير التجارة والصناعة المغربي، رياض مزور، خلال اجتماع سابق للجنة القطاعات الإنتاجية بمجلس النواب، أن بلاده واجهت خلال السنة الماضية نقصاً في 30 نوعاً من الأدوية، لكن هذا العدد انخفض إلى ستة أدوية فقط بحلول السنة الحالية، لكنه لم ينكر التحديات العميقة التي تواجه المنظومة الدوائية.
وبينما يلزم القانون المختبرات بتوفير مخزون احتياطي لمدة ثلاثة أشهر من كل دواء، حذرت كونفيدرالية نقابات صيادلة المغرب أخيراً من أزمة الانقطاعات المتكررة للأدوية التي يشهدها قطاع الصيدلة، مشيرة إلى أن الحل لتخفيف هذه المعاناة التي يعيشها المرضى من جراء البحث عن الأدوية يكمن في منح الصيادلة "حق الاستبدال"، والذي يخولهم استبدال دواء أصلي بدواء بديل من نفس المكونات وبنفس الجرعات في حال عدم توفر الدواء المنصوص عليه في الوصفة الطبية.

Related News


