
تعاني أحياء في مدينة بانياس وبعض قراها التابعة لمحافظة طرطوس، من أوضاع خدمية وإنسانية سيئة بعد أن اضطر سكانها للهروب إلى الأحراج والغابات، علّها تكون أكثر أماناً بعد المجازر التي ارتكبها في الأيام القليلة الماضية عناصر من فصائل غير منضبطين شاركوا في ملاحقة فلول النظام البائد.
"العربي الجديد" تواصل مع بعض الأهالي في تلك المناطق السورية لمعرفة واقع حياتهم المعيشية هناك، وكيف يستطيعون تأمين احتياجاتهم ولوازمهم اليومية.
خمسة أيام من الألم في بانياس
المترجم نوفل نيوف من منطقة بارمايا في بانياس يقول لـ "العربي الجديد" "إنّ معظم الناس هربوا من القرية خوفاً على أرواحهم، أما أنا فبقيت في بيتي، بصراحة لم تطاوعني نفسي في مغادرته إلى الغابات المحيطة التي لجأ إليها الناس، وعندما حصلت إطلاقات نار كثيفة وسمعنا بأن المسلحين دخلوا إلى أول قرية بارمايا وأحرقوا محلات القرية، كُسرت رجلي وأنا أحاول رؤية ما يحصل". وأضاف: "بقيت خمسة أيام أعاني من آلام وصعوبة في الحركة حتى تمكنت سيارة إسعاف تابعة للدفاع المدني من الوصول إلى بيتي بعد عدة وساطات واتصالات كثيرة حيث استدلينا على أشخاص يعملون في الهلال الأحمر السوري، وقد حصل ذلك بالتنسيق مع قوات الأمن العام الذين وصلوا لاحقاً، وتعاملوا مع من بقي في القرية بشكل لطيف، كما أنهم جلبوا ربطات خبز (ربطة لكل بيت) تم توزيعها على السكان".
ويضيف نيّوف: "فاجعتنا لا توصف وحزننا كبير على الناس التي قتلت ومنهم أقرباء لي، ومدنيون قتلوا حين حاولوا الاختباء بين الأشجار خلف بيوتهم، وبينهم نساء وأطفال عددهم قرابة خمس وعشرين شخصاَ ممن عرفناهم حتى اللحظة". ويشير إلى أن معاناة الناس هنا مضاعفة ومتعددة، بسبب انقطاع الكهرباء والماء منذ خمسة أيام حتى أمس الخميس، مع عدم توفر الأدوية بسبب حرق معظم الصيدليات، وغياب المواد الغذائية مثل الأرز والسكر، والأصعب هو عدم توفر أي وسيلة نقل أو سيارات أو باصات يمكن أن تسعف المصابين أو المرضى في حالة خطرة، لأن معظم السيارات إما مسروقة لا نعلم مكانها أو محروقة إلى جوار بيوت أصحابها، وحتى من لديه سيارة يخاف النزول إلى قلب مدينة بانياس حتّى اللحظة، وليس هناك أي ضمانة حقيقية من عدم التعرض للقتل".
انقطاع حليب الأطفال
أما عمّار أحمد (من سكان قرية حريصون التي تعرضت لانتهاكات كبيرة من قتل وحرق ونهب للممتلكات) فيتحدث لـ"العربي الجديد" عن طفلته الرضيعة التي تحتاج إلى حليب أطفال، وإلى حفاضات يومية ولكن من الاستحالة الحصول عليها حالياً، لذلك يضطر للذهاب هو وعدد من السكان إلى القرى الجبلية البعيدة للحصول على حليب بَقريّ وخلطه بالماء ليناسب أعمار أطفالهم الرضّع". ويضيف: "إنه يعاني مثل باقي أهالي القرية من عدم وجود أية أموال لشراء حاجاتهم، فهم لم يقبضوا رواتبهم بسبب انقطاع الطريق بين القرية ومدينة بانياس".
أما عن تأمين الخبز يقول: "إنّ أفران قرى حريصون ورأس الوطى والقاموع مغلقة بسبب عدم توفر مادة الطحين، بينما يؤمنون الخبز من فرن قرية دوير بعبدة البعيدة والتابعة لريف جبلة"، مشيراً إلى أن" احتياطي هذا الفرن لا يكفي لثلاثة أيام قادمة وهذا قد ينذر بكارثة جوع في حال لم يتم إيجاد حل لذلك". ويتابع أنه منذ خمسة أيام هو وعائلته وأقرباؤه يبيتون في العراء، وفي النهار عندما يشعرون أن الوضع جيد يأتي بعض الشباب ويحضروا لهم الطعام وحاجاتهم الضرورية كون الغابة قريبة من القرية،
ويصف الوضع حالياً بأنه هادئ نوعاً ما مقارنة بالأيام القليلة الماضية، لكن شعور القلق والخوف مازال مسيطراً عليهم ويمنعهم من العودة للقرية بشكل نهائي، وأنه حتّى اليوم لم تصل أي مساعدات سواء من جمعيات خيرية محلية أو منظمات دولية أو من الحكومة الحالية.
لم تتلق علاجها الكيميائي
كذلك تحدثت فرح هاشم، وهي من سكان قرية حريصون أيضاً ،مع "العربي الجديد" عن معاناتها مع مرض السرطان وعن استحالة وصولها إلى مستشفى اللاذقية لتلقي جلساتها الكيميائية هناك، وكانت قد فاتتها جلسة الأسبوع الماضي، مضيفة "أنها تشعر بالقلق من استمرار توقف علاجها في حال بقيت الطرقات غير آمنة".
هدوء حذر
بينما تشير الموظفة ندى محمد (من قرية القلوع التابعة لمدينة بانياس) إلى "وجود هدوء حذر يسود الضيعة يرافقه خوف شديد للأهالي، علماً أن قسماً منهم لا يزالون في الأحراج القريبة، ولا يجرؤون على العودة لبيوتهم خوفاً من هجوم مباغت للفصائل المسلحة خاصة أن هناك فصيلا مسلحا من الأجانب متمركز في منطقة السن القريبة من قراهم ولا يعرفون متى سيغادر المنطقة".
وتروي ندى لـ"العربي الجديد" معاناة الناس "فهم يعيشون بلا كهرباء ولا ماء من يوم الجمعة الماضي، كما أغلق الفرن ليوم واحد لكنه عاود العمل تدريجياً، وهناك تعليق للدوام في المدارس لمدّة أسبوع، وتقول إنه حتى لو فتحت المدارس لا أحد سيغامر ويرسل أولاده إليها وأنا واحدة منهم".
عودة تدريجية لأهالي حي القصور
رهف ندّة مهندسة من سكان حي القصور في مدينة بانياس، أشارت إلى أنه من يومين عاد قسم كبير من السكان إلى منازلهم، وهناك تحسن ملحوظ في الكهرباء حيث تأتي ثلاث ساعات صباحا ومثلها مساء.. بينما المياه لا تزال مقطوعة دون معرفة الأسباب، ويتم تأمين المياه عن طريق صهريج متنقل يتمركز في نقاط محددة من المدينة.
مبادرات إغاثية
كذلك أوضحت مصادر أهلية لـ"العربي الجديد" عن استعداد محافظات السويداء - حمص - دمشق لتنظيم حملات إغاثية مشابهة تستهدف قرى الساحل المتضررة ومن المتوقع أن تصل الأسبوع المقبل.

Related News


