
يشترك جميع أفراد الأسرة الخليجية في الاحتفال بليلة "القرنقعوه" في منتصف شهر رمضان، وإن اختلفت التسمية باختلاف البلدان، لكنّ المعنى يظل متماثلاً، وهو تشجيع الأطفال على مواصلة الصيام
يحتفل أطفال قطر، ومعهم الأطفال في دول الخليج العربية، اليوم الجمعة، بإحياء طقس "القرنقعوه" في ليلة منتصف شهر رمضان، الذي يمثل تكريماً للأطفال الذين قطعوا منتصف الطريق، وصاموا أسبوعين من شهر رمضان، ربما لأول مرة في حياتهم، في تحفيز وتشجيع لهم على صيام النصف الثاني من الشهر الفضيل.
ووفق الطقوس المتوارثة، يطوف الأطفال على بيوت الفريج (الحيّ)، حاملين أكياساً من القماش أو الجلد، تسمى "الخريطة"، وهم يرددون أهازيج حماسية، ويطرقون الأبواب بغية ملء الأكياس التي يحملونها بمختلف أنواع الحلوى والمكسرات. ويتزين الأطفال في ليلة "القرنقعوه" بالملابس التقليدية الشعبية ذات الطابع الخليجي، إذ يرتدي الذكور الثياب البيضاء الجديدة، ويعتمرون "القحفية"، وهي طاقية مطرزة، إضافة إلى "الصديري" المطرز، وهو رداء شعبي يلبس فوق الثوب ويتدلى حتى الخصر. أمّا الفتيات، فيرتدين فوق ملابسهن العادية "الثوب الزري" وهو ثوب يشعّ بالألوان ومطرز بخيوط ذهبية، ويضعن أيضاً "البخنق" لتغطية رؤوسهن، وهو قماش أسود تزينه خيوط ذهبية، إلى جانب وضع بعض الحليّ التقليدية.
ويردد الأطفال في ليلة القرنقعوه أغاني تراثية، من أشهرها "قرنقعوه قرقاعوه. عطونا الله يعطيكم. بيت مكة يوديكم. يا مكة يالمعمورة. يا أم السلاسل والذهب يا نورة".
ومع بداية شهر رمضان، تبدأ الأسر القطرية بإعداد سلال كبيرة تُسمّى شعبياً "الجفير"، تُملأ بالمكسّرات والسكاكر التي تشمل الزبيب واللوز والجوز والنخي والملبّس وغيرها، حتى تُعبّأ بها أكياس الأطفال الزائرين الذين يسيرون في مجموعات، ويطرقون أبواب منازل الفريج.
ويقضي الطابع التقليدي للاحتفال بالقرنقعوه أن ينتظر الكبار في بيوتهم حتى يأتي الأطفال ويقرعوا الأبواب، ويطلبوا منهم الحلوى والمكسّرات، فيخرج الكبار الجفير ويوزّعون ما فيه على الأطفال، والذين ينطلقون بعدها للمشاركة في الاحتفالات العامة.
وقبل حلول ليلة منتصف رمضان بأيام، تسعى المحال الكبرى والمتخصصة لإظهار بضائعها من المكسرات والملابس والزينة، بينما يتبارى المصممون والمصممات لاستقطاب الأمهات لتجهيز ثياب هذه الليلة، ويقدمن عروضاً مغرية بهذا الخصوص.
ولم يعد الاحتفال حكراً على الأسر والعائلات، فقد درجت مؤسسات قطرية كثيرة منذ سنوات على إعداد برامج خاصة للاحتفال بهذا الموروث الشعبي العريق، تستضيف خلالها الموظفين برفقة عائلاتهم وتوزع أكياس المكسرات بهدف إدخال البهجة على نفوس الأطفال.
ويثني الكاتب والباحث في التراث الشعبي صالح غريب، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على حرص الأسر القطرية على الاحتفال بالقرنقعوه، والمحافظة على هذا التقليد التراثي، لكنه يدعو الأسر إلى "عدم المبالغة في الاحتفال لمنع تحوّله إلى احتفال استهلاكي، وعدم الانسياق وراء الإعلانات، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو في الصحف، فتلك الإعلانات تعرض أنواعاً فاخرة من المكسّرات الموضّبة في علب تتجاوز قيمتها مئات الريالات، أو تقدم دعايات لموائد مفتوحة، وملابس تراثية باهظة الثمن، وعادات أخرى غير مرتبطة بالقرنقعوه".
يضيف غريب أنّ "جمالية احتفال القرنقعوه تتمثل بشكله التقليدي البسيط الذي لا يكلّف الأسر الكثير، وبالتالي لا يرهقها مادياً، وبالأزياء البسيطة، كالدراعة والثوب والقحفية والبخنق، وهي أيضاً غير مكلفة. لنكتفِ بالمكسّرات البسيطة التي توجد في البيوت، ونحافظ على القرنقعوه احتفالاً تراثياً من دون المبالغات".
وليلة القرنقعوه معروفة في مختلف مناطق الخليج العربي، وبحسب اختلاف المكان، تختلف مسمياتها، كما تختلف الأهازيج الخاصة بها، فيُطلق عليها في قطر والكويت والمنطقة الشرقية في السعودية "القرنقعوه"، فيما تُسمّى في البحرين "القرقاعون"، ويُطلق عليها أهل سلطنة عُمان "القرنقشوه"، وأمّا في الإمارات، فهناك احتفال مشابه اسمه "حقّ الليلة"، ويحتفل به في منتصف شهر شعبان.
وتشير كتب التراث الخليجي إلى ثلاثة آراء لمعنى القرنقعوه. فالاسم بالنسبة إلى الرأي الأوّل مشتقّ من قرقعة الحصى، إذ إنّ الأمّهات قديماً كنّ خلال ذهابهنّ إلى البرّ في فصل الربيع، يجلبنَ معهنّ حصى ملساء ويحتفظنَ بها لهذه الليلة، وتعطي الأمّ كلّ طفل، سواء كان فتى أو فتاة، اثنتَين من تلك الحصى الملساء بيضاوية الشكل التي تُسمّى "الصمية"، علماً أنّها من حجارة الصوّان، ليضرب الطفل إحداهما بالأخرى لتحدثا صوتاً شبيهاً بالقرقعة.
أمّا الرأي الثاني الخاص بتسمية هذه الليلة، فيقول إنّ "قرنقعوه" تعني قرع الأطفال على أبواب البيوت، فيما الرأي الثالث يُنسبها إلى "قرة العين" التي يمثلها حلول شهر رمضان.

Related News


