فقاعات وغرائب أجندة ترامب وخطابه الخارجي
Arab
3 hours ago
share

تسارعت في الأيام الأخيرة انكشافات الشطط والتخبط في رئاسة دونالد ترامب. صارت "غارقة تحت الماء" بتعبير شبكة فوكس نيوز المعروفة بولائها وانحيازها التام له، والمتخوفة من العواقب والمضاعفات. التمادي في غرائب أجندة الرئيس المحلية بدأ يوسّع حالة الاعتراض المتزايد في صفوف الرأي العام، والتي انعكست في هبوط رصيد الرئيس بصورة ملحوظة من 47% إلى 42% بين منتصف فبراير/ شباط والحادي عشر من مارس/ آذار الحالي، حسب استطلاع جامعة كوينيبياك الموثوق به في هذا المجال. وزاد من الخسائر أن وعود الرئيس بمعالجة النزاعات الخارجية بصورة "سريعة وحاسمة" تبيّن أنها ليست أكثر من فقاعات صابون انتهت إلى إخفاق حتى في خطواتها الأولية في هذا الاتجاه.

رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمشروعه بوقف النار في أوكرانيا لمدة شهر كشف عن وهم في التعامل مع هذا الأخير، وبما أدّى إلى المبالغة أو التبسيط في قراءة سيّد الكرملين ومقاربته للحرب وشروطه لطيّ صفحتها. فالانطباع الذي تركه أنه يعوّل على حسن النيات بحكم العلاقة الودّية مع بوتين، وبما يوفر له فرصة لتحقيق إنجاز خارجي من العيار الثقيل في مطلع رئاسته. لكن الرد، أو بالأحرى الصدّ الروسي، من شأنه إرباك الإدارة. فهي ليست في وارد العودة إلى السياسة التي اعتمدها الرئيس السابق جو بايدن بتسليح أوكرانيا بمليارات الدولارات، لزيادة الضغط على موسكو وإرغامها بقبول مشروع وقف النار. ومن جهة ثانية، ستجد الكثير من الصعوبة والإحراج حتى تجاه قسم كبير من الجمهوريين، لو اختارت التراجع عن اقتراحها بالصيغة التي طرحتها كمقدمة لمفاوضات الحل النهائي. الوضع الذي انتهت إليه أثار انتقادات كثيرة من زاوية أنه أعطى المبادرة إلى موسكو لترسم الإطار والمسار لهذه الحرب ونهاياتها، وبما يترك لواشنطن وظيفة الضغط على أوكرانيا لتقديم التنازلات، وبالتالي الرضوخ للمطالب الروسية.

كذلك كان الحال بالنسبة لوقف النار في غزة، حيث انتهى الأمر عمليا إلى وضعه وفق مشيئة إسرائيل التي رفضت الانتقال إلى المرحلة الثانية من المشروع والاكتفاء باقتراح بديل قدمه المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف (الذي صارت مهمته الرئيسية روسية أكثر منها شرق أوسطية)، لتمديد المرحلة الأولى لأكثر من شهر، حتى 20 إبريل/نيسان، على أن يؤدي إلى الإفراج عن المزيد من الأسرى مقابل السماح بتمرير المساعدات الإنسانية إلى القطاع. يعني الخيار بين التجويع والتمديد بدون أفق واضح. ولتسويق هذا العرض الضبابي، نفى ترامب أن يكون هناك "من يقوم بطرد أي فلسطيني"، في إشارة ملتبسة إلى مشروعه لترحيل أهل القطاع، والذي قيل إن البيت الأبيض قد صرف النظر عنه. لكن الإدارة الآن مشغولة بترحيل الفلسطيني محمود خليل، الطالب في جامعة كولومبيا الأميركية، بتهمة معاداته للسامية والحث على العنف، خلال التظاهرات الطلابية في الجامعات الأميركية خلال السنة الماضية احتجاجا على حرب غزة.

وقد تحولت قضيته بعد توقيفه السبت الماضي، إلى مسألة دفاع عن الحريات باعتبارها تمس "حق التعبير" المكفول بالدستور. وقد تدخل الإعلام في القضية للتحذير من المساس بهذا الحق. بعض الصحف الكبرى أفردت افتتاحيات للموضوع (جريدتي وول ستريت جورنال وواشنطن بوست). وقام أمس عدد من الطلبة اليهود بتظاهرة في بهو مدخل بناية ترامب الشهيرة في مانهاتن- نيويورك، مطالبين بالإفراج عنه.

في الحربين سلمت الإدارة الأمر إلى الأقوى. ولا يبدو أنها تعتزم تغيير هذه المعادلة، خاصة وأنها غارقة في إشكالات برامجها وسياساتها الإدارية والاقتصادية والتجارية التي تسببت بخلق أجواء وضعها مراقبون تحت عنوان "جنون الفوضى"، في المؤسسات التي تتعرض لعملية غير مسبوقة من تسريح الموظفين وإقفال بعضها، بما أثار ضجة تتزايد رقعتها السياسية والشعبية والإعلامية، فضلا عن التحركات التي يشهدها الكونغرس في هذا الخصوص، عدا تدخلات القضاء ضد الحملة الجارية، والذي تصّدى وما زال لبعض جوانبها في معركة مفتوحة على المدى المنظور.

وإذا كانت "كل السياسات محلية" حسب مقولة رئيس مجلس النواب الأسبق تيب أونيل، والتي ما زالت معتمدة كمرجعية في واشنطن، فإن المعركة المحلية الجارية لا بد وأن تترك تأثيرها على سياسات الإدارة الخارجية. فالغرق في الداخل يؤدي إلى التخبط إن لم يكن أكثر في الخارج. ويحذر المراقبون من أن هذا الأخير يراقب بدقة ما يجري من تذبذب واضطراب في القرار الأميركي الراهن، خاصة في حربه التجارية، فضلا عن شطحاته الخارجية الأخرى من غرينلاند (التي قد تسرّع في انفراط حلف الأطلسي لو أدت المسألة إلى أزمة كبيرة بين واشنطن والدنمارك)، إلى بنما التي طلب الرئيس ترامب الخميس من البنتاغون إعداد خطة عسكرية "لاستعادة القناة". ولا يقل عنه اهتماماً، مشروعه لصياغة أميركا أخرى مختلفة تماما عن تلك التي كانت في الـ249 سنة الماضية، مع كل ما ينطوي عليه من مجازفات ومخاطر يتوقف عندها كثيرون من المعنيين الأميركيين وبكثير من القلق والتوجس.

Related News

( Yemeni Windows) محرك بحث إخباري لا يتحمل أي مسؤولية قانونية عن المواد المنشورة فيه لأنها لا تعبر عن رأي الموقع..

All rights reserved 2025 © Yemeni Windows