Arab
خارج عملية الاستخدام المباشر والموجّه لأشخاص هامشيين غلبتهم نشوة النصر وبرزوا فجأة من عمق الاختلاف في أتون الاستقطابات الحادة في المجتمعات المُتناحرة، وخاصة للشخصيات العامة التي تنجز عملاً يوصف بالمخالف، أو تطالب بإنفاذ قانون إجرائي تستلزمه المرحلة ويكون فعلياً خارج الرغبات المتأجّجة في صدور الهامشيين الذين يعتبرون أنفسهم ليسوا أصحاب حقّ فحسب، بل قضاة وحُماة للحقّ العام والأخلاق المطلوب تهذيبها وتعميمها بنسق أحادي مفروض من أصحاب العهد الجديد أو حراس الدين والقيم والأخلاق الذين يسعون لتثبيت أنفسهم كجهة عليا رادعة، قامعة، تمتلك حقّ العقاب حتى لو كان هدر الحياة، ومن لا يلتزم تتوجّب معاقبته بعقوبات جاهزة وبأدوات شعبوية مُتكرّرة ومُتجدّدة حسب زمان ومكان الحدث، كائنًا من كان؛ مسؤولًا، موظّفًا عاما، رجلاً، امرأة، طفلاً...، لا يهم، المهم أنهم يحتكرون دور القانون ودور المجتمع، فتتحول ردود أفعالهم إلى اعتداء صارخ وتجاوز على سلطة القانون والتوافق المجتمعي.
أعلن بعض أهل مدينة حماة تبرؤهم من الرجل الذي هدّد وزير التربية محمد تركو، مدّعياً أنّ الوزير المذكور قد أساء للدين بزيادة عدد ساعات الموسيقا واتهمه بالنيل من القرآن، وإبقاء عدد ساعات الديانة الإسلامية من دون زيادة. يتنصّل أهل المدينة من هذا الرجل لأنه فعلياً ظهر بصورة حادة مُهدّدًا بالويل والثبور، وفسّروا تصرّفه بأنّه شخصي بحت مع أنّه كان ضمن سياق وقفة لعدد كبير من الرجال للاعتراض على دروس الموسيقا في المناهج. في المقابل تمّ افتتاح ابتدائية شرعية للأطفال في سن التعليم الابتدائي في سابقة جديدة، خاصّة أنها تجاوزت العرف السابق بعدم إدخال التعليم الشرعي إلى المدارس الابتدائية.
في المقابل، كان من اللافت الترحيب الدمث والمُبتهج بافتتاح الابتدائية الشرعية وكأنّها تطوّر إيجابي مُنتظر ويُبنى عليه الكثير من المعرفة والعلم للتلاميذ. كما أنّ الصور أظهرت أعداداً كبيرة من هؤلاء التلاميذ الذين لا يملكون شيئًا من أمرهم ليُقال إنّه خيارهم. سيتأقلمون مع ما أُريد لهم رغمًا عنهم أو برغبتهم لا فرق، لأنّ الرغبة الحقيقية الواعية هنا مفروضة والاعتراض مرفوض في ظلّ وصاية شعبوية تبدو اختيارية وتمتلك خصوصية عائلية، لكنها فعلياً جزء من سياق عام يهدف إلى زج الأجيال الناشئة، ومنذ مراحل التعليم الأولى، في مسار يدّعي أيضاً أنّه يحافظ ويرعى القيم والأخلاق الحميدة والضرورية لنشأة سليمة وقويمة، لكنها فعليًا نشأة إقصائية ذات توجّه أحادي وقسري، وخارج السياق المجتمعي المألوف والمُتعارف عليه. إن تقديم هذه التغييرات كإجراءات أساسية تصحيحية مطلوبة اجتماعيًا هو تغيير بنيوي لمسار العملية التعليمية والتربوية برمتها.
يحتكرون دور القانون ودور المجتمع، فتتحوّل ردات فعلهم إلى اعتداء صارخ وتجاوز على سلطة القانون والتوافق المجتمعي
نوال سيدة دمشقية، قالت إنّ أحدًا لم يوجّه لها ولعائلتها أيّ أمر مباشر بتغيير زيّها، لكنها قرأت ذلك في العيون، النساء والرجال ينظرون إلى السافرات وكأنّهن كافرات. شاهدت نوال منع أحد عناصر الأمن لحافلة عامة من الانطلاق بركابها الخمسين إذا لم يخلع أحد الشباب الشورت. أجاب رجل الأمن عندما سُئِل عن المرجعية القانونية لتصرّفه وبلهجة حاسمة: إن هذا أمر محسوم، لا نصّ مكتوبا بمضمونه وهو مخوّل بفرضه ومراقبة تنفيذه ومن الممنوع بتاتاً الاعتراض عليه.
ربّما، يفسّر ما سبق لجوء العديد من النساء لارتداء الحجاب وخاصّة في الساحل وريف حمص وحماة، ربما لدرء مخاطر التعرّض للمساءلة أو للتنميط المُسبق، طلباً لحماية لم تتحقّق، وربّما هذا ما يفسّر لجوء العديد من العائلات الدمشقية إلى التجمّع واستئجار مزارع خاصة لعدّة أيّام بعد صدور خطب دينية ومقاطع مصوّرة لا تهاجم فقط النساء الجالسات في المقاهي وبأيديهن النرجيلة ويدخنّ السجائر في فعل اعتدن عليه! بل وصل الأمر إلى ذمّ أزواجهن ووصفهم بأنهم "ديوثون" لأنهم يرافقون زوجاتهم في جلسات المُنكر والفحشاء.
انفلات الشعبوية مؤشّر واقعي لكنه خطير على سير المجتمعات ونفاذ القانون وتبدّل القيم في المراحل الانتقالية التي يسعى المهلّلون لها لتثبيتها وإدامتها وفرضها بصورة حاسمة على الجميع في معركة فعلية لكسر الخيارات الأخرى وتغييبها.
Related News

السلطات السورية تشكل أول برلمان بعد الإطاحة بالأسد
aawsat
14 minutes ago

انهيار صخري داخل منجم في روسيا وإجلاء 151 عاملا
al-ain
17 minutes ago

لحماية نجم آخر.. مدرب الجزائر يؤجل أول دعوة لياسين تيطراوي
al-ain
19 minutes ago