
Arab
شهدت مدن مغربية عدة منذ نهاية الأسبوع الماضي احتجاجات شبابية حملت اسم "مسيرة الشباب المغربي"، استجابة لنداء أطلقته مجموعة حديثة الظهور على تطبيق ديسكورد تحت اسم "جيل زد 212" (GENZ212). وتؤكد متابعة نشاط المجموعة ومقابلات مع خبراء سيبرانيين ومشاركين أن المنصة لعبت دوراً مركزياً في تنسيق التجمعات، وتحديد أماكن اللقاء، وتبادل الرسائل الصوتية والنصية قبل ساعات قليلة من انطلاق الوقفات، ما جعل السلطات أمام حراك يصعب التنبؤ به أو التحكم في مساره.
تصف مجموعة "جيل زد 212" نفسها بأنها "فضاء للنقاش" حول "قضايا تهمّ كلّ المواطنين مثل الصحة، التعليم ومحاربة الفساد"، مع تأكيدها المستمر على رفض "العنف" والتشديد على "حب الوطن والملك". ويأتي خطابها في سياق معضلات اجتماعية واقتصادية عميقة يعيشها المغرب، إذ تعدّ الفوارق الاجتماعية والمجالية والبطالة، خصوصاً بين الشباب والنساء، من أبرز التحديات المرتبطة أيضاً بتفاوت مستويات التعليم والصحة بين القطاعين العام والخاص.
يقول الخبير السيبراني المغربي الطيب هزاز، لـ"العربي الجديد"، إن اختيار الواقفين وراء المجموعة تطبيق ديسكورد الذي أُطلق عام 2015 أساساً لمجتمع اللاعبين يرجع إلى مزاياه التقنية: فهو مجاني، ويتيح الدردشة النصية والصوتية والمرئية، ويتميز بحصر المحادثات داخل مجموعات مغلقة، ما يجعله أقل انفتاحاً من شبكات اجتماعية أخرى. ويضيف: "هو برنامج مفتوح في وجه الجميع، ويتيح فتح حساب من دون الحاجة إلى اسم حقيقي أو رقم هاتف، فضلاً عن إمكانية عقد اجتماعات مباشرة، وهي مزايا جعلت منه منصة خاصة للاحتجاجات". وبحسب هزاز، فإن مجموعة "GENZ212" التي أُنشئت في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024 بدأت بنشر منشورات أولية تزامنت مع تفاعل صفحات أجنبية، قبل أن يلتحق بها آلاف المغاربة ويتطور الأمر إلى إنشاء غرف دردشة خاصة بكل مدينة.
ووصل عدد المنخرطين إلى أكثر من 134 ألف عضو، مع ملاحظة أن القائمين على المجموعة يوسّعون الدعوات لتشمل أشخاصاً مجهولي الهوية خارج المغرب. يوضح هزاز أن مشرفي المجموعة يطالبون الأعضاء باتخاذ احتياطات لتفادي المراقبة، مثل تغيير الأسماء والصور وتقديم معلومات مضللة في صفحاتهم. كما يعتمدون على أساليب للتعبئة، منها تداول المنشورات بوتيرة سريعة، واستخدام حسابات بأسماء نساء لجذب الرجال إلى المشاركة، وهو ما ظهر جلياً في الأيام الأخيرة حيث غلبت الحسابات النسائية على المنشورات.
إلى جانب ذلك، تنظم المجموعة جلسات حوارية عبر الصوت أو الفيديو تستضيف أحياناً شخصيات حقوقية أو فاعلين في المجال الرقمي، وتُخصص لقاءات تقييمية بعد كل وقفة احتجاجية للتخطيط للخطوات المقبلة، ما يعكس مستوى من التنظيم والمرونة. كما تحدد من خلال المجموعة أماكن تجمع المحتجين إلكترونياً قبل ساعات قليلة من الموعد، وذلك بغية جعل السلطات أمام حراك يصعب التنبؤ به أو التحكم في مساره، ومناقشة القرارات المصيرية، كما يقول أحد أعضاء المجموعة، كاشفاً أنه بعد نهاية كل وقفة احتجاجية، يعقد المحتجون اجتماعات رقمية على "ديسكورد" لتقييم النتائج والتخطيط لخطواتهم المقبلة. وشدد منظمو الاحتجاجات عبر ملصقات متداولة على الإنترنت على سلمية التظاهرات، ودعوا المشاركين إلى الالتزام بمبدأ اللاعنف، احترام المواطنين وقوات الأمن، والتصرّف بـ"أدب ولباقة". كما أكدوا دعمهم للملكية باعتبارها "ضامناً للاستقرار".
بحسب دراسة أعدتها مؤسستا OPINION WAY MAROC وSAGA عام 2024، يقضي نحو 43% من الشباب المغربي (18-29 عاماً) ما بين 3 و5 ساعات يومياً على منصات التواصل الاجتماعي، معتبرين أنها فضاءً للتعبير عن الذات والابتكار وبناء العلاقات.
تزامناً مع هذه التطورات، أصدر مرصد المحتوى الرقمي (جمعية خبراء الحاسوب المغربية – غير حكومية) تقريراً حذّر فيه من أن "ديسكورد لم يعد مجرد فضاء للتواصل بين اللاعبين، بل تحول إلى ساحة علنية للتحريض وأداة مركزية في يد خوارزميات سيليكون فالي لتأجيج الاحتجاجات وخلق ثورات مفتعلة". ويرى المرصد أن بنية المنصة القائمة على الخوادم المغلقة تمنحها قدرة استثنائية على تمكين الشباب من التنسيق بعيداً عن الرقابة. ويضيف أن الحراك الرقمي لـ"جيل زد" في المغرب "يتجاوز العفوية ليدخل في نطاق عمليات تأثير ممنهجة تستخدم الذكاء الاصطناعي"، موضحاً أن هذه التقنيات تحلل بيانات الشباب وتستهدفهم بمحتويات مصممة خصيصاً تعزز أفكاراً محددة وتعزلهم عن الآراء المخالفة. وبرأي المرصد، "القضايا الاجتماعية المشروعة مثل الحق في تعليم جيد وخدمات صحية لائقة تُستثمر لتوجيه الغضب الشعبي نحو أجندات خارجية". غير أن المرصد لم يقدّم في تقريره معطيات تقنية مفصلة تبرّر خلاصاته، مكتفياً بعبارات عامة عن "التحريض" و"الاستغلال الخارجي".

Related News

«حماس»: مصر ستستضيف مؤتمراً فلسطينياً حول مستقبل غزة
aawsat
17 minutes ago

لصحة الأمعاء وفقدان الوزن... متى عليك تناول الإجاص؟
aawsat
30 minutes ago